قضايا وآراء

سبع سنوات من الحرب.. واليمن بلا جيش

أنيس منصور
1300x600
1300x600
في 26 آذار/ مارس 2015، هبت من شمال جغرافيا اليمن عملية عسكرية أطلق عليها "عاصفة الحزم"، وتلك قصة كبيرة ومعروفة؛ لكننا هنا نستعيدها كي نعاود السؤال: لماذا انطلقت العاصفة..؟ والجواب البسيط: لأن سلطة اليمن الشرعية كانت قد فقدت القدرة على حماية نفسها وتعرضت الدولة للسقوط على يد جماعة الحوثي.

إذاً، سيكون من البديهي، أن هدف عاصفة الحزم الأول، هو مساعدة السلطة اليمنية كي تستعيد دولتها، وأول عامل هو مساعدتها لبناء جيش وطني من الصفر. وكي نختصر الشرح، سنسأل: هل حدث ذلك..؟ لا يبدو أن الواقع يرد علينا بالإيجاب.

الحقيقة أن سبع سنوات من الحرب كشفت لنا بوضوح وأكدت لنا بما لا يدع مجالا للشك، أن هدف التحالف الأساسي ليس مساعدة اليمن لبناء قوته الذاتية؛ بل حشد كل الأسباب لمنع نشوء هذه القوة. هذه الخلاصة أضحت بديهية لدى اليمنيين ولا نحتاج شروحات كثيرة لنثبتها لهم.

في البداية، غامرت السعودية والإمارات للدفع بقوات منها للبلد، ثم حشدت مجندين يمنيين ليخوضوا المعركة في بلادهم، وبدأ الأمر كما لو أنه إسهام في تشكيل جيش وطني يتكفل هو بحماية بلاده واسترداد دولته. كان هذا لمدة عام فقط منذ بداية الحرب، أي حتى نهاية العام 2016. ثم ماذا حدث..؟
سبع سنوات من الحرب كشفت لنا بوضوح وأكدت لنا بما لا يدع مجالا للشك، أن هدف التحالف الأساسي ليس مساعدة اليمن لبناء قوته الذاتية؛ بل حشد كل الأسباب لمنع نشوء هذه القوة

بدأ التحالف يستشعر خطورة الجيش الذي بدأ يتشكل، وغيّر خططه وتوجهاته، وبدأ بحشد كل البدائل والمعيقات لتكوين قوة مليشاوية متفرقة ترتبط مباشرة بدول التحالف، وذهب أبعد من ذلك؛ لتدمير نواة "الجيش الوطني"، ذلك الذي كان قد تشكل في البدء باعتباره القوة الأساسية لوزارة الدفاع اليمنية.

دعنا نتجاوز هنا سرد ما هو معروف من حقائق ونذهب للتساؤل: لماذا يشعر الخليج وتحديدا السعودية والإمارات بخطر نشوء جيش وطني يمني بعيدا عن منطق المليشيات والتشكيلات المسلحة الفئوية والمناطقية وحتى الطائفية إذا ما وضعنا في الاعتبار جيش الحوثي، فهذا الأخير لا يبدو أنه يمثل مشكلة لدول التحالف وإن قالت بعكس ذلك.

الجواب المباشر والبسيط يتمثل في هذه الحقيقة المركزية، والسبب الأساسي لتوجسات السعودية والإمارات من أي قوة يمنية مسلحة متحررة من هيمنتهما ولا تضمنان خضوعها الدائم لهما. الحقيقة أن هاتين الدولتين لديهما توجهات معادية لأي قوة مسلحة تحمل توجهات متناغمة مع الفكرة الديمقراطية. ومن هذا المنطلق، ظلتا تستشعران أن دعم الجيش الوطني اليمني يعني في نهاية المطاف المساهمة بتعزيز قوة مسلحة تخضع -حالياً ومستقبلاً- لإرادة الشعب، وهو ما يجعلهما غير ضامنتين لولائها المطلق لهما، بعكس التشكيلات المليشاوية، فهذه الأخيرة مجرد قوة ليس لها أي امتداد مؤسسي، ولا تحمل في عقيدتها الكلية أي التزامات تتعلق باحترام إرادة الناس والخضوع للعملية الديمقراطية وما يتناسل عنها.

سيقول قائل: عن أي ديمقراطية تتحدث في بلد مفكك ويخوض حرباً جهنمية منذ سنوات..؟ الحديث هنا يستشرف البعد العام والمستقبلي والدوافع الجذرية للسعودية والإمارات ومن أين تنبع مخاوفهم. وعليه، لو تجاوزنا التفسيرات الآنية، سنصل في النهاية للفكرة المركزية أعلاه، حيث أن منع تشكل قوة وطنية يمنية هو موقف لا يعادي حزباً معينا كما يدعي البعض، بل هو موقف عدائي من إرادة الشعب اليمني، ويحمل مضموناً مناهضاً للفكرة الديمقراطية وللنظام السياسي اليمني المعمول به في البلاد ككل.
يقولون عن الجيش الوطني اليمني: هذا جيش "الإصلاح"، ومع اختلال هذا الوصف وكونه وصفاً مغرضاً، إلا أن الغاية أبعد مما يتضمنه التنميط، حيث شماعة الإصلاح، لم تعد فعالة لمواراة أي هدف يطمح له طرف آخر. لا يكفي القول هذا جيش الإصلاح كي تبرر عداءك له

يقولون عن الجيش الوطني اليمني: هذا جيش "الإصلاح"، ومع اختلال هذا الوصف وكونه وصفاً مغرضاً، إلا أن الغاية أبعد مما يتضمنه التنميط، حيث شماعة الإصلاح، لم تعد فعالة لمواراة أي هدف يطمح له طرف آخر. لا يكفي القول هذا جيش الإصلاح كي تبرر عداءك له، ولا بد أن لك أسبابا خفية لكنك تخجل من كشفها.

الواقع يقول: إن الجيوش في كل بلدان العالم تتشكل من المجتمع بصورته العامة، فالجيش قوة عمومية تنشأ من المجموع الكلي للشعب، وعليه فكل فرد في المجتمع يملك الحق أن يكون عنصرا بجيش بلاده، حالما امتلك الأهلية لذلك. والحال هذا، فتركيبة الجيش الوطني هي تعبير دقيق عن تركيبة المجتمع اليمني، وعليه يفترض أن تكون هذه القوة هي الممثلة الأساسية للشعب، والحامل الوحيد لشرعية القوة والحق بـ"احتكار العنف" كمبدأ من مبادئ تشكل الدول، أي احتكار العنف في مواجهة كل التشكيلات الموازية.

لكن ما دفعت باتجاهه السعودية والإمارات هو قلب كلي لهذا المعيار الأساسي، حيث تحاولان تنميط الجيش الوطني ووسمه تحت مسمى "جيش الإصلاح" أو "جيش المدرسين" كما دأبت قنوات التحالف مؤخرا على أن تردد. تحاولان نزع شرعية الجيش الوطني وتلبيسها للتشكيلات المليشاوية التابعة لهما.. هل هناك سلوك سياسي يكشف عداوة هذين البلدين، ليس لحزب معين فحسب، بل للشعب اليمني وإرادته الحرة في تشكّل جيشه بعفوية ودونما فرض قسري من أعلى؟
القراءة البعيدة لتوجهات التحالف فيما يخص سلوكه السياسي تجاه الجيش الوطني، تكشف نوايا مستقبلية تتمثل في رغبة صميمية بتقويض أي عملية سياسية يصعد بموجبها طرف لا يرغب به، والأمر هنا متصل بعداوته الجذرية لمخرجات العملية الديمقراطية ككل

كما أن القراءة البعيدة لتوجهات التحالف فيما يخص سلوكه السياسي تجاه الجيش الوطني، تكشف نوايا مستقبلية تتمثل في رغبة صميمية بتقويض أي عملية سياسية يصعد بموجبها طرف لا يرغب به، والأمر هنا متصل بعداوته الجذرية لمخرجات العملية الديمقراطية ككل. بوضوح أكبر، لجوؤه لتشكيل مليشيات مسلحة موازية للجيش الوطني، يبطن رغبات دفينة ومماثلة لتوجه دولتي التحالف في مناطق أخرى -مصر وتونس وليبيا- بالتخطيط للانقلاب على أي تيار سياسي يصل للسلطة ولا يذعن لهما. ولولا هذه التوجهات الكيدية، ما كانتا ستلجآن لكل هذه الدسائس ضد الجيش الوطني اليمني، حيث لا مبرر لكل ما تقومان به، ولا يمكن فهم سلوكهما إلا باستحضار هذه الدوافع المرضية واللئيمة.

الخلاصة: يبدو أن المنطقة العربية ومنها اليمن تعيش مخاضا طويلا ومحنة ممتدة، تتعلق بهذا الكابوس العائم فوق بحر من النفط، ويستخدم موارده لتقويض محاولات الدول المحيطة تكوين جيوشها والمضي بتنظيم المجتمع بالطريقة التي ترتضيها.

والحقيقة ليس دول الخليج ككل، فهذا تعميم غير دقيق. فما هو مؤكد أن السعودية والإمارات تنفردان بتعامل عدائي مع محيطهما، والأمر يعود لهواجسهما المختلة وغير المبررة سواء تجاه اليمن أو غيره. لكن وضع اليمن يجعله الدولة الأكثر عرضة للاستباحة من جيرانها، أولئك الذين لا يلتزمون بخلق ولا قيمة ومستعدون لدهس كل المعايير السياسية والأخلاقية، وتقويض مصير شعب كامل فدية لمخاوفهم الوهمية. لكن هذه الفترة البائسة من تاريخ المنطقة ليست نهاية التاريخ، الزمن متقلب، ولن تكون البُلدان سوى لشعوبها.
التعليقات (0)