مقالات مختارة

لبنان بين مسرح القسوة وألعاب الفودفيل

صبحي حديدي
1300x600
1300x600

في وسع المرء أن يدع جانباً، أو حتى أن يضع بعيداً وإلى أجل غير مسمى، سيناريوهات ما بعد مسرح الـ63 ورقة بيضاء خلال جلسة انتخاب رئيس جديد عتيد للجمهورية اللبنانية، العتيدة بدورها؛ فالأصل هنا أنّ ما يقارب الفودفيل الترفيهي هو ما يديره رئيس صالة العرض المزمن نبيه برّي، الذي اختتم الوصلة بما يحيل إلى المأساة أكثر من الملهاة: إذا لم يتوفر توافق، قيمته 128 صوتاً عدّاً ونقداً، «لن نتمكن من إنقاذ المجلس النيابي ولا لبنان».

 

المرء إياه مخوّل بأن ينظر، من زاوية الفودفيل ذاتها (التي تتيح ألعاب الأكروبات، بالتعريف) إلى الأصوات الـ36 التي نالها النائب ميشال معوّض؛ ليس لأنه استجمع بعض أصوات «المعارضين» و«السياديين» و«التغييريين»، على اختلاف مشاربهم وغاياتهم، فهذا تحصيل حاصل كفيل بإرضاء رئيس صالة العرض ذاته لجهة التغنّي بتوفّر «تعددية» من نوع ما داخل صالات مسرحه. الفودفيل، قبلئذ وفي الحدّ الأدنى من المنطق الجدلي، يتجلى في أنّ معوّض الابن هو نجل المعوّضَين رينيه ونائلة، من جهة أولى؛ ولأنه، من جهة ثانية، حليف سابق للعونية في ذروة التحاقها بالتركيبة التحالفية التي تولى «حزب الله» إنشاءها ورعايتها وشحذ أسنانها ومخالبها.

 

ومن الإنصاف ألا يُلام المرء ذاته إذا رحّل هموم لبنان، وهي ليست أقلّ من عذابات كبرى ومآسٍ وفظائع وقوارب موت تطحن بناته وأبناءه وأطفاله، بعيداً عن هذا الفودفيل المعلّق على معجزة التئام وتوافق الـ128 نائب (أو «قبضاي» لمَن يشاء)؛ وانتقل، مثلاً، إلى عنصر حاسم ومحوري في هيمنة «حزب الله» على مقدّرات البلد، عنوانه معادلة الحزب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ أو، بالأحرى، قائمة الحسابات التي تحكم تلك المعادلة، إقليمياً أوّلاً وثانياً وثالثاً، ثمّ محلياً في المرتبة الأخيرة.

 

ذلك لأنّ الاشتباك الراهن، الذي يتخذ بدوره صيغة فودفيل صوتية حتى الساعة، يدور حول حقل كاريش الذي يطالب لبنان باحتسابه ضمن مياهه الإقليمية ولكن دولة الاحتلال الإسرائيلي باشرت التنقيب في مساحته، على مرمى 150.000 صاروخ يزعم «حزب الله» أنها مصوّبة إلى منصّة الشركة اليونانية – البريطانية العاملة في الحقل باسم المستثمر الإسرائيلي. وكما يتردد حول ارتباط انتخاب رئيس لبناني عتيد بما دار أو يدور، أو يتوقف أو يُستأنف، في جولات فيينا حول برنامج إيران النووي؛ فإنّ معزوفة أخرى نظيرة يمكن أن تتعالى، أو هي تعالت لتوّها، حول صاروخ الحزب المعدّ للانطلاق صوب كاريش، والذي يمكن (أو، من وجهة نظر الـ63 ورقة بيضاء، يتوجب) أن يعطّل التوافق المنشود.

 

وذات يوم غير بعيد كانت غارة إسرائيلية قد أجهزت على ثلاثة من جنرالات إيران كانوا ضمن قافلة تابعة لـ«حزب الله» في محيط القنيطرة السورية المحتلة، ويومها اقتدى موقع قناة «المنار» بخطاب إعلام النظام السوري بعد كلّ اعتداء إسرائيلي على أهداف داخل سوريا، فجاء فيه التالي: «فات البعض بأنّ حزب الله لن يردّ الآن ربما، تاركاً الموضوع إلى مستقبل قريب أو بعيد بحسب ما تفرضه طبيعة الرد، حيث يعود لقيادة المقاومة تحديد هذا الرد بدقة وروية واختيار المكان والتوقيت المناسبين له، كي لا يأتي الرد متسرعاً وغير ذي جدوى أو بدون فعالية أو دون مستوى الاعتداء الإسرائيلي».

 

مسرح القسوة، نظير فودفيل نبيه برّي وحسن نصر الله وجبران باسيل، يواصل إدخال المزيد فالمزيد من مفردات العذاب اللبناني، حيث أرقام التدهور المريعة لم تعد تصف بلداً فاشلاً، ضحية نهب وسلب وفساد وإجرام يمارسه أمراء الحرب وسندة نظام طائفي تابع كسيح تواطؤي تحاصصي بالمعاني الأقبح، فحسب؛ بل باتت إعادة إنتاج مستديمة، في البرّ والبحر والسماء، لمشهدية الدمار التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت قبل سنتين، وجسّدت وتواصل تجسيد ذلك الطراز الوحشي الدموي المقيت من… توافق الهمج.

 

(القدس العربي)

0
التعليقات (0)