مدونات

غـربــة

هادي الأحمد
الأناضول
الأناضول
غربة مستفحلة داخل شرايين أمة العروبة والإسلام اليوم، وفي مختلف نواحي ومجالات الحياة غربة حقيقية حتى عن الأمور والشؤون المصيرية فيها، كوارث تحدث ومنها الزلازل أو أي اعتداء همجي أجنبي أو صهيوني على أي أرض عربية، يخرج المحللون والمفسرون ومن يسمون أنفسهم بالمختصين الضالعين في الأمر، لكن الطامة الكبرى أن التحليل والنتيجة تكون بصيغة حياتية مادية تعطي شعورا بالغربة المستشرية.

يقال قام "بن غفير" وعمل "نتنياهو"، وتلك الدول العظمى قصفت ودمرت ذلك البلد العربي وإخواننا المسلمين، أولئك الغرباء الآخرون لهم أطماع، إنهم كذا وكذا، وينتهي الحديث والتحليل وتعود الحياة إلى نسقها المعهود. لكن لماذا لا يرد الأمر بدايته ونتيجته إلى المقتضى الديني، إلى إرادة (الله تعالى وقضائه وقدره)؟ والعمل والتصرف بناء على ذلك؟ هل من سبب؟ ياه هل بلغ الخوف إلى هذا الحد صبغ الحياة بالمادية؟ ألا يكفي أعمال البشر والناس والمادية البحتة؟ حتى مجريات الأمور في كون الله تعالى وأرضه ترد إلى طبع مادي؟ ما هذا؟ إلى أين تسير الأمور وأحداث الحياة؟ هل اقترب موعد النهاية الكونية (ويوم القيامة)؟ سؤال والأكيد أنه في محله!

شرح وكلام عبر وسائل المعرفة والإعلام من الكثير والكل مختص عارف يدلي بدلوه! آه، الشهرة والإبهار وتسليط الضوء وربما المال الوفير بعد ذلك، هكذا تبدأ الأمور. تتوالى الأحداث وعلى الأغلب يستدعى نفس العارفين القائلين المتكلمين وإن اختلف سياق الموضوع وجوهره! لكن بالنتيجة يرد الوضع وقالب الحقيقة إلى النسق المادي. لماذا؟ وكيف ذلك؟ الأمة عربية ومسلمة، أين الإسلام الصحيح وقوته الراسخة في القلب والعقل؟ هي راسخة والمادة أيضا راسخة وربما هي أقوى في دنيا اليوم حيث البقاء للأقوى، والمال هو السلطان اليوم وهو السيد المطاع، يغير يبدل يتغلغل ويمحي كلام وعهود الليل في بزوغ فجر النهار لليوم الجديد.

اليوم وبعد أحداث الزلازل بعد أحداث الشيخ جراح بعد آلام جراحات الأمة العربية والإسلامية الكثيرة بعد أحزان أخي الأفغاني وأخي من الروهينغيا وأخي الصومالي ومعه اليمني، أولئك السائرين على جمر الحياة الملتهب، أولئك الطيبين المساكين في سوريا وتركيا وفلسطين الأم الصابرة. بعد كل هذا أين هو المختص العارف الحقيقي؟ حان أوانك جاء دورك، لا تختفي، لا مجال للخوف، كن اليوم "العز بن عبد السلام"، كن على نهجه قوي الحجة والبرهان والدليل شرحا وبيانا للأمة. الوقت والظرف الحالي يتطلب ذلك بشدة وإلحاح، الوضع ليس مزحة ولا أحداثا عابرة وتعود الحياة إلى موّالها المعهود، لا.. مثل هذه الأحداث والمصائب تستدعي بالضرورة التوقف عندها بتمعن ورويّة للخروج بنتيجة واقعية صادقة ترضي الواقع للحال المعاش أولا وآخرا وقبل أي شيء.

الإنسان العارف ذو الضمير الحي هو المطلوب اليوم، لماذا؟ لأن أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم قد أخبرت مسبقا عن أوضاع وحال الدنيا آخر الزمان، عن ملامحه وصوره، والتي حدث منها الكثير لغاية اليوم ولا زالت تتابع الحدوث. إذن الكلام العابر المخدر للنفس للإنسان لم يعد اليوم ذا جدوى أبدا، فالمطلوب هو الحقيقة دون زيادة ولا نقصان!

أين أنت أيها الخبير المتبصر الحاذق الصادق، اخرج إلى العلن، بيّن ووضّح، أجرك عند الله كبير تذكر ذلك، الحياة الزائلة غير الأبدية ليست كلها مالا ولا مادة "العز بن عبد السلام" وأمثاله قالوا ذلك، عاهدوا فصدقوا الوعد والنية وكانت النتيجة نصرا على قوم هم "التتار".

مربط الفرس هنا في هذه الكلمات المختصرة يؤكد أمرا في غاية الأهمية هو العودة إلى التفسير والتحليل الصحيح لأمور الحياة من منطلق وقاعدة الدين الإسلامي النبيل، فهو دستور حياة قانون صالح لها في كل زمان ووقت إلى يوم القيامة. في القرآن الكريم وفي أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم" بيان وتوضيح لأكثر الأحداث والأمور الحياتية إلى يوم القيامة، المطلوب فقط وقت بسيط للقراءة والتمعن ثم إعطاء الرأي وليس الاكتفاء فقط بطبع التحليل المادي. إرضاء الله تعالى أولى دائما من أي جهة أو سلطة مادية بشرية مهما بلغت قوتها وجبروتها. والحقيقة أولا وآخرا ظاهرة بيّنة، فالعبرة بالزلازل وغيرها بنوايا بن غفير وأمثاله الساديين في عالم اليوم لتغيير نهج التحليل المادي وتبديله.

الفعل مادي لكن النتيجة إرادة الله تعالى وتقديره وحكمته إلى أمر ونتيجة سبحانه ارتضاها في علم الغيب عنده. إذن لماذا ودائما يعاد نفس المسلسل والسيناريو؟ فلان عمل، دولة شنت حربا ودافعها كذا.. الدوافع والأهداف وبخاصة ضد العروبة والإسلام النبيل معروفة، وردها إلى سياق ديني يوضحها ويبيّنها أكثر وبدقة أكبر دون الاكتفاء بالتحليل المادي لها فقط وينتهي الموضوع. الشمولية في القول في البيان هي المطلوبة اليوم فقد وصى سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة خيرا.. أدلة للشرح وللبيان فلماذا تحوير المواضيع؟ هل هو الخوف من تلك الدولة القوية المسيطرة أو من ذلك السلطان؟ لا خوف بعد اليوم، وبعد الأحداث الأخيرة. عقد الألفية هذا حمل العديد من الأهوال، واستدعت التحليل المنطقي والعقلاني الصحيح بلا زوائد ولا فلسفات.. رد المواضيع إلى الركن الديني يسهّل ويبسّط ويبيّن أفضل وأكثر جودة وصدقا.

ويبقى السؤال معلقا على باب ذلك العارف المختص وذلك الخبير.. يطلب اليوم التحليل والبيان على جوهره وأصله وللتذكر لا خوف بعد كارثة كبرى هي الزلازل ماذا أكثر من ذلك أهوالا ومصاعب؟

التحليل الصحيح هو المرساة إلى اليقظة وإلى التحوط (لإرادة الله تعالى وقضائه) لكن ربما تخفيف للأثر وللنتيجة إن طبق ذلك بضمير حيّ يقظ. هذا النهج يلغي تلك الغربة التي رسخت وتفشت في بلاد العروبة والإسلام اليوم في شتى المجالات الحياتية بين الإنسان والواقع؟ مسافة بعيدة هي تلك الغربة أدت إلى التوهان، إلى كثرة السؤال عن الحال والأحوال عن القادم في مستقبل الحياة.

دور العارفين اليوم صار ضرورة لا تحتمل التأويل ولا التأجيل لسرد الحقيقة وبيان لمحات الواقع. هل من قارئ مشاهد؟ السؤال لك أيها الخبير، الإجابة لك أنت ولغيرك من الصادقين. البئر فارغة تحتاج من يملؤها معرفة لكن بشرط الواقعية البحتة توافقا مع العقل والمنطق. أساس معرفة الإسلام النبيل دستور الحياة وقانونها على اختلاف مراحل الزمن فيها. وقائع الحياة اليوم ومستقبلا حبلى، شد الرحال وانطلق فالوقت لا يسعف ولا يفيد المتأخرين. الواقع يُخبر ويؤكد هذه الحقيقة!
التعليقات (0)