قضايا وآراء

هل يريد العرب حل مشاكلهم مع الأسد أم حل الأزمة السورية؟

غازي دحمان
عربي21
ثمّة فرق بين أن يكون الانفتاح العربي على سوريا، أو يكون محصورا فقط بالأسد، الفارق سيكون على مستوى الأهداف والأدوات جليا، فهل الهدف هو حل مشكلة العرب مع نظام الأسد، أو خلق مسار لحل المشكلة السورية؟ وهل سيكون هناك توازن في هذا الانفتاح على مستوى العلاقة بين طرفي المشكلة؟

الدافع لطرح هذه الأسئلة، هو أن الحراك الرسمي العربي صوب سوريا لم يتضمن حتى اللحظة أي تحرك باتجاه الطرف الآخر، المعارضة السورية، وقد شمل هذا التوجه المساعدات التي تم تقديمها للمساعدة على تخطي آثار كارثة الزلزال، حيث اقتصرت، أغلب المساعدات العربية على المناطق التي يسيطر عليها النظام، مع أن الضرر كان أكبر بكثير في مناطق سيطرة المعارضة، حتى أن الكثير من الدول العربية تركت حصة المعارضة لضمير الأسد!

في الظروف العادية، ليس ثمّة دواع للسؤال عن أسباب ودوافع التواصل بين زعماء الدول، إذ غالبا ما تحتاج العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية إلى متابعة دائمة لتفاصيلها من مختلف المستويات، بيد أن العلاقات العربية مع النظام السوري لا توضع في هذه الخانة، فقد شهدت هذه العلاقة قطوعا بائنة لمدة سنوات طويلة، ولم يعد هناك مشتركات مع نظام الأسد، حتى أن الدول العربية التي أعادت العلاقات الدبلوماسية في مرحلة لاحقة ظلّت علاقاتها مع النظام السوري ضمن الحدود الدنيا، بل تمت إدارة هذه العلاقات عبر قنوات خلفية، ومن جهة أخرى، فقد وضع وزير خارجية الأردن، الذي يبدو أن الدول العربية كلّفته بصياغة المقاربة الجديدة للعلاقة مع الأسد، هذا التواصل في إطار أوسع يهدف إلى صناعة مسار تسوية للوضع في سوريا، وقد أكد الوزير أيمن الصفدي أن زيارته هي خطوة في مسار الحل السياسي في سوريا.

شهدت هذه العلاقة قطوعا بائنة لمدة سنوات طويلة، ولم يعد هناك مشتركات مع نظام الأسد، حتى أن الدول العربية التي أعادت العلاقات الدبلوماسية في مرحلة لاحقة ظلّت علاقاتها مع النظام السوري ضمن الحدود الدنيا، بل تمت إدارة هذه العلاقات عبر قنوات خلفية

في هذه الحالة، لا شك أنه من الطبيعي أن الطرف العربي بصدد عملية تفاوضية طويلة ومعقدة مع نظام الأسد حول مسائل التسوية، لكن من الطبيعي أيضا أن تكون المعارضة السورية هي الطرف الثاني في هذه المعادلة وتجري مفاوضتها، إلا إذا كان العرب يضعون أنفسهم في موقع المعارضة وبالتالي يتبنون كامل مطالبها، حينئذ فلا داعي لأن يكون للمعارضة وجود منفصل باعتبارها مكونا من ضمن مكونات الطرف العربي.

وفي هذه الحالة أيضا، المفترض أن الطرف العربي يستند في تحركه للمرجعية الدولية المتمثلة بالقرار رقم 2254 الذي هو بالأصل مطلب المجتمع الدولي المتضمن إحداث تغيير في بنية نظام الحكم وآلياته، وصولاً إلى تقديم الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب للعدالة، فضلا عن إخراج المعتقلين من السجون والكشف عن المغيبين، وغيرها من مندرجات القرار الدولي.

لكن لا يبدو أن الأمور تسير بهذا الاتجاه، ذلك أن احتفالية وسائل إعلام النظام السوري، والبهجةَ وحالة الفخر الباديتين على بشار الأسد لدى استقباله الوفود العربية لا يوحيان بأنه مقبل على القبول بحلول تنطوي في أقل تقدير على تقاسم السلطة مع المعارضة وتحمّل جزء من مسؤولية الأزمة، بقدر ما توحي بأنه يعد نفسه باستلام جوائز كثيرة في المرحلة المقبلة، وبأن العرب اقتنعوا أخيرا بأحقية موقفه من الثورة السورية وروايته عنها!

قد يقول قائل، إن الأطراف العربية ربما يئست من المعارضة سواء لجهة عدم فعاليتها، أو لأنها بالأصل لم تعد مرئية في المشهد السوري، وقد تضاءل وزنها لدرجة أنها باتت أدنى من أن تجتمع بمستوى سفير، فما بالك بوزراء خارجية أو زعماء دول. كما أن ضعف أدواتها واضمحلال قدراتها سيطرحان السؤال على أي طرف عربي عما إذا كان ثمة جدوى لمشاورتها أو التفاوض معها.

يتوجب إدراك صعوبة التعويل على الطرف العربي في أن يكون له دور مؤثر في التوصل إلى حل للأزمة السورية، وسيتحول هذا الحراك إلى فرصة لحل مشاكل العرب مع النظام السوري الذي يواجه الأطراف العربية بأوراق قوّة عديدة، مثل ورقة اللاجئين في ظل الأزمات الخطيرة التي باتت تواجهها دول الجوار وخاصة في لبنان والأردن، وورقة المخدرات، كما أن هناك حدودا للدور العربي يصعب تجاوزها في ظل وجود لاعبين دوليين بحجم أمريكا وروسيا

لكن بالمقابل أين البديل؟ ومن سيمثل أكثر من نصف الشعب السوري المعارض لنظام الأسد واللاجئ والمشرد؟ فهؤلاء لن يقبلوا أن يكون الأسد ممثلهم، كما أن الأطراف العربية لا تستطيع ادعاء تمثيلهم وليست معنية بذلك، أو على الأقل، فإن هذا الأمر يقع في أدنى قائمة أولويات الأطراف العربية بعد أن استطاع حلف الأسد مع إيران وروسيا خلق أزمات أمنية لإشغال هذه الأطراف وتحويل أولوياتها إلى البحث عن السلامة والأمن بالدرجة الأولى.

من هذه الزاوية يتوجب إدراك صعوبة التعويل على الطرف العربي في أن يكون له دور مؤثر في التوصل إلى حل للأزمة السورية، وسيتحول هذا الحراك إلى فرصة لحل مشاكل العرب مع النظام السوري الذي يواجه الأطراف العربية بأوراق قوّة عديدة، مثل ورقة اللاجئين في ظل الأزمات الخطيرة التي باتت تواجهها دول الجوار وخاصة في لبنان والأردن، وورقة المخدرات، كما أن هناك حدودا للدور العربي يصعب تجاوزها في ظل وجود لاعبين دوليين بحجم أمريكا وروسيا؛ لم تتضح حتى اللحظة مواقفهم من التحرك العربي ومدى تطابقه مع رؤاهم للحل في سوريا ومصالحهم الجيوسياسية.

ربما، وبسبب إدراك الطرف العربي صعوبة مهمته، فهو لا يريد تحويلها إلى عملية يشترك بها النظام والمعارضة، لكن لا بأس من التذرع بها لتحقيق ما يمكن تحقيقه من التقارب مع نظام الأسد، بانتظار فرص أخرى قد تتيحها الظروف والمتغيرات.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)