كتاب عربي 21

الحاج بشار الأسد

أحمد عمر
جيتي
جيتي

تطايرت الأخبار مبشّرة بالنهاية العربية السعيدة، بعد اثنتي عشرة سنة من الفراق وتباريح الأشواق، وظهور مطالع عودة الابن المعتكف في قاعدة حميميم، بشار الأسد، إلى الحضن العربي، وكان قد رُمي في غيابة الجب والحصار، فالتقطته دولة الإمارات العربية عسى أن ينفعها أو تتخذه ولدا. أما دوليا، فكانت الأمم المتحدة تمده بالمساعدات أو تغض الطرف عن استيلائه عليها، ومؤخرا استأذنت الأسد على استحياء بإدخال المساعدات عبر بوابة باب الهوى التي تحكمها المعارضة من الجانب التركي، فأذن لها لاتّصافه بالمروءة والحلم والكرم والسماحة والقتل، وهو لم يكفَّ عن قصف السوريين في أسواقهم حتى في أثناء الزلزال.

وتوالت الأنباء السارّة بزيارة ماهر الأسد إلى الأرض المقدسة، فإن كان محتلو فلسطين يزورونها فلمَ لا يزورها الأسد، والتطبيع مع الأشقاء الظاهرين أولى. وتذكر الأنباء أنَّ السعودية اشترطت عليه شروطاً قاسية، ربما رجته أن يرعوي ويكفَّ عن دسّ حبوب الكبتاغون إلى السعودية والأردن، في الثمار والأجهزة وما لا يخطر على بال بشر، ولعلها توسلت إليه أن يبعد إيران عن حدودهما وحدود إسرائيل، فهو قائد الفرقة الرابعة التي لا تأتمر إلا بأمره. وكذلك زار الأرض المباركة رئيسُ المخابرات العامة حسام لوقا، فهؤلاء هم حكام سوريا وليس رئاسة الحكومة أو البرلمان.

الدين لله والكعبة للجميع.

الأسد يدرك قيمة سوريا مع أنها محطمة ومدمرة بزلزال أسلحته وزلزال قهرمان مرعش، وخالية من السكان أو معمرة بنصف سكانها وهم جوعى. فما سبب كل هذا الحب الذي غمس به صنيعة إيران وخادمها غمسا في "عام الوفود"، وهو الذي شتم زعماء الخليج ووصفهم بأنصاف الرجال، وطالما وصف إعلامه آل سعود بالوهابيين والرجعيين، وسخر من لبس الجلابيات والبدو؟

وكان وفد من البرلمانيين العرب قد زار الأسد كسرا للحصار، فاستقبلهم بنفسه وأكرمهم، ومدحوه كثيراً، ووصفه رئيس برلمان طبرق بالقائد الذي وقف في وجه المؤامرات الدولية. وبذلك تحققت نبوءة إمام المسجد الأموي المخلوع والمصلوم بواجب حج العرب إلى قاسيون بدلاً من عرفات. بل إنَّ أردوغان عدو الأسد اللدود نفسه كان قد أدرك أنَّ الأسد باق في منصبه وأنَّ الصراع طويل، والمباراة شاقة، ولن تنتهي بضربة قاضية، فالنهايات السعيدة لا تقع إلا في الروايات، فأرسل رسائل مصالحة، لم تؤت ثمارها حتى الآن، بل إنّ الأسد في زيارته الأخيرة إلى روسيا اصطحب ابنه حافظ الأسد، وليّ العهد، وقال إن على أردوغان الجلاء عن أرضه المحتلة، ورحّب بمزيد من قوات روسيا الصديقة.

الدين لله وسوريا للجميع إلا تركيا.

الأسد يدرك قيمة سوريا مع أنها محطمة ومدمرة بزلزال أسلحته وزلزال قهرمان مرعش، وخالية من السكان أو معمرة بنصف سكانها وهم جوعى. فما سبب كل هذا الحب الذي غمس به صنيعة إيران وخادمها غمسا في "عام الوفود"، وهو الذي شتم زعماء الخليج ووصفهم بأنصاف الرجال، وطالما وصف إعلامه آل سعود بالوهابيين والرجعيين، وسخر من لبس الجلابيات والبدو؟

لقد أثبت أنه زعيم مخلص لسادته وبر بوعوده: الأسد أو نحرق البلد، ويدرك أنَّ مرحلة جديدة من الصراع موشكة بين أمريكا والصين، وأن أمريكا تريد التفرّغ للصين، وتنوي تسليم المنطقة العربية السنيّة كلها لإيران الفارسية الشيعية، التي يمكن التفاهم معها، كما سلّم بول بريمر العراق للشيعة بعد ألف سنة من التسلط السنّي حسب قول شهير له. والخصومة مع إيران خلاف عائلي، بينما العداوة مع المسلمين السنة حياة أو موت، وقد شمّت السعودية متأخرة عن الإمارات رائحة "الفريسة" أو "الصيدة"، فسارعت إلى إعلان تبادل السفارات، وقد أوكلت إلى عمال نظافة تنظيفها من الغبار وبيوت العنكبوت.

تدرك السعودية أنه لا قِبَل لها بإيران التي أذاقتها الويل على يد حليفها الحوثي في اليمن بطائراته المسيّرة، وأنَّ الحوثي استنزف قواها مالياً وعسكرياً، وأن أمر سوريا بيد إيران التي صارت إمبراطورية وتحكم صنعاء ودمشق وبيروت وبغداد، وأنَّ الأسد "خادم سيّدين" يحكمان في الحرث هما إيران وإسرائيل.

تدرك السعودية أنه لا قِبَل لها بإيران التي أذاقتها الويل على يد حليفها الحوثي في اليمن بطائراته المسيّرة، وأنَّ الحوثي استنزف قواها مالياً وعسكرياً، وأن أمر سوريا بيد إيران التي صارت إمبراطورية وتحكم صنعاء ودمشق وبيروت وبغداد، وأنَّ الأسد "خادم سيّدين" يحكمان في الحرث هما إيران وإسرائيل

وقد ذُكرت شروط كثيرة اشترطتها السعودية على سوريا في تقارير صحفية عالمية، فذكّرونا بشروطهم الثلاثة عشر على قطر. من الشروط دخول قوات عربية إلى سوريا، والقبول بقراري مجلس الأمن، والواقع أنَّ الأمر كله ديباجات صحفية وخدع لفظية، فإنْ قَبِلَ الأسد بدخول قوات عربية إلى سوريا اضطراراً، فيمكن خداع قائدها، وكان مندوبو وفود الأمم المتحدة أمثال الدابي والأخضر البراهيمي يُخدعون بسهولة أو ينخدعون، أمّا إن كانت القوات العربية محنّكة فيمكن دغدغتها بعمليات كرّ وفرّ، تحت اسم الدواعش، يجعلها هي نفسها بحاجة إلى قوات دولية تحميها.

ستقدم السعودية إلى الأسد مكافآت كثيرة بعد لمّ الشمل، أولها معونات مالية، هي أجرته على صدّ الثورة بعد أن جفَّ عرقه، كما أنها ستغسل ذنوبه بالعمرة وثياب الإحرام، وتجعله يعود كيوم ولدته أمه، ربما يدخلونه إلى جوف الكعبة. والرجل يستحق التكريم والمكافأة، فقد وقف في وجه الربيع السوري، من غير أن يكلف السعودية رزاً أو عدساً أو ثوما.

وسيُستقبل في الجامعة العربية بالتصفيق وربما ينهض زعيم أو وزير خارجية ويشيد به كما يفعل أعضاء البرلمان السوري، بل يمكن أن تنظم فيه القصائد وتدبج له الخطب العصماء، باسم الأخوة ورأب الصدع ولمّ الشمل، فعودته طلب روسي وإيراني قديم.

لن تتحسن حال السوق السورية وحال المواطن السوري، لاعتياد جند الأسد على النهب، ويقدّر أن أوروبا ستسكت من جهتها على التقارب العربي، أما الولايات المتحدة فستبدي امتعاضاً أو ضيقاً أمام الكاميرا، وقد تدرج أسماء ضباط مجاهيل إلى قوائم العقوبات فتحرمهم من دخول أمريكا وتجمد حساباتهم المفترضة، وقد تحكم دولة أوروبية على مجرم لاجئ بأحكام قاسية في سجونها السعيدة، وقد يفرج الأسد عن مائة آخرين من المعتقلين فنراهم حفاة مذهولين في الشوارع هائمين، فتثني عليه مؤسسات الغرب الإنسانية وتطالب سماحته بمزيد من العفو والفضل.

حكومات العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة والغرب تفضّل خصومة إيران على عداوة أهل السنّة، وستسلم سوريا للأسد بل المنطقة العربية كلها، "ومن أجل الورد يُسقى العلّيق"

والحال أنَّ حكومات العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة والغرب تفضّل خصومة إيران على عداوة أهل السنّة، وستسلم سوريا للأسد بل المنطقة العربية كلها، "ومن أجل الورد يُسقى العلّيق".

أمريكا في هذه الأثناء مشغولة بنقل معداتها الحربية المتقدمة من قواعدها في الخليج إلى تخوم الصين، وستحتاج إلى جند السنّة في حرب الصين كما احتاجتها ضد روسيا إبان غزوها أفغانستان، ولذلك ازدانت عواصم أوروبية بزينة رمضان رشوة للمسلمين. الصين نفسها غازلت المسلمين ووعدتهم وعداً حسناً، فقال رئيسها إن أول ما ستفعله الصين في الحرب العالمية الثالثة هو تسليم فلسطين لشعبها وطرد المحتلين.

اصطحب الأسد ابنه، الماهر في الرياضيات وعلم المواريث والسلال الغذائية، إلى روسيا من أجل اكتساب الخبرة من جهة والتوطئة "لولي العهد" بعد عمر طويل.

سيصفّق كثيرون "للعلّيق" لكن من المستبعد أن يرشّح لجائزة نوبل للسلام، وقد تفعل ذلك بعض الدول العربية المحبة للنفط والسلام.

twitter.com/OmarImaromar

التعليقات (0)