قضايا وآراء

ملامح الحلم الأسكتلندي بيد حمزة يوسف

هاني بشر
حمزة يوسف- تويتر
حمزة يوسف- تويتر
كانت أسكتلندا هي أول بلد دخلت إليه في المملكة المتحدة قادما للدراسات العليا، وكانت معلوماتي عن البلد شحيحة جدا، فالبلد المتميز ثقافيا ومن حيث الموارد والذي يبلغ ثلث مساحة بريطانيا ينظر كثيرون إليه كمجرد هامش لمتن عريض هو بريطانيا. وبعد أن درست وعملت وعشت هناك سنوات، لا يزال كثيرون يطرحون علي الأسئلة ذاتها التي كنت أسألها حول الموقع الجغرافي وطبيعة العلاقة السياسية مع لندن، وهل هي بلد متجمد جدا حتى الصقيع فعلا؟ وقد زادت هذه الأسئلة مؤخرا سؤالين؛ أحدهما هو هوية هذا الشاب المسلم الذي فاز بمنصب الوزير الأول والآخر عن فرص الاستقلال.

أعتقد أن أي راغب في الاستزادة من المعلومات العامة حول هذه الأسئلة عن أسكتلندا سيجدها بضغطة زر على محرك البحث غوغل، وبالتالي من الأفضل التركيز في هذا المقال على شرح ملامح الحلم الأسكتلندي الذي سمح لحمزة يوسف أن يكمل رحلة صعوده في الحزب الوطني الأسكتلندي لتولي رئاسة الحزب، في ظل ظروف اقتصادية وسياسية وحزبية دقيقة وصعبة.

حمزة يوسف ليس باراك أوباما وأسكتلندا ليست الولايات المتحدة. الأمر أبسط كثيرا من هذا التعقيد وربما يستعصي على فهم غير المتابع الدقيق للشأن الأسكتلندي؛ لأن يوسف أفضل قطعا من أوباما وإدنبرة أهدأ كثيرا من واشنطن من ناحية العنصرية والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والتجانس الاجتماعي
بداية فإن حمزة يوسف ليس باراك أوباما وأسكتلندا ليست الولايات المتحدة. الأمر أبسط كثيرا من هذا التعقيد وربما يستعصي على فهم غير المتابع الدقيق للشأن الأسكتلندي؛ لأن يوسف أفضل قطعا من أوباما وإدنبرة أهدأ كثيرا من واشنطن من ناحية العنصرية والاقتصاد والعدالة الاجتماعية والتجانس الاجتماعي.

وقصة أسكتلندا لا تنتهي عند حدود أخبار عن إقليم أوروبي آخر يريد الانفصال عن الدولة المركزية لأسباب قومية؛ بقيادة حكومة محلية على رأسها حزب وطني قومي. هذه فقط جزئية سياسة صغيرة في قصة بلد عريق كان قدره أن ينضوي تحت حكم الإمبراطورية البريطانية قبل ثلاثة قرون، ويحرم من التعبير عن لغته وثقافته لعقود طويلة.

نقطة البداية الرئيسية هي فهم طبيعة الشخصية الأسكتلندية والتي أزعم أنها تمثل حالة أوروبية وربما غربية فريدة، فهي شخصية تعتز بهويتها المحلية وثقافتها، وهو اعتزاز لا يجنح بها ناحية اليمين العنصري، بل نحو مزيد من الانفتاح على المهاجرين، ورغم هذا لا يملك السياسيون الأسكتلنديون الموارد الإعلامية الكافية للتعبير عن هذه الثقافة المنفتحة.

نقطة البداية الرئيسية هي فهم طبيعة الشخصية الأسكتلندية والتي أزعم أنها تمثل حالة أوروبية وربما غربية فريدة، فهي شخصية تعتز بهويتها المحلية وثقافتها، وهو اعتزاز لا يجنح بها ناحية اليمين العنصري، بل نحو مزيد من الانفتاح على المهاجرين
كنت قد أجريت حوارا مع حمزة يوسف داخل مقر البرلمان الأسكتلندي قبل عدة سنوات، حين كان يشغل منصب وزير الدولة الأسكتلندي للشؤون الأوروبية والتنمية الدولية، وقال بوضوح إن حكومته المحلية ترغب بشدة في استضافة مزيد من اللاجئين السوريين ولكن الحكومة المركزية في لندن هي التي تعرقل ذلك. علينا أن نتخيل وزيرا أوروبيا لدى حكومته المحلية ميزانية منفصلة يرغب ويرحب باستقبال مزيد من اللاجئين السوريين ويعلن أن بلاده بحاجة لهم. وهي قصة ملهمة حول أهمية اللاجئ السوري واللاجئ عموما في أوروبا؛ تتوه وسط طوفان من الأخبار السلبية. بالإضافة إلى ذلك فإن الحزب يضع ضمن برنامجه السياسة دعم تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، وهي سابقة نادرة في الأحزاب الأوروبية.

النقطة الثانية هو أن كثير أو معظم الأسكتلنديين يجدون أنفسهم منجذبين ناحية النموذج السياسي الإسكندنافي أكثر من النموذج الإنجليزي. وهي ليست نكاية سياسية في محتل سابق؛ أكثر من طبيعة شخصية واهتمام عام وربما عوامل القرب الجغرافي. والنموذج الإسكندنافي بطبعه ضد النموذج الاستعماري الرامي للتدخل العسكري في شئون الآخرين ويركز على قضايا التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية، ولهذا كانت معظم معارك الحكومات الأسكتلندية المتعاقبة خلال العقود الأخيرة هي للحفاظ على مجانية التعليم الجامعي ومجانية وجودة خدمات هيئة الصحة الوطنية.

إذا أضفنا لذلك الموارد الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها أسكتلندا من حيث نفط بحر الشمال والثروة السمكية والمياه العذبة، نفهم لماذا حرص الناخب الأسكتلندي على التصويت لحزب يريد الاستقلال عن الدولة المركزية.

الحلم الأسكتلندي باختصار هو حلم بسيط لكنه أكبر من لون بشرة وخلفية وزير أول جديد، وإن انتخاب هذا الأخير بكل سلاسة في سنه الصغيرة مؤشر عن ملامح هذه الرؤية الأوروبية النادرة للآخر.

twitter.com/HanyBeshr
التعليقات (0)

خبر عاجل