قضايا وآراء

دلالات إعلان إسرائيل حالة الحرب لأول مرة منذ 50 سنة

هاني بشر
تغيرت طبيعة الحدود في كل مرة أعلنت فيها إسرائيل حالة الحرب- جيتي
تغيرت طبيعة الحدود في كل مرة أعلنت فيها إسرائيل حالة الحرب- جيتي
شكلت الحروب العربية مع إسرائيل تاريخ العالم العربي خلال العقود الماضية؛ نؤرخ بها للأحداث الجسام، بعد 48 أو قبل 67 و73، لأن إسرائيل لا تزال قاسما رئيسا مشتركا في كل الكوارث العربية الكبرى. ولهذا فحين تخوض إسرائيل حربا خارج أراضيها، فإن هذه نقرة، وأن تعلن هي نفسها أنها في حالة حرب، فهذه نقرة أخرى.

ولهذا فإن إعلان إسرائيل الحالي بأنها في حالة حرب لأول مرة منذ عقود طويلة يعني عمليا أن هناك فصلا من التاريخ بدأ يُكتب، بغض النظر عن شكله ومآلاته. والنقطة الأساسية في هذا الفصل، ولا أدري لماذا تغيب عن وسائل الإعلام الغربية إحدى الحقائق المعروفة في الصراع العربي والإسرائيلي، أن إسرائيل دولة ليس لها حدود معلنة تعترف بها دوليا على غرار جميع الدول التي تعتبر مسألة رسم الحدود الوطنية جزءً أصيلا من الهوية الوطنية، وهذا يعني أن هناك حدودا سائلة قابلة للتغير طوال الوقت.

في كل مرة تخوض فيها إسرائيل حربا، كانت طبيعة هذه الحدود تتغير؛ إما تزيد كما حدث بعد حرب 67 أو تنقص كما حدث بعد حرب 73. فمعادلة دخول إسرائيل في حالة حرب لا بد وأن تُدفع فيها فاتورة الأرض، ولأن عملية "طوفان الأقصى" كانت مفاجأة ومؤلمة وحاسمة، فإن أول ثمن يتداعى للذهن هو من سيفوز بالأرض في نهاية المعركة.

في كل مرة تخوض فيها إسرائيل حربا، كانت طبيعة هذه الحدود تتغير؛ إما تزيد كما حدث بعد حرب 67 أو تنقص كما حدث بعد حرب 73. فمعادلة دخول إسرائيل في حالة حرب لا بد وأن تُدفع فيها فاتورة الأرض، ولأن عملية "طوفان الأقصى" كانت مفاجأة ومؤلمة وحاسمة، فإن أول ثمن يتداعى للذهن هو من سيفوز بالأرض في نهاية المعركة
ظاهريا، فإن المقاومة وصلت للمستوطنات رغم عدم القدرة على تثبيت هذا الوضع عسكريا لفترة طويلة، لكنها من الناحية العملية جعلت كل منطقة غلاف غزة شبه خالية من المستوطنين والمستوطنات. وهناك حديث يجري الآن في إسرائيل عن ضرورة عمل منطقة عازلة في الحدود مع قطاع غزة، وهذا جزء من قضيتين حساستين عند الإسرائيليين؛ إحداهما تتعلق بالأرض أو ما يعرف بنظرية السيادة، وبموجبها تداري إسرائيل طوال الوقت على هشاشة منطقها في التسيُّد على أراضي الغير، فاستخدمت منطقا معوجا مفاده أن فلسطين كان بها فراغ في السيادة بعد انهيار الخلافة العثمانية قامت إسرائيل بسد هذا الفراغ، والقضية الثانية تتعلق بحياة الجنود والضباط، ولهذا فقد كانت حروب إسرائيل دوما خاطفة وسريعة وليست ممتدة لتقليل التكلفة البشرية قدر الإمكان.

من الواضح تماما أن الحرص الإسرائيلي على دفع أهالي غزة نحو الجنوب أو نحو مصر هو محاولة لقلب معادلة الأرض؛ لأنها من الممكن أن تفلت فعلا من إسرائيل وتخسر ما تراه أراضيها هذه المرة بسبب طبيعة عملية "طوفان الأقصى".
خريطة السيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية على الحدود انكمشت بفعل هذا المقاومة عدة مرات شمال وجنوبا، وأتصور أن الحرب الدائرة الآن سترغم إسرائيل على التنازل عن بعض من سيادتها على بعض المناطق كنوع من المساومة للخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر الممكنة

إن حديث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن عملية حرب طويلة وصعبة هو أبلغ دلالة على أن نتائج هذه الحرب ستنعكس ولا شك على من يملك السيادة على الأرض. أتذكر أثناء الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005 كيف ألقى رئيس الوزراء الراحل أرئيل شارون خطابا يعزي فيه المستوطنين الذين تركوا مستوطنات في غزة، ويبرر هذه الانسحاب بأنه ضرورة وأنه يشعر بآلامهم.

وكان شارون مجبرا لا بطلا على أخذ هذه الخطوة، وهي خطوة تعني بوضوح أن المقاومة يمكن أن تكسب أراضي محررة أو شبه محررة كما كسبتها بعد الانسحاب من غزة وقبلها بعد الانسحاب من جنوب لبنان.

إن خريطة السيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية على الحدود انكمشت بفعل هذا المقاومة عدة مرات شمال وجنوبا، وأتصور أن الحرب الدائرة الآن سترغم إسرائيل على التنازل عن بعض من سيادتها على بعض المناطق كنوع من المساومة للخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر الممكنة.

التعليقات (0)

خبر عاجل