صحافة دولية

كيف زاد حصار قناتي السويس وبنما من التوتر في مجال الطاقة؟

الحوثيون قطعوا باب المندب أمام السفن المتوجهة للاحتلال- الصحفة الرسمية لقناة السويس
الحوثيون قطعوا باب المندب أمام السفن المتوجهة للاحتلال- الصحفة الرسمية لقناة السويس
نشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية تقريرًا تحدثت فيه تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية نتيجة للحوادث التي تقع في قناتي السويس وبنما.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الانهيار المزدوج لقناتي السويس وبنما أحدث ثورة في طرق التجارة، وولَّد مرة أخرى اضطرابات لوجستية ومن شأنه أيضا أن يغذي صعود أسعار النفط. وسلطت الصحيفة الضوء على الأضرار الجانبية الناجمة عن هذا الوضع الذي قد يؤدي إلى تفاقم المخاطر النظامية العالمية.

وبينت الصحيفة أن الفوضى الجيوسياسية التي أعاقت قناة السويس، التي يمر عبرها نحو 12 بالمئة من التجارة العالمية، والانهيار الناجم عن تأثير الجفاف في قناة بنما، التي تمر من خلالها حوالي 6 بالمئة أخرى من تدفقات البضائع، قد تسببوا في انهيار الاقتصاد والتجارة العالمية في محيط يسوده عدم اليقين.

وفي هذا الصدد؛ تجد شركات الشحن الكبرى نفسها في مأزق استراتيجي: فدون طرق بديلة مربحة لإعادة توجيه حمولتها؛ وتغيرات في موازينها اللوجستية؛ إلى جانب شكوك حول معالجة تصاريح الصعود إلى الطائرة في موانئ وجهتهم بسبب التأخير في عبورهم، وبشكل خاص، القلق بشأن التكاليف الإضافية المترتبة على الالتفاف حول أميركا وأفريقيا في رحلاتهما العابرة للقارات.

اظهار أخبار متعلقة


من جانبها؛ تعترف شركات الشحن بأنه ليس لديها توجيهات واضحة وتحذر من أن الحصار المفروض على الشريانين الرئيسيين للسويس وبنما سيضيف في المتوسط مليون دولار في تكلفة النقل وما بين سبعة وعشرة أيام من التأخير لكل شحنة.

علاوة على ذلك؛ يعترف رولف هابن يانسن، الرئيس التنفيذي لشركة "هاباغ لويد"، شركة الشحن الألمانية التي تهيمن على عمليات العبور في شمال أوروبا، بأن شركته توقفت عن إرسال سفنها إلى السويس بعد سلسلة هجمات الحوثيين التي أثارت رد فعل الولايات المتحدة وأوروبا فأرسلت بشكل عاجل فرقاطات عسكرية تستخدمها في مكافحة القراصنة القادمين من مختلف خطوط العرض وحركاتهم المتمردة التي ترعاها إيران.

وأوضحت الصحيفة أن التهديد الذي تتعرض له السويس من المجموعة اليمنية الخاضعة لوصاية إيران، والتي توجه هجماتها ضد أي سفينة لها روابط مع إسرائيل بسبب توغلها المسلح في غزة، والكارثة المناخية في بنما، أثارت التوترات الجيوسياسية والاقتصادية للكوكب. 

ما مدى خطورة القرصنة في قناة السويس؟
هذه ليست المرة الأولى التي يهاجم فيها الحوثيون السفن، لكنهم لم يستهدفوا قط الناقلات أو سفن الشحن. ولم يستخدموا في الماضي الصواريخ للصعود على متنها. بالإضافة إلى ذلك؛ تأتي معظم الهجمات من مضيق باب المندب الذي يمر عبره الطريق الرابط بين المحيط الهندي والبحر الأحمر.

وأوردت الصحيفة أن عرض السفينة الإسرائيلية "غالاكسي ليدر" التي تم الاستيلاء عليها في ميناء الحديدة اليمني في تشرين الأول/ نوفمبر بمثابة تحذير للسفن التجارية وشركات الشحن التابعة لها، ما دفعها إلى تجنب مياهها والاتجاه نحو القارة الأفريقية للوصول إلى وجهاتها في أوروبا أو آسيا. في المقابل؛ يبرر العديد من قادة التمرد الحوثي أفعالهم من خلال دعم فلسطين، ويقولون إنهم لن يتوقفوا حتى يتوقف الهجوم من تل أبيب بشكل نهائي.

الولايات المتحدة تسعى إلى إيجاد حلفاء لوقف التوغلات المسلحة

وبينت الصحيفة أن واشنطن تخشى أن يتحول الصراع الإسرائيلي إلى إقليمي وحتى عالمي. فقد انضمت اثنتا عشرة دولة إلى عملية "حارس الازدهار"، مثل المملكة المتحدة والنرويج وإيطاليا وفرنسا وكندا والبحرين وهولندا وسيشيل، ووفقًا لواشنطن، إسبانيا أيضًا، حيث تطالب الحكومة الائتلافية بأن يكون ذلك تحت تفويض الاتحاد الأوروبي أو حلف شمال الأطلسي.

وأشار وزير الدفاع الأمريكث، لويد أوستن، إلى أنه ستكون هناك دوريات عمل جماعي في جنوب البحر الأحمر وفي خليج عدن لاستئناف حركة الملاحة البحرية وتهدئة أسعار الطاقة. وعلى الرغم من أن الوحدة البحرية للولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة في المنطقة قد صدت أكثر من اثني عشر هجومًا في الشهرين الماضيين، فقد علقت شركات تشغيل مثل ميرسك وشركة "سي إم ايه - سي جي أم" و"هاباج لويد" وشركة "بريتيش بتروليوم" للنفط مساراتها.

وتحذر شركة "أبولو غلوبال مانجمنت" من أن التوتر في السويس قد يبدد الآمال في انتعاش الاقتصاد في أوقات تخفيض أسعار الفائدة ومن شأنه أن يعزز مرة أخرى التوترات التضخمية.

اظهار أخبار متعلقة


لماذا يعتبر انهيار قناة السويس صادما إلى هذا الحد؟
سنويًّا؛ تمر عبر قناة السويس أكثر من 17 ألف سفينة، و12 بالمئة من التجارة العالمية، وتبلغ قيمة بضائعها أكثر من تريليون دولار. إلى جانب ذلك؛ توفر هذه البوابة لشركات الشحن، في رحلة مثلا من أمستردام إلى سنغافورة، 25.5 يومًا من الملاحة وحوالي 10,000 ميل بحري؛ إذا كان عليك التجول في أفريقيا عبر منطقة "بوينا إسبيرانزا" ، فإن جدول التسليم يزيد إلى 34 يومًا مع أكثر من 13,500 ميل من السفر.

بالإضافة إلى ذلك؛ تعد القناة طريقًا حيويًّا لنقل النفط الخام والغاز المسال (حيث مر عبرها ما يقرب 9 ملايين برميل من النفط يوميًا في النصف الأول من سنة 2023، وفقًا لشركة فورتيكسا لللتحليلات). ويذكر خبراء وكالة "ستاندرد آند بورز ماركت إنتليجنس" أن 15 بالمئة من الواردات الأوروبية من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من آسيا تستخدم هذه القناة، التي يمر عبرها 21.5 بالمئة من الوقود المكرر وأكثر من 13بالمئة من النفط الخام إلى القارة العجوز.

لماذا يعد الحصار المفروض على قناة بنما مهما؟
تعتبر حصة الممر البنمي في التجارة العالمية أصغر، وتقدر بنحو 6 بالمئة، على الرغم من أن 13.369 سفينة عبرته في سنة 2020 حملت 255.7 مليون طن (خاصة فول الصويا والذرة)، وقبل كل شيء، البضائع من الولايات المتحدة والبرازيل إلى آسيا.

وتدير هيئة قناة بنما عادة 36 سفينة يوميًّا، ولكن منذ 30 تشرين الأول/ أكتوبر، تم تخفيضها تدريجيًّا، إلى درجة السماح للنصف (18) منذ شباط/ فبراير بالحفاظ على الحد الأدنى من مستويات المياه خلال الموسم الأكثر جفافًا في تاريخها بسبب آثار ظاهرة "النينو". في الأثناء، اضطرت بعض السفن التجارية إلى الانتظار لمدة تصل إلى 20 يومًا في تشرين الثاني/ نوفمبر لعبور القناة، وقفزت أسعار الشحن اليومية لخدمة الطريق بين المحيط الهادئ وأوروبا إلى 42,558 دولارًا، وهو معدل غير معروف منذ آب/ أغسطس 2022 وفقًا لبورصة البلطيق.

ما هو تأثير ذلك على النفط الخام والغاز؟
في الوقت الحالي؛ يظل سعر برميل خام غرب تكساس الوسيط، الذي يعد مرجعًا في الولايات المتحدة، وخام برنت، في أوروبا، في حدود حوالي 80 دولارًا، أي أقل بـ 15 دولارًا مقارنة بشهر أيلول/ سبتمبر. ومع ذلك؛ فإن إطالة الرحلات وعمليات التسليم قد أطلقت أجراس الإنذار. 

ووفقًا للمحلل فؤاد رزاق زاده، من شركة "فوركس.كوم"، فإنه "على المدى الطويل، من الصعب تحديد ذلك على الرغم من التخفيضات الإضافية التي أعلنتها أوبك لسنة 2024 بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي، والذي سيهز مقياس العرض والطلب. في المقابل، ستحدث أضرار جانبية "لأن 8 بالمئة من النفط الخام يمر عبر قناة السويس".

وتستبعد وسائل إعلام أخرى، مثل موقع "أويل.كوم"، أن يعود سعر النفط الخام إلى 100 دولار أو أكثر في سنة 2024، رغم أنه سيكون قريبًا من هذا المستوى.

وعلى الرغم من أن الأمر يتعلق أيضًا بقدرة السوق، فإن "المزيد من التخفيضات" في الإنتاج التي أقرتها السعودية وروسيا، مع التغييرات في الطرق والخدمات اللوجستية الأكثر تكلفة، ستعني أن البرميل يقترب من 100 دولار بسهولة شديدة. كما أنه أصبح الغاز بالفعل أكثر تكلفة في أوروبا بنسبة 13 بالمئة في اليوم الذي أعلنت فيه شركة "بريتيش بتروليوم" عزمها على تجنب قناة السويس.

زيادة في أقساط المخاطر التجارية
تمثل قناة السويس 30 بالمئة من شحنات الحاويات وتتراوح القيمة اليومية للبضائع بين 3 مليارات و9 مليارات دولار، وهو ما يفترض "الكثير من المخاطر السياسية والاقتصادية"، وفقا لسيمون لوكوود، المسؤول التنفيذي في شركة "ويليس تاور واتسون".

يُضاف إلى ذلك تلك التي ولدتها الحرب في أوكرانيا. وبحسب لوكوود، فإنها تقدر الضريبة الثورية التي ستدفعها شركات الشحن مقابل كل مليون دولار من قيمة شحنتها بنسبة 0.7 بالمئة؛ أي حوالي 70,000 دولار. هذا هو ثمن ضمان العبور الآن، على حد تعبير المسؤول التنفيذي.

سلاسل القيمة ستتأثر
كشفت الجائحة الكبرى عن هشاشة نماذج الأعمال، وأدى جنوح سفينة "إيفر غيفن" في السويس سنة 2021 إلى تفاقم اضطراباتها، وأجبرتها التوترات الجيوسياسية والدوامة التضخمية على إطالة أمد إعادة هيكلتها. ومع ذلك؛ أظهرت سلاسل القيمة قدرة كبيرة على الصمود.

ومع ذلك؛ فإن خطر زعزعة قناة السويس لاستقرار الأسواق الإقليمية وتضرر التصنيع وإنتاج الخدمات في خطوط العرض الأخرى أصبح، بحسب هونغ تران، من مركز الاقتصادات الجيولوجية التابع للمجلس الأطلسي "أكثر وضوحًا بسبب الزيادة في التكاليف والتأخير في عمليات تسليم المواد الخام والمواد الأساسية للقيام بأعمالهم".

اظهار أخبار متعلقة


الأمر سيان بالنسبة للاستهلاك
يحذر هينينغ غلويستاين، مدير الطاقة والمناخ والموارد في مجموعة أوراسيا الاستشارية، من أن "كل هذه الزيادات في الأسعار ستنتقل مباشرة إلى العملاء والمستهلكين". لقد ارتفعت أسعار الشحن بالفعل بنسبة 4 بالمئة خلال أسبوع، وسيؤثر ذلك على الاستهلاك، ما يؤدي إلى تكاليف إضافية على الشركات، بغض النظر عن ما إذا كان هناك إعادة إطلاق في أسعار الطاقة أم لا، وبالتالي انتعاش التضخم الذي من شأنه تأخير أو تأجيل تخفيضات أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية.

ضربة قاتلة للتجارة العالمية
ووفقًا لمنظمة التجارة العالمية؛ فقد بدأت علامات الاضطراب تظهر على التجارة. لدرجة أن توقعاتها لهذا العام هي زيادة باهظة الثمن بنسبة 0.8 بالمئة، مع علامات غير مشجعة للغاية لسنة 2024. من جانبها، تقدر الأونكتاد، مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، نموًّا في السنة المقبلة بنسبة 3.2 بالمئة .

تأثيرات ثانوية على الاقتصاد
بحسب صحيفة "الإيكونوميست"، فإنه سيتأثر الاقتصاد من ناحيتين. الأولى؛ في ظل خطر التصعيد العسكري في الشرق الأوسط والذي من شأنه أن يغير النظام السياسي والاقتصادي العالمي ويعجل بالقوى الصناعية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا، إلى المزيد من الهبوط المفاجئ في ناتجها المحلي الإجمالي.

والثانية؛ بسبب تفاقم الأزمات في دول المنطقة، مثل مصر، الغارقة في أزمة مالية، والتي يوجد مصدرها الأكثر موثوقية للدخل المستقر في قناة السويس؛ وكذلك من إسرائيل، وإن كان بدرجة أقل، حيث ينتهي المطاف بحوالي 5 بالمئة فقط من تجارتها في ميناء إيلات على البحر الأحمر، وسوف تتأثر أفريقيا أيضًا بالتدفقات المباشرة وبالمصادر المحتملة لانعدام الأمن.
التعليقات (0)