اقتصاد عربي

ما مصير حقل غاز "غزة مارين" في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع؟

تعمل إسرائيل على سرقة ثروات الفلسطينيين - الأناضول
تعمل إسرائيل على سرقة ثروات الفلسطينيين - الأناضول
تداولت جهات عربية أو أجنبية ومنظمات وهيئات إعلامية فلسطينية عديدة مؤخرا، أنباء عن سعي الاحتلال الإسرائيلي إلى إبرام صفقات مع شركات كبرى للتنقيب عن الغاز قبالة سواحل غزة، فيما تواصل حربها على القطاع الفلسطيني المحاصر.

وقال مركز الميزان لحقوق الإنسان ومقره غزة في بيان؛ إن "وزارة الطاقة الإسرائيلية منحت تراخيص لست منشآت إسرائيلية وشركات عالمية للتنقيب الاستكشافي عن الغاز الطبيعي، في المناطق التي تعدّ بموجب القانون الدولي مناطق بحرية فلسطينية".

ولفت بيان هذه المنظمة غير الحكومية، التي تتمتع بصفة استشارية خاصة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، إلى أن من بين تلك الشركات: إيني الإيطالية (Eni S.p.A)، دانا بتروليوم البريطانية (Petroleum Dana)، وراسيو بتروليوم الإسرائيلية (RatioPetroleum)، مشيرة أيضا إلى أن منح تلك التراخيص تم بموجب "جولة المناقصات البحرية الرابعة (OBR4)، التي أطلقتها وزارة الطاقة والبنى التحتية الإسرائيلية في كانون الأول/ ديسمبر 2022".

من جانبه، أعلن مركز عدالة لحقوق الإنسان ومقره حيفا في بيان، أنه  راسل في الخامس من شباط/ فبراير، وزير الطاقة الإسرائيلي والمستشارة القضائية للحكومة، للمطالبة بـ"إلغاء تراخيص التنقيب عن الغاز الممنوحة في المنطقة جيم"، و"إلغاء المناقصات الجارية في المناطق التي تقع ضمن الحدود البحرية لفلسطين"، وكذا "الوقف الفوري لأي نشاط ينطوي على استغلال موارد الغاز في الحدود البحرية لفلسطين".

وأشار المركز إلى أن المناطق المعنية بهذه الشكوى (جيم G) "لا تنتمي إلى إسرائيل"، وأن الأخيرة لا تمتلك أي حقوق سيادية عليها بما فيها الحقوق الاقتصادية الحصرية. مضيفة في بيانها بأن "التنقيب عن الغاز واستغلاله في المناطق البحرية الفلسطينية، ينتهك بشكل صارخ الحق الأساسي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير، الذي يشمل إدارة موارده الطبيعية".

ولفتت الهيئتان (مركز الميزان وجمعية عدالة) إلى أن مكتب المحاماة الأمريكي فولي هوغ Foley Hoag LLP ومقره بوسطن، الذي يمثل في هذه القضية الخلافية كل من مؤسسة الحق ومركز الميزان لحقوق الإنسان والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، قد أرسل بتاريخ 6 شباط/ فبراير 2024 "إخطارات إلى شركات Eni S.p.A، وDana Petroleum Limited، وRatio Petroleum، يطالبهم فيها بالكف عن القيام بأي أنشطة في المنطقة جيم (G)، التي تقع ضمن المناطق البحرية لدولة فلسطين، والتأكيد أن مثل هذه الأنشطة، من شأنها أن تشكل انتهاكا سافرا للقانون الدولي". ونشر مركز الميزان وثيقة الإخطار الموجهة للشركات المعنية، ويمكن الاطلاع على نسخة إلكترونية منها.

وبحسب وكالة "فرانس 24"، لم تكن هذه الشكوى الوحيدة التي تلاحق هذه الشركات، ففي إيطاليا، أشارت الصحافة المحلية إلى ضغوطات تمارس على الحكومة وعلى شركة إيني تحديدا، لحثها على عدم إبرام أي صفقات تخص الغاز في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك حقل "غزة مارين".

فقد أفادت "إل مانيفستو Il manifesto" بأن زعيم حزب الخضر "أوروبا الخضراء (يسار)" أنجيلو بونيلي قد طلب في رسالة برلمانية إحاطة عاجلة من حكومة جورجيا ميلوني وشركة إيني، لتقديم توضيحات عن إمكانية "توقيع عقود تخص موارد الشعب الفلسطيني". وأضافت الصحيفة الإيطالية أن بونيلي انتقد قيام روما بـ"ممارسات رهيبة غير مقبولة في استغلال الموارد الطبيعية وإمدادات الطاقة دون مراعاة القانون الدولي".

من جانبه، قال الباحث الاقتصادي الأردني عامر الشوبكي المتخصص في شؤون النفط والطاقة، لـ"فرانس 24"؛ إن حقل "غزة مارين" يعد من أقدم الحقول المكتشفة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، فقد اكتشفته شركة بريتيش بتروليوم عام 1999.

هو أيضا من أقرب الحقول إلى الشاطئ، حيث يبعد قرابة الثلاثين كيلومترا فقط عن شاطئ غزة، وهو بذلك يقع ضمن المياه التجارية الفلسطينية. وهو على عمق 600 متر فقط تحت سطح المياه، ويحتوي على قيمة تقديرية 1.5 ترليون قدم مكعب من الغاز. كان الاتفاق الذي نتج عن عملية السلام في إطار اتفاقية أوسلو (13 أيلول/ سبتمبر 1993) بين الفلسطينيين وإسرائيل، يقضي بأن تكون ثروات المياه التجارية الفلسطينية من حق السلطة الفلسطينية.

وبحسب الشوبكي، كان من المفترض أن يدر هذا الحقل ما بين 700 إلى 800 مليون دولار سنويا على السلطة الفلسطينية، عدا عن الثروات الأخرى في المياه التجارية الفلسطينية، التي من المعتقد أن بها مكامن غاز أخرى قد تصل قيمتها إلى ثلاثة مليار دولار سنويا.

لكن، لطالما عرقلت إسرائيل أي استثمار في حقل "غزة مارين"، بدءا من اكتشافه من قبل بريتيش بتروليوم، وفي عام 2006 حيث كان هناك حديث في هذا الشأن، لكن إسرائيل طالبت بالتحكم بإيرادات هذا الحقل، وأن يتم توصيل الغاز إلى أراضيها بدلا عن غزة، عبر خط أنابيب تمتد من الحقل بحرا إلى الأراضي الإسرائيلية، لتقوم هي ببيع الغاز وتوزيع إيراداته حسب ما تراه مناسبا، وهو ما رفضته السلطة الفلسطينية.

ويتابع الباحث بأن العرقلة الإسرائيلية امتدت حتى 2023 حين تم عقد عدة اجتماعات برعاية أمريكية بين السلطة الفلسطينية والجانب الإسرائيلي ومصر، تمت في شرم الشيخ ومدينة العقبة الأردنية، ونتج عنها اتفاق يقضي بأن تقوم شركات مصرية بالتعاون مع صندوق السيادة الفلسطيني بالاستثمار لإنتاج الغاز في هذا الحقل. كان من المفترض أن يبدأ الحفر في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، على أن يبدأ إنتاج الغاز في ظرف عام. نلحظ أن كلفة استخراج الغاز أقل من باقي الحقول الأخرى التي تقع على بعد قد يصل إلى 100 أو 150 كيلومترا وبعمق أكثر من 3000 متر، مثل حقل ليفياثان أكبر حقول شرق المتوسط التابع لإسرائيل، عكس حقل غزة الواقع قرب الشاطئ وغير بعيد من سطح المياه.

ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أجلت إسرائيل موافقتها فيما يخص حقل الغاز "غزة مارين". وبدلا من ذلك، منحت قرابة 12 ترخيصا لسبع شركات أجنبية منها إيني الإيطالية وبريتيش بتروليوم البريطانية للاستكشاف في مناطق مختلفة من المياه التجارية الإسرائيلية، لكن من ضمنها أيضا 74 بالمئة من المياه التجارية لقطاع غزة. كما تنص تلك الاتفاقية على تمديد التراخيص لتلك الشركات مع بدء الحفر.

وحول دعوة الفلسطينيين والمصريين إلى المفاوضات الأخيرة، قال الشوبكي؛ إنه لم تتم دعوة الفلسطينيين أو مصر للمشاركة في المفاوضات الأخيرة التي جرت في تشرين الأول/ أكتوبر، والتي تختلف أصلا عن اتفاق إسرائيل مع السلطة الفلسطينية ومصر في عام 2023. فالدعوة الأخيرة للاستكشافات ومنح التراخيص، هي منفصلة وتخص الحكومة الإسرائيلية والشركات المذكورة فقط.

مصير حقل "غزة مارين" في ظل الحرب

ويتابع الباحث: "من المعلوم جيدا بأن إسرائيل تسعى إلى السيطرة الأمنية على قطاع غزة جغرافيا، كما أن وزير خارجيتها عرض على الاتحاد الأوروبي قبل شهر خارطة توضح ميناء لبيع الغاز المسال على ساحل غزة، وكان هناك استهجان في حينها من الاتحاد الأوروبي؛ بسبب أن هذا الوقت غير مناسب لعرض مثل هذه المشاريع في ظل استمرار الحرب".

ولفت إلى أنه يعتقد أن إسرائيل الآن من أهدافها الاستراتيجية من السيطرة على جغرافية غزة، هي أيضا السيطرة على ثروات المياه التجارية لغزة أو موقعها الجغرافي، ومنها أيضا الغاز أو لتمرير مشاريع أخرى مثل قناة بن غوريون والممر الاقتصادي الذي أعلنته الولايات المتحدة قبل أشهر.
التعليقات (0)