كشف المحلل العسكري
الإسرائيلي المعروف إليكس فيشمان تفاصيل مثيرة لتقرير استخباري إسرائيلي بالغ السرية.
وكشف فيشمان في مقالته بصحيفة يديعوت، الجمعة، أن
إيران قلصت دعمها لكل من بشار الأسد وحزب الله.
لم يعد حرس الثورة الإيراني هو الذي يقرر برنامج العمل في إيران فقد عمل روحاني على تخفيض ميزانية الحرس الثوري من أجل رفع الاقتصاد، ما أدى إلى تقليص الموراد الذاهبة إلى
سوريا وحزب الله.
وحسب التقرير فإن الرئيس الأسد ضعيف وفقد السيطرة على 75 بالمئة من مساحة سوريا، وبقي نحو من 200 ألف جندي من جيشه من أصل 400 ألف.
وحسب التقديرات فإن عدد القتلى من الجيش السوري بلغ 30 ألف و90 ألف جريح. وأن عشرات آلاف الجرحى من الجيش السوري يعالجون في منشآت مؤقتة ولا يوجد ما يكفي من المعدات الطبية لا للجنود ولا للمواطنين.
وفيما يتعلق بحزب الله فقد كشف فيشمان أن
حزب الله بات ضعيفا أيضا فقد قتل بضع مئات من رجال حزب الله في القتال في سوريا.
ويتحدث أحد التقديرات عن 400 مقاتل هم 10 بالمئة من القوة التي أرسلها حزب الله للقتال في سورية، ولم يضعف حزب الله في الرأي العام فقط بل ضعف أيضا لأن الإيرانيين أصبحوا يحولون إليه قدرا أقل من المال ومن الوسائل القتالية.
وكشف فيشمان عن اتصالات إسرائيلية سعودية وتبادل رسائل، وأن السعوديين يشترطون شرطين لتنتقل الاتصالات إلى سبل أكثر رسمية الأول أن تعلن إسرائيل أنها تقبل المبادرة
السعودية في 2002؛ والثاني أن يحدث تقدم ما في التفاوض مع الفلسطينيين.
وفيما يلي نص المقال:
حينما بدأت في هذا الاسبوع المحادثات بين القوى العظمى وإيران وضع على طاولة القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل تقدير مُحدث لـ "أمان". تقول شعبة الاستخبارات إن إيران لم تتخل عن حلمها الذري. وبعبارة أخرى إذا بقي النظام الحالي في طهران على حاله ولم يحدث تغيير حاد في الجو الدولي فقد تتوصل الى قنبلة ذرية.
لكن هذا جانب واحد من جانبي قطعة النقد. إن جهات الاستخبارات في إسرائيل تعرض أيضا نصف الكأس الملآن ذلك أن ايران روحاني التي تواصل السباق إلى القنبلة الذرية هي إيضا إيران التي غيرت ترتيب أولوياتها الداخلي وجعلت رفاهة المواطن في المركز. ويقولون في إسرائيل إن لهذا التحول آثارا مباشرة على قوة المحور المتطرف لايران وحزب الله وسوريا. إن حصة كبيرة من الموارد التي أُنفقت الى الآن على نشر الثورة الاسلامية ودعم نظم حكم ومنظمات متطرفة توجه الآن الى داخل ايران.
كان على روحاني كي ينجح في مسار تحويل الموارد إلى الاقتصاد الإيراني السيء الحال أن يمس شيئا ما بقوة حرس الثورة – وكان هذا اجراءا حظي بتأييد من الزعيم الروحاني خامنئي برغم ما في ذلك من العجب. وهكذا فقدت المنظمة التي تتقدم المعركة السرية على إسرائيل باستعمال منظمات إرهابية وتهريب كثيف للسلاح، شيئا من ميزانيتها ومن قوتها أيضا. وقد نجح روحاني أيضا في الأشهر الثمانية الأخيرة في أن يزيح عددا من رجال حرس الثورة عن مناصب رئيسة رفيعة في الاقتصاد والجيش والإستخبارات والعلاقات الخارجية الايرانية. وكان من نتيجة ذلك أن أخذ يقل الدعم الاقتصادي والعسكري الذي تعطيه إيران لسوريا وحزب الله.
إن سوريا وحزب الله بحسب التصور الأمني الإيراني هما الخط الدفاعي الأمامي في مواجهة إسرائيل. وعملهما أن يصدا ويردعا كل قصد إسرائيلي إلى ضرب إيران وأن يضعفا قوة إسرائيل. لكن هذه الجبهة أخذت تضعف. وهذه بشرى خير بالنسبة لإسرائيل ولا سيما على خلفية تهديدات الجهاد العالمي والفوضى الإقليمية وعشرات آلاف الصواريخ الموجهة عليها والمشروع الذري الإيراني الذي لا يُصد. وهذه "فرصة تاريخية" كما عرفها رئيس "أمان" اللواء افيف كوخافي في محاضرة له في معهد بحوث الأمن قبل اسبوعين.
إن المحور المتطرف تؤيده دعامتان أخريان سوى الدعم الإيراني أخذتا تتضعضعان هما أيضا. الأولى مكانة الرئيس الاسد، والثانية قوة حزب الله. إن الجهات الاستخبارية في إسرائيل لا تشك في أن الأسد لن يبقى في الحكم في اطار أي تسوية في سوريا. فهذا الرجل بحسب تقديرات الإستخبارات في إسرائيل فقد شرعية حكمه لشعبه.
إن صورة الوضع في "الدعامة السورية" للجبهة المتطرفة هي صورة أزمة لا رجعة عنها، فقد انقسم الجيش السوري نصفين فبقي من جيش كان فيه نحو من 400 ألف جندي بعد ثلاث سنوات من الحرب الأهلية، بقي نحو من 200 ألف شخص فقط. والمعطى الأكثر حدة هو مقدار الخسائر التي أصابت الجيش السوري في هذا القتال التي بلغت 30 ألف قتيل و90 ألف جريح وهو عدد أكثر من عدد كل المصابين الذين مني بهم في مواجهاته مع إسرائيل على مر السنين.
وأما الضرر المعنوي فيصعب تقديره. وما عادوا يتحدثون عن علاج منظم للمصابين في المستشفيات، وإن عشرات آلاف الجرحى من الجيش السوري يعالجون في منشآت مؤقتة ولا يوجد ما يكفي من المعدات الطبية لا للجنود ولا للمواطنين. إن الناس يموتون كالذباب وذلك قبل أن تبدأ الأوبئة التي تحذر جهات المساعدة الدولية منها. وقد تجاوز العدد الرسمي للقتلى في سوريا من المدنيين والجنود 150 ألفا. ويقترب عدد الجرحى من 400 ألف وأصبح أكثر من 4 ملايين إنسان لاجئين.
برغم قصص النجاح في معارك محلية، فقد الأسد السيطرة على 75 بالمئة من مساحة سوريا. وأخذ يقل عدد الصوارخ والقذائف التي يستطيع اطلاقها. إن الروس ينقلون في كل إسبوع مقادير ضخمة من السلاح والذخائر عن طريق ميناء اللاذقية لكن هذا المدد لا يستطيع أن يجاري معدل الاطلاق.
إن الجيش السوري لا يهدد إسرائيل في الحقيقة. إن له قدرة نارية بعيدة المدى وله قدرات في مجال الدفاع الجوي في صورة البطاريات الجديدة من طراز "إس.إي 17" التي باعه الروس إياها لكن عيني الأسد ما عادتا موجهتين إلى إسرائيل. وقد أزال جزءا كبيرا من جيشه في هضبة الجولان وجبل الشيخ لأجل القتال في داخل المدن السورية.
إن إسرائيل بحسب وجهة النظر السورية لا تنوي أن تحارب سوريا. والذي يمكن أن يورط سوريا هو مواجهة عسكرية بين اسرائيل وحزب الله. وإن دين السوريين لحزب الله كبير فاذا اشتعلت الحدود بين لبنان واسرائيل فسيجب على الأسد أن يهب لمساعدة نصر الله. لكن الرغبة السورية في اشتعال حريق في مواجهة إسرائيل ضئيلة جدا.
صورة مرآة
يوضع على طاولات رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان مرة في كل ثلاثة اشهر تقرير استخباري سري جدا هو بمثابة "صورة مرآة": بحسبها يرى التقدير أن العدو يرى إسرائيل بحسبها.
ويمكن ادخال هذا التقرير أيضا تحت عنوان "مقياس الردع الاسرائيلي". ويتبين هناك أن وضعنا جيد.
تصور هذه التقارير القيادة الاسرائيلية بأنها قيادة جد مصممة وجد غير متوقعة في المجال الأمني تستطيع أن تتخذ قرارات لا تناسب فيها على استعمال النيران. وإن جيراننا في الشمال على يقين من أنه اذا نشبت أزمة مثلا بين إسرائيل وحزب الله فان الجيش الإسرائيلي سيزرع في لبنان دمارا أوسع مما كان في أي وقت مضى. وينبغي أن نفرض أن هذه التقارير فيها تناول العدو لتدريبات الجيش الاسرائيلي وتسلحه ولتصريحات ضباط كبار وقادة إسرائيليين.
ولا شك في أنه يرد هناك أيضا تطرق إلى نشاط الجيش الإسرائيلي الكثيف السري في الدول الجارة. وليس من الداحض أن نفرض أن العدو يحاول – بمساعدة خبراء أجانب مثل الإيرانيين مثلا – أن يدرس هذا النشاط ويشمل ذلك التقنيات ووسائل القتال التي استعملت فيما يسمى في الصحف الأجنبية "هجمات غامضة" لسلاح الجو الإسرائيلي في سوريا.
إن القدرات غير المفسرة ستقلق وتهم العدو دائما. فاذا كان الإنجاز المطلوب من جيش هو أن يردع العدو أولا بلا حرب فمن الصحيح إلى الآن أن الجيش الإسرائيلي يفي بذلك بحسب هذه التقارير على الأقل.
ويزيد قطرة على نصف الكأس الملآن اجراء التحلل من السلاح الكيميائي في سوريا برغم تعويقات اخراجه للقضاء عليه خارج حدود الدولة. وقد نبع التعويق الى الآن من مشكلات لوجستية كالنقص في وسائل النقل الملائمة وصعوبات تأمين القوافل التي يفترض أن تنقل المواد إلى ميناء اللاذقية.
وحينما حُلت هذه المشكلات بدأ الأسد ينفذ حيل تأخير لكسب الوقت لأن نظام حكمه مؤمن ما ظلوا يشغلون أنفسهم بالسلاح الكيميائي. لكنهم في إسرائيل يُقدرون أن هذه الحيل لن تستمر وقتا طويلا وذلك في الأساس لأن الروس يضغطون على الاسد. ويُنتظر الآن نقل نحو من 800 طن من مواد القتال الكيميائية. ويُقدرون في إسرائيل أنها ستُخرج الى مواقع القضاء عليها في البحر بعد شهرين أو ثلاثة.
جنازات في منتصف الليل
إن "الدعامة الثالثة" للمحور المتطرف – والعدو المركزي للجيش الاسرائيلي – هي حزب الله. والكأس هنا أيضا غير فارغة تماما. فعلى حسب الصورة التي تصور في إسرائيل يمر حزب الله الآن بواحدة من أقسى الفترات في تاريخه. وبرغم انجازه الحالي بادخاله 8 وزراء إلى الحكومة الجديدة في لبنان، أخذت مكانته في لبنان والعالم العربي تضعف. والذي يتابع موقع الشيخ القرضاوي في الشبكة، وهو أعظم الفقهاء المسلمين تأثيرا في العالم، يستطيع أن يشاهد هناك مطر الشتائم التي يمطر حزب الله بها.
لم يضعف حزب الله في الرأي العام فقط بل ضعف أيضا لأن الإيرانيين أصبحوا يحولون اليه قدرا أقل من المال ومن الوسائل القتالية. واذا لم يكن ذلك كافيا فان الأوروبيين انضموا إلى الأمريكيين وأعلنوا أنه منظمة ارهابية وهو شيء لا يزيده قوة.
إن حزب الله متورط اليوم في جبهتين. فهو متأهب في جنوب لبنان لامكانية مواجهة عسكرية مع إسرائيل ويدير معركة في جنوب بيروت وفي البقاع اللبناني أيضا. وفي مقابل ذلك أرسل إلى سوريا إلى الآن بين 3 آلاف الى 5 آلاف مقاتل هم 20 بالمئة من عدد لابسي البزات العسكرية في المنظمة.
وفي كل ليلة يدفن حزب الله موتاه الذين قتلوا في الجبهة السورية. وهو يفعل ذلك في الظلام بعيدا عن عدسات التصوير كي يخفف الانتقاد في الداخل. وقد قتل بضع مئات من رجال حزب الله في السنة ونصف السنة التي شارك فيها في القتال في سوريا. ويتحدث أحد التقديرات عن 400 مقاتل هم 10 بالمئة من القوة التي أرسلتها المنظمة إلى المعركة. ويحارب نصر الله لاستمرار ولاية الأسد الذي هو دعامته الرئيسة حتى وقد أصبح واضحا أن الأسد لن يبقى.
إن ما يبدو اليوم طريقا مسدودا أيضا في الساحة الفلسطينية حول مبادرة كيري لن يفضي إلى انتفاضة عامة بالضرورة. فهم في قيادة المركز يؤمنون بأنه كلما كان الوضع الاقتصادي أكثر معقولية أصبح احتمال الانفجار العسكري أقل. ولهذا يوصي المستوى العسكري المختص المستوى السياسي بأن يرخي الحبل للفلسطينيين شيئا ما في مجال التنقل واعطاء رخص البناء وتطوير المناطق الصناعية وتوسيع صلاحيات ما للسلطة الفلسطينية في المنطقتين ج و ب. وأصبحت حماس في غزة الآن على الأقل أكثر اشتغالا بالصراع على حكمها من السعي إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل. والباعث الرئيس عند الغزيين أيضا اقتصادي، فقد تركهم الإيرانيون وضعف الأتراك وأصبح المصريون يرون غزة عدوا.
إن غزة تستطيع أن تشتري سلعا من إسرائيل لكنها تكلف هنا أضعاف ما تكلفه في مصر. وعند قيادة الجنوب أيضا سلسلة توصيات بتسهيلات في مجال نقل السلع ومواد البناء. إن الجيش يوصي لكن المستوى السياسي هو الذي يجب أن يقرر هل ينتهز هذه الفرص التي تُمكنه من أن يكسب الهدوء.
الصلة السعودية
وفي الوقت الذي تضعف فيه الجبهة المتطرفة أخذ يقوى المحور العربي المعتدل. وفي إسرائيل يعدون أربعة مواضيع مشتركة على الأقل لنا مع المحور العربي المعتدل ولا سيما السعودية ومصر وهي: محاربة الإخوان المسلمين، ومحاربة الجهاد العالمي، وإقرار الوضع في سوريا، وزحزحة قدمي حزب الله. ويبدو أنه تجري بين إسرائيل والسعودية اتصالات وتُنقل رسائل بواسطة جهات غير رسمية.
ويشترط السعوديون شرطين لتنتقل الاتصالات إلى سبل أكثر رسمية الأول أن تعلن إسرائيل أنها تقبل المبادرة السعودية في 2002؛ والثاني أن يحدث تقدم ما في التفاوض مع الفلسطينيين. واذا لم يكن عند إسرائيل الكثر مما تفعله مع الفرصة الاستراتيجية التي يعرضها المحور المتطرف فلا يجوز لها أن تبقى ساكنة في مواجهة الفرصة التي يعرضها عليها المحور المعتدل. فلا شك في أن علاقات بين إسرائيل والسعودية هي مرساة استراتيجية تستحق أن تُدفع عنها أثمان سياسية في ميادين أقل احراجا – مع الفلسطينيين مثلا. لكن المسافة ما زالت كبيرة بين هذه الأقوال والخواطر التي تُسمع في ديوان رئيس الوزراء أيضا وبين العمل بالفعل.
إن الجهات الاستخبارية تشير للمستوى السياسي إلى التهديدات وإلى الفرص. فأما التهديدات فان الترويج لها أسهل فهي تصنع عناوين صحفية والجيش هو الذي يعالجها آخر الأمر. وأما الفرص فلا تُصور دائما والساسة هم الذين يجب عليهم أن يعتنوا بها، فلا عجب أن تكون درجة مشاهدتها منخفضة.