كتب فايز سارة: تشير بعض التقديرات المتصلة بالقضية السورية إلى اقتراب عدد
الضحايا الذين أصابهم الصراع في
سوريا بصورة مباشرة من مليون شخص قتلوا وفقدوا وتحولوا إلى معاقين وسجناء مجهولي المصير، وهناك نحو خمسة ملايين سوري لاجئين أو مهجرين خارج البلاد..
وضِعف هذا العدد
مشردون من بيوتهم إلى مناطق أخرى في سوريا، بل إن بقية السوريين، لم يكونوا بمعزل عن التأثر بنتائج ما حصل في سوريا عبر السنوات الثلاث الماضية من ثورة السوريين على نظام الأسد، والتي يمكن القول إنها صاحبة أكبر فاتورة في الصراعات الداخلية التي شهدها العالم في القرن الماضي.
ورغم فظاعة فاتورة الصراع، فإن نتائجه غير محسومة، حيث النظام ما زال قائما، وثورة السوريين ما زالت مستمرة، وثمة أسباب كثيرة، لكن السبب الرئيس يكمن في التدخلات الإقليمية والدولية المستمرة والتي فتح نظام الأسد بابها في الشأن السوري، ويستمد النظام قوة بقائه من تلك التدخلات، وأهم اختصاراتها دعم سياسي أبرزه الدعم الروسي الذي كبّل مجلس الأمن عن اتخاذ قرارات حاسمة ضد نظام الأسد وسياساته وممارساته، ودعم إيراني لوجيستي، يشمل المساندة السياسية والاقتصادية والعسكرية والاستخبارية، ثم دعم بالقوة العسكرية المباشرة من خبراء روس وجنود إيرانيين ومقاتلين من حزب الله وميليشيات عراقية وغيرهم.
إن أهمية التدخلات الخارجية في بقاء نظام الأسد، لا تخفف من أثر سبب آخر منع انتصار السوريين في ثورتهم على النظام، وهو فشل تشكيلات المعارضة السورية الضعيفة أصلا في الوصول إلى وحدة سياسية وعملية لمواجهة النظام، رغم اتفاقها وتوافقها على ضرورة إسقاطه.. بل إن هذا الفشل وضعف المعارضة أديا إلى نشوء بيئة ساعدت في تسلل وتنامي جماعات متطرفة، أبرزها المنتمية إلى «القاعدة» وأخواتها مثل جبهة النصرة، ودولة العراق والشام الإسلامية (داعش)، والتي عملت ولا تزال على أخذ ثورة السوريين إلى غير أهدافها، وهذا موضوعيا قدم خدمات كبيرة للنظام ولا سيما على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية، وكرس مستويات مختلفة من الصراع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أساسها صراع بين جماعات التطرف وتشكيلاتها المسلحة وقوى الثورة المدنية والعسكرية في تلك المناطق.
لقد جاء مؤتمر «جنيف 2» في ظل تعقيدات الصراع في سوريا وحولها، وكان هدف المؤتمر فتح بوابة لحل سياسي للقضية السورية، كما هو معروف. غير أن هدفا كهذا كان بعيد المنال وصعب التحقق، والسبب الرئيس معارضة نظام الأسد لفكرة الحل السياسي، وهو سلوك تكرس منذ اندلاع الأحداث في سوريا قبل نحو ثلاث سنوات، برفض النظام كل محاولات الحل المحلية والإقليمية والدولية وآخرها «جنيف 2»، وإصراره على المضي في مشروع الحل الأمني العسكري الذي يواصله اليوم.
وإذا كانت المعارضة السورية أكدت ميلها إلى الحل السياسي عبر المشاركة في «جنيف 2»، وهو ما تجسد عمليا في طروحاتها وسلوكياتها في المؤتمر والمتوافقة مع محتوياته الأساسية وخاصة لجهة إنشاء هيئة حكم انتقالي بكامل الصلاحيات وتنفيذ «جنيف 1».. فإن النظام كرّس العكس في الطروحات وفي الممارسات التي جسدها ساعيا إلى أخذ المؤتمر إلى غايات أخرى منها البحث في موضوع الإرهاب، عاملا على كسب الوقت في حربه على السوريين لإخضاعهم، وسط ضعف في مستوى الأداء الدولي والأممي بما في ذلك أداء رعاة «جنيف 2».
إن رفض النظام الانخراط في عملية سياسية تعالج القضية السورية في جوهرها، يمثل سببا رئيسا في فشل «جنيف 2»، كما أن ضعف الموقف الدولي في التعامل مع سياسات ومواقف نظام الأسد ومع مجمل القضية السورية ومجرياتها، هو سبب آخر، وكان التخلي الروسي عن التزامه بمحتويات «جنيف 2» وهدفه، يمثل السبب الثالث في عوامل فشل «جنيف 2».
ومما لا شك فيه، أن فشل «جنيف 2» في فتح بوابة لحل سياسي في سوريا، أعطى ويعطي دفعة من الزخم لقوى التطرف الديني والقومي التي ستذهب في موازاة تطرف وتشدد النظام ودمويته المتصاعدة، مما يساعد في تعميم عمليات القتل وتوسيع رقعة الدمار، ويزيد في أعداد المشردين والمهجرين واللاجئين، وهذا ما تؤكده الوقائع الراهنة في سوريا، والتي من بين أبرزها توضيح الاختلاف بين القوى المنتمية للثورة من الناحيتين السياسية والعسكرية، وقوى التطرف الديني والقومي، وهو أمر لا يظهر فقط في التجاذبات السياسية - العسكرية، التي صارت مكرسة في تشكيلات تخص كل طرف، وإنما أيضا في إعلان الافتراق والاختلاف السياسي حول هدف كل منهما، حيث قوى الثورة تسعى من أجل دولة ديمقراطية توفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، بينما تسعى قوى التطرف الديني إلى دولة دينية بملامح متعددة تدور ملامحها قريبا من فكرة تنظيم القاعدة عن الدولة الإسلامية، وقد أدت التجاذبات ولا تزال إلى تصادم سياسي ومواجهات عسكرية كثيرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، بالتزامن مع حرب يشنها نظام الأسد في كل المناطق السورية.
إن استمرار الصراع السوري في نتائجه المحلية التي وصلت إلى عمق الكارثة، وفي نتائجه الإقليمية والدولية، والتي أخذت ملامحها تتوالى في مشاكل سياسية واقتصادية وأمنية وخاصة في دول الجوار وفي الأبعد منها وصولا إلى العمق الأوروبي، سيكون ذلك بين عوامل تغيير في السياستين الإقليمية والدولية حول القضية السورية، وهو ما يمكن أن يساعد السوريين في إعادة ترتيب وحدة صفوفهم وأوضاعهم السياسية والعسكرية، واستعادة روح الثورة في الحرب ضد نظام محمول على قوة التدخل الخارجي وما يقدم إليه من دعم وإسناد، لن يمنع من تداعيه وانهياره لو توفرت جدية دولية وأممية في التعامل معه ومع سياساته وممارساته الدموية، وسوف يقود تعاون سوري تمثله المعارضة بشقيها السياسي والعسكري مع المجتمع الدولي في مواجهة نظام الأسد وجماعات التطرف إلى خلق قوة تغيير قادرة على تغيير النظام وخلق نظام ديمقراطي جديد في سوريا، ولو بالمرور عبر مرحلة انتقالية.
(الشرق الاوسط)