كتب ياسر أبو هلالة: لم يكن أيتام
القذافي بحاجة إلى حادثة اختطاف السفير الأردني فواز العيطان ليترحموا على
نظام الدكتاتور.
فذلك العمل المدان هو حلقة في سلسلة شملت اختطاف رئيس الوزراء الليبي السابق نفسه، واغتيال السفير الأميركي، واختطاف رجال أعمال بغرض الحصول على الفدية. كما أن هذا الاختطاف لن يكون الحادثة الأخيرة في بلد يحتاج سنوات للتخلص من إرث واحدة من أسوأ الدكتاتوريات في العالم.
لقد وقف الأردن إلى جانب الثورة الليبية مثل كل دول العالم الحر، ووفق قرارات الجامعة العربية والشرعية الدولية، ولم يترحم على رحيل نظام نقل بلاده من ملكية دستورية محترمة إلى غابة من
الفوضى والقتل والاختطاف، تعمل على تعميم الفوضى عالميا. ذلك الجنون كلف الشعب الليبي أرواحا غالية، وتريليونات الدولارات التي تبددت في مغامرات عسكرية وأمنية وسياسية، لينتهي القذافي قبل الثورة عليه إلى "ملك ملوك أفريقيا"، وليترقب الليبيون أنجاله الأمراء من بعده ليحكموا أحفادهم.
لقد ثار الليبيون على نظام اختطفهم بالمعنى الحرفي، وأغرقهم في فوضى، وجعلهم نهبا لمليشيات اللجان الشعبية وكتائب القذافي. ومن عاش في هذه البيئة تتحول الفوضى عنده إلى عادة وتقاليد. وبعد الثورة، أثبت الليبيون قدرة عالية على التسامح وإدارة الخلافات بسلمية. حتى من يعمل انقلابا فاشلا لا يُحاسب، ومن يخطف رئيس وزراء كذلك؛ المهم أن لا تراق الدماء.
بعد أربعة عقود من نظام الفوضى، يكون من الظلم للشعب الليبي أن نتوقع منه الأمن والاستقرار في فترة وجيزة. هذا ناهيك عن التجاذبات الدولية والإقليمية التي تُرهق الثورة في محاولتها الصعبة لبناء الدولة والنظام.
ولدى الأردن الكثير ليقدمه إلى
ليبيا في هذه المرحلة الانتقالية. ويسجل للسفير العيطان شجاعته؛ أن عمل في ظروف كهذه، وبدون حماية. إذ لم تكن سيارته مصفحة، ولم يكن معه حارس؛ رفيقه كان السائق المغربي الذي تحدى الخاطفين بقوله: "هل تروننا أميركان"؛ فأطلقوا الرصاص على رجله.
لا أولوية تتقدم على تحرير السفير. ودول عظمى تجري مساومات سياسية تفوق الإفراج عن سجين عليل. الفرنسيون دفعوا في العراق فدية بملايين الدولارات للجيش الإسلامي، والنظام الإيراني بكل جبروته أجبر النظام السوري على الإفراج عن معتقلين يتهمهم النظام بالإرهاب من أجل الإفراج عن الإيرانيين المخطوفين في سورية.
وكثير من تلك الصفقات ظلت طي الكتمان، وليس من مصلحة أي طرف الحديث عنها.
سيخرج، بإذن الله، السفير فواز العيطان قريبا، لكن ليبيا لن تخرج من الفوضى قريبا. تحتاج كثيرا من الجهد والصبر والمساعدة. وقد قال الثوار يوما إنهم لا يهتفون لإسقاط النظام، لأنه لا يوجد نظام.
في تجربة الفوضى الانتقالية، أفرج عن المخطوفين في فترة وجيزة، لكن في نظام الفوضى لم يعثر على أثر لمن خطفهم القذافي من ليبيين وعرب.