كتب إبراهيم قرة غل: نفّذت
تركيا عملية عسكرية استخباراتية لافتة أمس؛ إذ قام فريق يضم عناصر من القوات الخاصة، وجهاز الاستخبارات، بعملية انطلقت حوالي الساعة الحادية عشرة ليلا، واستغرقت تسع ساعات، ونقل من خلالها رفات "
سليمان شاه" من ضريحه إلى تركيا، على أن يدفن في مكان أكثر أمنا ضمن
سوريا مجددا.
اليوم ستتضح تفاصيل العملية، وستدور نقاشات واسعة حول الأسباب، والهواجس الكامنة وراء العملية، وما الذي دفع أنقرة للشعور بالحاجة إلى القيام بها، وحول الاحتمالات المتوقعة أو التي لم نستطع توقعها.
استهداف ضريح سليمان شاه. . هناك شركاء لهم في الداخل
عملت بعض الأوساط داخل تركيا، لا سيما في حزب الشعب الجمهوري، مؤخرًا، على الترويج لشائعات تقول إن ضريح "سليمان شاه" سيتعرض لهجوم، سيما أن الضريح يحمل أهمية خاصة لتركيا.
لقد كانت تحاك مكيدة، وبعض الأوساط على دراية بذلك، وربما كان هناك تعاون، فبعض الجهات، من داخل تركيا وخارجها، كانت تستعد لتنفيذ خطة عبر
تنظيم الدولة، أو الإيهام بأن التنظيم قام بذلك.
وفي هذا الإطار كانوا يخططون لاستغلال قضية الضريح من أجل إثارة الرأي العام التركي، قبيل الانتخابات العامة المرتقبة، أكثر من لفت الأنظار إلى التهديد الذي يشكله داعش.
لقد وصلت الادعاءات التي يروج لها حزب الشعب الجمهوري، وبعض الأوساط في الداخل، إلى حد إزعاج الشارع التركي، وجاءت العملية عقب الشائعات القائلة بأن داعش سيهاجم الضريح، وأن تركيا باتت عاجزة عن تبديل عساكرها المكلفين بحماية الضريح.
إن المنطقة بأسرها تشهد تغيرات خطيرة بارزة، كنت لفتُّ الانتباه إليها في مقالاتي الأخيرة، هناك مخطط يجري تنفيذه عبر داعش ومنظمات أخرى، لا يقتصر على العراق وسوريا، بل يشمل المنطقة الممتدة حتى ليبيا، وهذا المخطط قد يفضي إلى هزات في القريب العاجل، لأن هناك سيناريو يستهدف إيقاع الدول في الفخ، عبر استغلال منظمات، وهذا السيناريو لا يعد علامة خير على الإطلاق.
مساعٍ لإيقاع تركيا في الفخ
هناك احتمال آخر في هذا الإطار، يتمثل في الاحتمال المتزايد للقيام بعملية واسعة ضد داعش الذي أخذ يطال تأثيره الأردن، ومصر، وليبيا، ويكتسب بعدًا إقليميًا، وفي مثل هذه الحالة فإن أول اعتداء لداعش ضد تركيا، التي من الوراد مشاركتها في التحالف، كان سيطال ضريح "سليمان شاه"، ما يعني التضحية بجنودنا الموجودين هناك.
كما أن بعض المصادر تتحدث منذ فترة عن استعداد التنظيم لشن هجمات داخل تركيا، ومن المحتمل جدًا توجيه هذا التنظيم -المخترق من قبل الاستخبارات الأجنبية- ضد تركيا.
إن احتمالات الاعتداء على الضريح، وتنفيذ هجمات داخل تركيا، ربما دفع أنقرة للقيام بالعملية، والشيء الملفت للنظر أكثر، أن العملية جرت بالتعاون مع الأكراد، ورغم الأهمية الكبيرة لهذا التعاون في العملية الأخيرة، فإن داعش قد يستخدم ذلك التعاون ذريعةً لاستهداف تركيا.
زج تركيا في حرب مع داعش
في الثامن عشر من الشهر الجاري كتبت مقالًا بعنوان "داعش ربما يهاجم تركيا"، وسلطت الضوء على الخطر، وفق نظريتي، فإن الهدف الأول لداعش كان الشيعة، لقد تحرك عناصر التنظيم ضد التأثير الإيراني في سوريا والعراق، عبر استخدام المذهب السني، وفجأة تغيرت الاستراتيجية، وجرى توجيه التنظيم ضد الأكراد السنة، هذا كان أمرًا محيرًا، وحتى الآن لم أصادف تفسيرًا سليمًا له.
وعقب ذلك تم توجيه التنظيم لحرق الطيار الأردني بصورة وحشية، لتحريض الأردن، الذي أعلن الحرب على داعش، إلا أنه أُوقع في الفخ، وإثر ذلك مباشرة، بث التنظيم مشاهد تصفية 21 مصريًا قبطيًا على يد مقاتليه، وردت الطائرات المصرية الحربية بمهاجمة بعض المواقع في ليبيا، وانجرّت القاهرة إلى الصراع مع داعش، وكانت مصر في الحقيقة جزءًا من السيناريو الرامي لخلق عدم الاستقرار في الدول عبر استغلال التنظيمات.
تلك الأوساط هي من نصب الفخ وليس داعش
كان من الوارد تحديد تركيا هدفا جديدا للتنظيم، مثلما جرى توجيهه للحرب مع الأكراد فجأة، إن عملية الأحد، كانت لإحباط هذه المخططات كافة، وإخراج ضريح "سليمان شاه" من دائرة الخطر، وإفشال الفخ المنصوب لتركيا.
لقد أحبطت تركيا مؤامرة كبيرة، ليست لتنظيم داعش، إنما مؤامرة أجهزة المخابرات الأجنبية المخترقة للتنظيم، الساعية لضرب الضريح عبر التنظيم، وجر تركيا إلى مصيبة كبيرة.
(عن صيحفة "يني شفق" التركية، ترجمة وكالة الأناضول 22 شباط/ فبراير 2015)