أكد
العاهل الأردني عبد الله الثاني في كلمة له بثت على التلفزيون الرسمي أن قوة الأردن ودوره المحوري في المنطقة ليس صدفة، وأنه من صنع أيادي الأردنيين، التي وضعت الأردن على خارطة التميّز والإنجاز، ورفعت راية الأردن عالياً في مختلف الميادين، على حد قوله.
وأضاف الملك خلال خطاب له وجهه للأسرة الأردنية أن الأردن يطمح اليوم لبناء المستقبل الذي نطمح إليه، وليس المستقبل الظلامي الذي يسعى لفرضه من يمارس الإجرام باسم الإسلام.
وقال الملك إن الأردنيين ووعيهم هو صمام الأمان وخط الدفاع الأول لهذا الوطن.
وفيما يلي نص الخطاب:
أتحدث إليكم اليوم وأنا أعلـم وأشعر بكـل واحد منكم. أشعـر بهمومكم ومخاوفكـم، وبآمالكم وطموحاتكم، وأحلامكم بالمستقبل، في ظل أحداث غير مسبوقة تمر بها منطقتنا العربية في تاريخنا المعاصر.
فنحن نقف اليوم أمام الـمستقبل الذي نطمح إليه ونستحقه. الـمستقبل الذي نختاره ونبنيه للأردن بأنفسنا، وليس المستقبل الظلامي الذي يسعى لفرضه من يمارس الإجرام، ويدّعي الإسلام، من يمارس الإرهاب، ويدعي الإيمان. فالإسلام ليس أطيافاً وألواناً أو تطرفاً واعتدالاً. الإسلام الجامع هو دين الحق والسلام.
وأما من خرج وقَتَل وعذَّب وانتهك الحرمات، فأولئك أعداء الإسلام، والإسلام منهم براء.
إن ما فرضته السنوات القليلة الماضية على منطقتنا من تحولات تاريخية، وتحدياتٍ تواجه العالم بأكمله اليوم، تضع الإنسانية كلها أمام امتحانها الأصعب. وأنتم أيها الأردنيون والأردنيات، بعقولكم المستنيـرة، ووعيكم الرافض لأن يكون أبناؤكم وبناتكم وقوداً للأطماع والظلام والأجندات التي لا تمثل إنسانيتكم، أنتم صمّام الأمان، وخط الدفاع الأول لهذا الوطن.
فأطياف الوطن كلها ملتفة حوله، تلبي النداء، مسلمون ومسيحيون، مواطنون من شتى المنابت والأصول، نعيش حياتنا معاً، مجتمعاً متآخياً ومتراحماً مثل العشيرة الواحدة، نبني مستقبلنا بتحصين أجيالنا بفكرٍ حضاري مستنير ضد الانغلاق والتعصب، وتسليحهم بقيم المواطنة والمبادرة والطموح والتميز وحب العمل والإنجاز ونبذ مظاهر العنف، التي تجافي قيمنا وأخلاقنا وكل ما يمثلنا، فجوهر عقيدتنا قدسية الحياة، واحترام الذات والغير.
وأؤكد لكم أن الأردن قوي وصامد بثبات على مر العقود في وجه كل من راهن على سقوطه.
وأثبت الأردن أنه أقوى وأكبر من كل ضعاف النفوس، الذين يتربصون بالوطن، أي فرصة للهجوم عليه، أو النيل منه بشتى الوسائل والسبل. وفي كل مرة كنّا على المحك، خرجنا أقوى. واليوم بالذات نحن أقوى من أي وقتٍ مضى.
وعند المِحَن تظهر أصالة المعادن. ومعدن الأردنييـن هو الأصفى والأبقى والأغلى، ينصهر ويتحد في أتون الأزمات.
إخواني وأخواتي، إن قوتنا ودورنا الـمحوري في المنطقة والعالم ليس صدفة، بل هو من صنع الأيدي الأردنية المثابرة المبدعة، التي وضعت الأردن على خارطة التميّز والإنجاز، ورفعت راية الأردن عالياً في مختلف الميادين. لهذا نقف اليوم أقوياء بوحدتنا في محيطٍ يموج بالصراعات والنزاعات الطائفية والعرقية، وفوق كل ذلك الإرهاب. وينعم الأردن بمنجزات الأمن والأمان، أساس الحياة، ولا مساومة ولا تساهل في ذلك. فسيادة القانون عماد الدولة الآمنة.
الدولة التي نعيش فيها بكرامة متساوين في الحقوق والواجبات، والكل فيها مسؤول، مواطنون ومؤسسات. فنحن أردنيون، وجيشنا عربي منذ أن وجد. نفاخر بأننا حملنا العروبة أمانةً وانتماءً، جيشاً وشعباً، ولم نهن يوماً، رغم ثقل ما نتحمل. نحن لا نشكو، بل نفاخر.
فالأردن "أرض العزم، وحدّ سيفه ما نبا"، حمل راية الثورة العربية الكبرى، كما حمل شرف مسؤولية حماية القدس ومقدساتها، وقضايا الأمة والإنسانية، وقيم التسامح والوسطية. وشهداؤنا يشهد لهم التاريخ أنهم قضوا في سبيل الله دفاعاً عن رسالة الإسلام، وثرى الأردن، وكرامة شعبه، وحلقوا عالياً رموزاً لكل أردني.
لذا، يحق لكم أيها الأردنيون والأردنيات أن تفاخروا بوطنكم، أن تفاخروا بأنفسكم وإنجازاتكم. فمن كان له هذا التاريخ المشرف، والـحاضر الواثق، والغد الواعد، يحق له أن يفخر به. ولكن لا تنسوا يوماً أن التفاخر هو بالعمل وليس بالقول، وهو إنجازٌ وعملٌ جماعي. إن بناء مجتمعٍ متميز يقتضي الإيمان بقدراتنا، فالإنجازات الإنسانية جميعها بدأت بأحلام، وتحققت بطموح وعزم أصحابها، وإيمانهم بأفكارهم وإخلاصهم ومثابرتهم.
فالنجاح يُبنى برعاية المواهب والقدرات، وتَبنِّـي الأفكار الواعدة، ودعم المشاريع الريادية، واحترام المثابرة، وتخطي الفشل. ونحن ماضون معاً. ماضون رغم كل التحديات لتعزيز مسيرتنا الديموقراطية، وتنمية مجتمعاتنا. ماضون في تعميق المواطنة الفاعلة على أساس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص. فهذه هي المبادئ الراسخة في الضمير الأردني.
إخواني وأخواتي، أتحدث إليكم وأعرف أن الأجيال من شعبنا الأردني يستمعون إلـيّ. منهم أجدادٌ وضعوا الأسس ورسخوا قواعد البناء، وآباءٌ وأمهاتٌ حملوا رايات التحديث، وما زالوا يعملون لتبقى رايات الوطن خفاقةً شامخة، ومنهم أيضاً شباب هم أمل الأردن، وبعلمهم وطموحهم ووطنيتهم التي تسبق كل الاعتبارات، مستقبلنا بخير والأردن بستاهل كل الخير. ولذلك، لكل أردني وأردنية أقول: ارفع راسك.
ارفع راسك بكل شابة وشاب يحقق نجاحاً يتوج جبينـه كل صباحٍ ومساء، وبكل طفـلٍ يتعلم كلمة، وكل معلم يؤدي أنبل رسالة.
ارفع راسك بكل أردنية وأردني مثابر مؤمن بعمله، أميـنٍ على وطنه.
ارفع راسك بعمّان، عاصمتك التي ضمت أبناء البلد الواحد، وجمعت أحرار العرب، فصارت موئلاً ومقصداً لكل العرب.
ارفع راسك، فقد رفعت راية الأردن في كل محافظة ومدينة وقرية وبادية ومخيم، احتضنت الملهوفين والمظلومين، وكانت الحمى لهم، وشاركتهم كل ما لديها حين ضاقت عليهم أوطانهم، وتركوها رغماً عنهم.
ارفع راسك، لأنك رفعت راية الأردن في ميادين العمل الإنساني في أرجاء العالم المنكوبة. ارفع راسك لأن في قلبك نسرٌ يا أيها الأردني الباسل، تتحمل المسؤولية، وتضحي وقلبك دائماً على وطنك وأمتك.
ارفع راسك، لأن في كل أسرة أردنية معاذ نفاخر به. ارفع راسك، لأن العالم كله يقف احتراماً لك فقد بنيت هذا البلد بيديك، وكتبت مجده وتاريخه ليكون عنواناً ناصعاً لأمتنا، وليكون صرحاً في الإنجاز أمام العالم كله.
والأهم أن ترفع راسك لاستشراف المستقبل الذي يجسد طموحاتنا الكبيرة. وبإمكاننا أن نحقق ما هو أعظم بكثير. ففي كل طفلٍ وشابة وجندي وأم وعائلة وحيٍّ ومدينة قدراتٌ بإمكانها أن تحقق لهذا الوطن ما لم يحلم به أحد. فالأردنيون والأردنيات حدودهم السماء. وما كان قدر هذا البلد يوماً إلا أن يكون بدايةً لما هو أعظم.