لوح أبيض بسيط وأقلام حبر قابل للمحو كما في أي صف مدرسي أو اجتماع.. تلك كانت الأسلحة السرية للمفاوضين
الإيرانيين والأمريكيين للتوصل إلى اتفاق إطار حول الملف النووي.
فبعد عام ونصف العام من المفاوضات المكثفة وعمل شاق استمر ثمانية أيام بلياليها، خرجت مجموعة الدول الست الكبرى وطهران برعاية الاتحاد الأوروبي، بوثيقة مرحلية تحدد "معايير" لتسوية مشكلة الملف النووي الإيراني. وهذه الوثيقة تحدد ملامح ما يفترض أن يكون عليه النص النهائي الذي يفترض أن يوقع بحلول 30 حزيران/ يونيو.
لكن وكما يحدث في كل مفاوضات بالغة الحساسية، كان الجانب الأمريكي بقيادة وزير الخارجية جون كيري ومديرته السياسية ويندي شيرمان، يخشيان حتى اللحظة الأخيرة أن ينهار كل شيء قبيل بلوغ النهاية.
وخلال الليالي الأخيرة التي شهدت مفاوضات مكثفة، استعدت طائرة جون كيري التي كانت تنتظر في جنيف، ثلاث مرات لإعادة الوفد الأمريكي إلى واشنطن غاضبا.
وقال دبلوماسي أمريكي روى للصحافيين اللحظات الأخيرة من المفاوضات التي جرت في جلسات مغلقة: "الأمر أشبه بلعبة الجبال الروسية من صعود وهبوط. كنا نقترب من الهدف ثم نرحل بعيدا، ثم نتوقف".
وبدون أن يدخل في التفاصيل، اعترف كيري الخميس لشبكة "سي أن أن" بأن "الأمر كان صعبا جدا ومركزا جدا، وفي بعض الأحيان ساد الانفعال وحتى العدوانية".
لكن في اليومين الأخيرين شعر الأمريكيون أن معالم الاتفاق ترتسم. وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية: "أصبحنا نعرف أنه لدينا القطع. لكن تجميعها قضية أخرى".
وويندي شيرمان التي تشرف بدقة على ملف النووي الإيراني الشائك، هي صاحبة فكرة اللوح الأبيض وأقلام الحبر القابل للمحو، لتجسيد ما سمته "مكعب روبيك" الذي يجب حله.
ففي فندق "بوريفاج" في "
لوزان"، كان اللوح الأبيض يتبعها على عجلاته الصغيرة من غرفة إلى غرفة حيث كانت تجري مفاوضات شاقة مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف. وقال الدبلوماسي الأمريكي: "كان يجب التأكد أننا كنا نرى الأمور بشكل واحد نحن والإيرانيون".
وأضاف أن فكرة اللوح أثارت إعجاب الإيرانيين "لأنه لو فعلنا ذلك على الورق لكان يجب نقل الوثائق إلى طهران". ومع ذلك، فقد نقل كيري لنفسه نسخة على ورق لتقدم المفاوضات.
وتابع الدبلوماسي بأن حالة هلع سادت في صفوف الوفود عندما استخدم أحد المفاوضين قلم حبر غير قابل للمحو، لخط حسابات تندرج في إطار السرية الدفاعية. وقد احتاج الأمر إلى عملية فرك شاقة لإزالة كل المعطيات السرية.
وحدث الاختراق ليل الأربعاء الخميس، وكانت ليلة طويلة لكل من كيري وظريف اللذين تحادثا من الساعة 21:00 إلى الساعة السادسة صباحا. وتوصل مفاوضو البلدين إلى حلول وسط.
وبحسب الصيغة الأمريكية للاتفاق الإطار، تتعهد إيران بخفض عدد أجهزة الطرد المركزي التي تسمح بتخصيب اليورانيوم، وتحتفظ بستة آلاف مقابل 19 ألفا حاليا بينها عشرة يتم تشغيلها. وسيتم التخلص من كل مخزون اليورانيوم المخصب الذي تملكه إيران تقريبا (98 بالمئة).
أما مفاعل أراك للمياه الثقيلة الذي يثير قلق الغربيين، فسيعاد تحديد وظيفته بشكل تسمح بتوقفه عن إنتاج البلوتونيوم المادة الأخرى التي تسمح بإنتاج قنبلة، وسيخضع لعمليات تفتيش صارمة تقوم بها الأمم المتحدة، وفق الصيغة الأمريكية.
أما الأمريكيون فقد وافقوا على الإبقاء على ألف جهاز للطرد المركزي في موقع فوردو، مع أنه لن يبقى فيه مواد انشطارية لمدة 15 عاما على الأقل.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: "قبلنا بأمور صعبة بالنسبة لنا. مجرد وجود جهاز واحد للطرد المركزي في فوردو أمر صعب".
وبعد التوصل إلى الاتفاق، كان يجب التفاهم على طريقة إعلانه للعالم.
وتم الاتفاق على أن يقدم ظريف ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إعلانا مقتضبا ومشتركا، ثم يعقد كل من ظريف وكيري مؤتمرا صحافيا خاصا به.
وبعد ذلك نشرت وزارة الخارجية الأمريكية بسرعة صيغتها "لمعايير" الاتفاق في أربع صفحات. ولاحظ الصحافيون على الفور الفروق بين النصين اللذين قال الدبلوماسي الأمريكي إنهما "لا يتعارضان".