نفذ
تنظيم الدولة في الأيام الماضية سلسلة
إعدامات بحق شباب محافظة
دير الزور، وكانت المفاجأة بتوزعها على كافة مدن المحافظة، فمن صبيخان إلى العشارة، وليس انتهاء بالميادين، وبتنوع التهم، وبكثرة من نفذت بحقهم الأحكام، حتى وصل العدد لما يقارب 60 شخصا، وفق ناشطين.
ووجّه التنظيم تهما مختلفة لمن نفذت بحقهم الإعدامات، إذ تنوعت "جرائمهم"، حسبما يقول التنظيم، بين العمالة للنظام السوري، والردة والكفر، والعمل لصالح ما يسميهم التنظيم "الصحوات" كخلايا نائمة.
ويقول أبو قتادة، من تنظيم الدولة، "إنّ من نفذت بحقهم أحكام الإعدام نالوا جزاءهم العادل جراء خيانتهم وعمالتهم للنظام النصيري الكافر، ولم تنفذ الأحكام إلا بعد ثبوت التهم، وعرضهم على القاضي الذي أصدر حكم الله فيهم"، حسب قوله.
وممن لحقتهم تهم العمالة مصور للحفلات والأعراس في الميادين، اتهم بتصوير مقرات التنظيم لصالح جهات خارجية.
وممن أعدم بتهمة الردة والكفر، طه العلي، مدير حقل توينان للغاز، الذي نفذ فيه حكم الإعدام أمام العاملين. ورفض التنظيم تسليم جثته لذويه، بدعوى أنه لا يحل دفنه في مقابر المسلمين، علما أن الرجل اعتقل منذ ثلاثة شهور، ولم تعرف التهمة الموجهة إليه إلا يوم تنفيذ الحكم.
وتبرز الإعدامات بحق ما تسمى "الصحوات" كظاهرة جديدة في
سوريا، وهي تسمية يطلقها التنظيم على الثوار السوريين والمعارضين لسياسته. وقد أعدم التنظيم عددا من المتهمين بالانتماء لهذه المجموعات في مدينتي دير الزور والميادين.
يقول أبو عبد الله، من تنظيم الدولة: "كانت الدولة الإسلامية متسامحة مع الصحوات، وتركت لهم باب التوبة مشرعا، وقدم كثير منهم توبتهم، لكنهم نكثوا العهد، فكان السيف"، وفق قوله.
لكن ناشطين في المدينة وشهادات أهالي المدينة تفند ما يردده التنظيم، ويصفونه بأنه "محض افتراءات وأكاذيب".
ويقول الناشط أبو أحمد الحلبي: "من خبث التنظيم أنه ضمّ إعدام الأحرار لإعدام أشخاص ثبتت عمالتهم للنظام، ليوحي أنَّه على حق، لكن الأهالي يعرفون تفاصيل التفاصيل".
ويرجع الثوار أحكام الإعدام لدافع الانتقام، إذ تصاعدت مؤخرا عمليات المقاومة النوعيّة في دير الزور، فكانت ردة فعل التنظيم دموية. ويُدرج آخرون عمليات الإعدام في إطار خطة أمنية استباقية.
يقول عمر، أحد ناشطي مدينة دير الزور: "عقب ما سرب عن جيش الجبهة الشرقية، ووجود خلايا تابعة له بالداخل، قام التنظيم بإعدام من يشك بقيامهم بهذا الدور. فأعدم عددا من الثوار، رغم قبوله استتابتهم سابقا".
يذكر أنّ من وجهت لهم تهمة الصحوات في مدينة الميادين كانوا سابقا ضمن كتيبة المهام الخاصة في الجيش الحر، ويشهد لهم بحسن الخلق والبلاء الحسن ضد النظام السوري.
ويرى الشيخ نواف البشير، شيخ عشيرة البقارة، أن عمليات الإعدام الكثيرة تعود أيضا للحالة الهيستيرية التي أصابت أمراء التنظيم، عقب نجاح عملية الإنزال الأمريكي التي قُتل فيها أبو سياف وأسرت زوجته في حقل العمر، ما أظهر ضعف التنظيم وهشاشته.
لكن يرى التنظيم في المقابل أنّ العملية ما كانت لتنجح لولا وجود أنصار على الأرض.
ويؤكد الشيخ نواف البشير، لـ"عربي21"، أنّ الإعدامات ردة فعل لإعادة هيبتهم، ولإرهاب الناس حتى تلتزم بيوتها.
ويتابع: "لا يوجد سبب وجيه للإعدامات، فأحدهم أعدم لأنهم وجدوا في هاتفه صورة أخ له في الجيش الحر، وأغلب الإعدامات بمثل هذه القضايا".
ويرى آخرون أنّ للإعدامات أبعادا استراتيجية مستقبلية ذات أثر نفسي في المجتمع. فصدم المجتمع بإعدام العشرات خلال أسبوع، بالتزامن مع معارك تدمر والرمادي، سيخلق حالة من الإحباط واليأس لدى الشارع، كما يمكن أن تكون استعدادا مستقبليا لأي تصرف يقوم به التنظيم.
لكن الشيخ نواف يرى أن الإعدامات لن تؤتي أُكلها. ويقول لـ"عربي21" إنه على عكس ما يعتقد التنظيم، "فالدم يجلب الدم، كما زاد حجم الحقد على التنظيم، وزاد استعداد الشباب لقتاله".
وقد هزت هذه الإعدامات دير الزور، ولا سيما أنها ترافقت مع سلوكيات تدل على كره تجاه الأهالي، كقصة الإعدام التي حدثت في حوايج ذياب، حيث قام أحد عناصر التنظيم بتهديد أم عجوز بقتلها، وقام بركلها بقدمه عندما توسلت إليهم ألا يعدموا ابنها، وذكرتهم بأفعاله الطيبة وسيرته الحميدة. لكن توسلات الأم لم تنفع، فتم قطع رأسه، ليتردد صدى كلمات الأم: "حسبي الله عليكم، يا ويلكم من الله".
وتأبى ذاكرة المجتمع النسيان، كما يقول المدرس علي من دير الزور، "فهذه الإعدامات ليست أرقاماً، فلكل منهم أم وزوجة وأولاد. إنها مأساة أمّة".
ويضيف أن الشارع الديري يردد "قصص الإعدامات وما رافقها بألم وغضب شديدين، ومن ذلك موت أم علي وأحمد المكيّش بنوبة قلبية بعد إعدام ولديها. ومما زاد الغضب، صلب الجثتين أياما في الساحات والدوارات الرئيسية، رغم حرارة الطقس، ولا سيما في دير الزور".
ويخشى الأهالي حاليا من موجة إعدامات جديدة، لأنّ هناك أعدادا كبيرة من المعتقلين في سجون التنظيم، ومعظم من تم إعدامهم كانوا سجناء بتهم مشابهة.
يقول الأربعيني أبو حسان من دير الزور: "الخوف من أن يكون هؤلاء الشباب قرابين جديدة على مذابح أزمات داعش وأمراضها، فهناك الكثير من المعارك الضارية تنظر التنظيم، ونخشى أن يكون أبناؤنا الضحية".
ويصعب في ظل التكتيم الإعلامي تأكيد روايات الأطراف أو نفيها، لكن لا يمكن نفي أنّ إعدامات حصلت وبالعشرات، وبأن جثثهم علقت وصلبت في ساحات مدن المحافظة ومناطقها وقراها.