ليس من عاداتي ولا من منهجي، ولا أحب أن يُكتبَ في صحفية أعمالي، بخاصة تلك التي أريد بها وجه الله تعالى، إني أدعو على أحد لكنني لما رأيتُ صورة ابنتي الحبيبة البطلة "
إسراء الطويل" الاثنين الماضي فعلتُها ودعوتُ على قاضيّها، خاصة وهي تبكي بالدمع المرير لقرار "محكمة جنايات الجيزة المنعقدة بمعهد أمناء بطرة برئاسة المستشار معتز خفاجى، تجديد حبسها، في القضية رقم 485 لسنة 2014 أمن دولة عليا، على خلفية اتهامها الانضمام لجماعة إرهابية، أسست على خلاف القانون، وبث أخبار كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام 45 يوما على ذمة التحقيقات"..
لما قرأتُ هذه الخبر في إحدى الصحف الانقلابية.. ثم لما رأيتُ صورة البطلة الصامدة في لحظة انفلات وجدان نادرة، بكتْ الثائرة المناضلة بقسوة، إذ إنه من الواضح أن أملا كبيرا كان مختزلا في داخلها في أن "يسترجل" القاضي ويكتفي بما سبق من شهور حبسها، وينظر إلى شبه عجز قدميّها إذ إنها تسير على عكازين، ولها قصة مع ما يُشبه الشلل، وهي في النهاية فتاة قالت لأختها في أول زيارة لها في السجن:
ـ اتصرفوا عاوزه أخرج من هنا.. أنا هاموت هنا كده..!
وتطول مدة الحبس بالفتاة وبقصتها الإنسانية إذ إنها مصابة بطلق ناري في ميدان مصطفى محمود يوم 25 من يناير 2014م، وهو ما سبب لها مضاعفات أودت بها إلى الكرسي التحرك، ولكنها إذ تماثلتْ للتعافي اتجهتْ إلى ركوب خيل مع اثنين من أصدقائها على كورنيش المعادي مساء يوم الأول من يونيو 2015م..
وبالمناسبة أخطأتْ الجريدة الانقلابية فالقضية لهذا العام وليس العام الماضي، وهل هؤلاء يهتمون بقيمة لتاريخ إذا انعدمتْ الإنسانية؟ أما الفتاة فكانت مع اثنين من الشباب يسيرون في النور.. ولكن ليس من الممكن أن تكون منتمية بحال من الأحوال إلى جماعة الإخوان المسلمين، إذ إنها مع التأكيد على نقائها.. من المستحيل أن تكون منهم، وفتياتهم .. مع الاحترام للجميع.. لا يركبن الخيل أو يتناولن العشاء مع آخرين غرباء، المهم إنها بعيدة كل البعد عن الجماعة التي يراها الانقلاب إرهابية وهي التي فازت في خمس استحقاقات انتخابية منذ ثورة، أو الأمل الذي كان مرهونا بثورة في سنة 2011م، كما إن جمالها البريء وملامحها القريبة من نفس كل شريف وشريفة لا تخبر بأنها أهل لأدنى شر.. لا لتكدير السلم العام في الدولة.. وقلب نظام حكمها..
و"إسراء" ليست الأولى أو الأخيرة المسجونة في سجون الانقلاب ..وعددهن بالتحديد ليس معروفا إذ إن إسراء نفسها تم اختطافها.. وبقيتْ مخبأة لدى الانقلابيين لمدة 18 يوما.. ولولا أن بعض أهالي المعتقلين أبلغوا أهلها بمكانها في سجن القناطر ما عرفوا بعرضها على نيابة أمن الدولة بالتجمع الخامس ولا عرفنا بمأساتها..
وإسراء مثلها مثل العشرات وربما أكثر من المئات المُحتجزات بلا ذنب ولا جريمة إلا مقاومة الانقلاب برقي وسلميّة، ولكن منذ متى يا
مصر والفتيات.. البنات يتم احتجازهن لشهور..؟
وكيف ينام القاضي السابق الذكر.. الذي لا يستحق مجرد ذكر اسمه.. كيف ينام في فراشه؟.. وقد سجن فتاة من سن حفيداته.. وهي مصابة تسير على عكازين؟ وماذا يظن إنه سيقول لله غدا؟
وغد مثله قريب، أو لم يقل صلى الله عليه وسلم: من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار، والمستشار قد بلغ الستين على الأقل!
جريدة انقلابية أخرى تقول إن محامي "إسراء" قال إنها أُصيبتْ بالصدمة لعرضها على دائرة الإرهاب بسجن طرة، والجريدة "المسمومة" تعرض الكلمات في عنوانها وتُسوُّقه على مواقع "التواصل الاجتماعي" بنوع من السخرية منها، وكأن عرض فتاة على دائرة الإرهاب أمر عادي.. وهكذا يضيع في بلدنا مجرد الشعور بالإنسان..
تبكي "إسراء" بقسوة.. أفلم يرق قلب أحد من السجانين من حولها؟ أو لم يستح واحد منهم على دمه ؟ وهو يسجن فتاة لا تملك دفاعا عن نفسها وتبكي لقهر دولة لها، وهل في الدنيا دولة اليوم تتحدى فتاة؟ ألا رحم الله أيام الرئيس "محمد مرسي"، وعفا عنه وفك أسره:
ـ أنا عاوز أحافظ على البنات..!
لماذا البنات؟
هل يشعر الانقلابيون بانتعاش الحياة عندما يخيفون الشرفاء بحبس بناتهم؟ أم أن للأمر ذيولا من شعور بالاستئساد على الضعفاء؟ من رأى "إسراء" وهي تبكي ولم يبكِ قلبه فليراجع نفسه: هل ما يزال إنسانا أم ماتت بداخله البشرية منذ عهد سيدنا آدم حتى اليوم؟ فما بالنا بأشباه الرجال الذين يحيطون بها..
بقي أمران الحقيقة:
ليست صورة إسراء "23عاما" مادة للتندر على "فيسبوك" و"تويتر" وغيرهما على الدولة التي تتحدى فتياتها أمهات المستقبل.. إنما الأمر أكثر من جاد بخاصة من طرف أنصار الشرعية، وتناقلها على ما تبقى من شاشاتهم..
أما الأمر الثاني فإن فكرة صمود المعتقلين التي يرددها السادة من دعاة الشرعية ويمضغونها ليل نهار لابد من بحث عن حل لها .. فإن دموع إسراء لابد أن يكون لقلوبهم منها نصيب.. جففوا دموعها.. واعتبروها واحدة من بناتكم.. يرحمكم الله..!