لا يمكن مقارنة أثر خطابات السيد
حسن نصر الله في الأعوام الخمس الأخيرة وأثرها بالشارع العربي، مع السنوات التي سبقت الحرب السورية، والتي شقته إلى شقين متنافرين، أو على مستوى التوجهات التي حددت مجرياتها سياسيا وأمنيا، ومصلحيا، وأود اليوم التوقف أمام بعض النقاط التي طرحها السيد حسن نصر الله في خطاب ليلة العاشر من محرم والتي سبقت إحياء ذكرى عاشوراء، ولا يمكن تقبلها بشكلها المطروح بأي حالة من حالات القبول لدى الاخر.
صحيح أن الإعلام العربي صار منحازا بشكل واضح، ولا يمكن الجمع مثلا بين ما تعرضه أخبار العربية والجزيرة وأورينت مقابل المنار والميادين والعالم، وكل منهما يدعي التقدم وتكبيد الآخر خسائرا كبيرة جدا، إلا أن ثمة حقائق واضحة، لا يمكن تجاوزها، باتت قدرات وخطابات السيد حسن وثقافته الدينية والسياسية غير قادرة على قلب حقيقتها.
فكالعادة، تجمع الآلاف في منطقة الضاحية الجنوبية بالعاصمة بيروت، للاستماع لخطابات السيد حسن نصر الله، والتي كانت تجذب أغلب العرب، قبل الحرب اللبنانية، وتقوقعت اليوم، لإثارة اهتمام مريديه، أو لنقول تأييدها فقط، ولو تتبعنا اغلب خطابات السيد، منذ ثلاثة سنوات، لوجدناها تنحصر في أفكار ومحاور يعاد الحديث عنها وحولها، سيما استعداده للحرب ضد إسرائيل، وسبب حربه في
سوريا والذي يقلب التدخل لدعم نظام مستبد إلى حجج محاربة تكفيريين، ودفاع عن مقدسات، أضيف ذلك حديثا التهجم على الخصم التقليدي سياسيا ومذهبيا المملكة العربية السعودية.
عندما يستمع أي طرف محايد لخطاب السيد حسن نصر الله، لا يجد الرجل يتحدث بثقة وصدق، مثل الماضي، وأقصد الحياد السياسي قبل أن نطلبه من رجل دين، وأن يكون من غير المحسوبين معه ممن يعطونه حالة القداسة الدينية والسياسية، أو الطرف المقابل الذي يشيطن السيد حسن نصر الله ويسقط هذا الطرف خطاب السيد على الواقع السياسي، لنجد ماذا فعلت متغيرات الربيع العربي على زعيم الحزب الذي كان المستمع الصهيوني يثق بخطاباته، أكثر من مسؤولي الدولة المحتلة، واليوم نجد حديثه لا يلتقي والحقيقة، بالرغم أن بإمكانه أن يقول (أننا حزب شيعي نستمد قوتنا من الدعم
الإيراني، نبحث عن مد بكل الدول التي يوجد بها شيعة، وسنحارب من يحاربهم) وهذا سيغنيه عن عشرات الخطب التبريرية.
ثمة نقاط لا يمكن أن نتجاوزها في خطابات السيد حسن نصر الله قد يكون أهمها، حديثه عن الخداع الأمريكي، والعمالة الأمريكية، قافزا عن الحالة العراقية بعد عام 2003، وأن من سار وراء أمريكا كانت الحكومات المدعومة من ولاية الفقيه الإيرانية، وليس محور الاعتدال العربي السني فقط، ثم عرج على أن العالم لم يحتفل بالنصر العراقي على الاحتلال الأمريكي، بالرغم أن من حقق النصر في العراق ضد الاحتلال الأمريكي من يحاربهم اليوم وليس من يناصرهم.
طبعا في حالة مثل السيد حسن نصر الله وحزب الله، والطائفة التي تتبعه، فمن حقهم أن يؤيدوه، ويرددوا (شعار لبيك يا حسين ولبيك يا نصر الله)، دون أي مانع، ضمن مصلحة طائفية وسياسية، ومالية، لكن أن يقول حربه مع التكفيريين، ويلغي كل الفصائل المعارضة المعتدلة وإن اختلفنا على تفسير هذه الكلمة أصلا، منتقلا بنا من حماية مقدسات، إلى حماية حدود لبنان، ثم حماية مصلحة نظام، ثم حرب عالمية، مع التكفيريين.
المحور الأهم أن خطاب حسن نصر الله منحاز إلى امن ومصلحة الطائفة التي ينتمي لها، من خلال تركيزه على مناطق التوتر بها، والانحياز الواضح، وهذا ظاهر لأي متابع، فقد حصر الحق بإيران، ومن ثم نظام بشار الأسد، ثم وجد أن المظلومة العربية تقع للحوثيين وأنهم مستهدفون أمريكيا بل وإسرائيليا، وقفز إلى الصراحة من أن حربه ليست مع داعش والنصرة فقط، بل إلى عموم منتجات الفكر السلفي.
كما أسهب بشرح ذلك في خطابات ليالي عاشوراء من العام الماضي، ليصل هذا العام ليقول صراحة مشكلتنا مع السعودية ويعلي معه الجمهور الحاضر بصوت واحد (الموت لآل سعود)، بينما لا يتحدث حسن نصر الله المقاوم والممانع عن معاناة الإخوان المسلمين في مصر، ولا ينتقد السيسي، وحصاره لغزة، وقتله المئات من الإخوان المسلمين -حلفاء إيران قبل الحرب السورية- وملاحقتهم للسجن والتعذيب، ولا يتحدث عن الضرر الأمريكي في ليبيا، وكيف مزق هذا البلد ثم تركه، وليعود فورا إلى دعم الحشد الشعبي في العراق أيضا لأنه شيعي، ثم يتوقف طويلا ومطولا أمام الثورة التاريخية العظيمة في البحرين لأنها شيعية، قافزا عن أي حدث في بلد سني، ثم يصرخ بأعلى صوته أنه ضد الطائفية.
وهنا نسأل السيد حسن عندما تقول في خطاب عاشوراء أنك تتبع لولاية الفقيه، وتساند تحديدا كل أنظمة التشيع المستبدة، والثورات المتشيعة هنا مع الاستبداد وهناك مع الحرية، والشرط بالطرفين أن يكون من تنتصر له شعبا، ولست معني بأي عمالة لأمريكا إن كان العميل شيعيا، كمثل حالة حكومات العراق بعد عام 2003، وقفزت عن حماس وهي حركة مقاومة ولم يعد لها ذكرا في خطاباتك، لأنها خرجت من السلة الإيرانية إثر أحداث سوريا ومع ذلك كل من خالفك فهم التكفيريون وليس للمعتدلين مكانة في قاموسك، إذن فكل من لا يسير بولاية الفقيه ودعم التواجد الشيعي إن كان حكومة مستبدة أو ثورة، فهو تكفيري.. وهذا أليس بتوجهات طائفية؟
هاجم السيد حسن استباحة يزيد للمدينة المنورة في نفس المحاضرة وهو من يسكت عن تدمير مئات القرى والمدن التي استباحها بشار، فمن يتأثر على أبناء الحسين عليه أن يشفق على ملايين الأطفال المسلمين، الذين شردوا بسوريا ودول الجوار، وكيف نفهم عاشوراء إن كان السيد حسن يدافع عن نظام مستبد لم يعرف طوال 40 عام ذكرا لمعارض أو ثائر؟ وما فعل بحماة 1982 ما فعله يزيد في المدينة المنورة وفي كربلاء؟
أما ما حدث خلال الخمس سنوات الأخيرة فقد ارتكب بشار ما لم يفعله يزيد ولا والتتار ببغداد ولا الصليبين في القدس، ومع ذلك يتحدث عن عاشوراء وثورة الحسين، وهو يدرك أن نظام بشار علماني استبدادي إجرامي بما يفوق ألف يزيد، ويعرف ما فعلته الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وهو ما لم يفعله زياد ابن أبيه نفسه.
لذلك الأفضل أن يقول السيد حسن نصر الله أننا نسير بمشروع إيراني، وليس مشروع الحسين في كربلاء، فواقع حاله يختلف تماما، عن الذي نفهمه من درس سيدنا وإمامنا الحسين بن علي، وبين دعمه لنظام قمعي.