لم تكن محاولة انتحار أحد الشبان
الفلسطينيين في قطاع
غزة حرقا، يوم الجمعة، هي الأولى، حيث سبقتها حالتا انتحار لشابين، ومحاولة أخرى (لم تنجح) لشاب في الأسبوع ذاته، فيما حذر مختصون من تزايد هذه الحالات في ظل الأوضاع التي تعيشها غزة.
وأرجع الناطق باسم جهاز الشرطة الفلسطيني التابع لوزارة الداخلية في غزة، أيمن البطنيجي، وجود العديد من محاولات
الانتحار في صفوف
الشباب، لأسباب منها "المشاكل العائلية، والتعسف في استخدام القوة من بعض الآباء"، بحسب تحقيقات الشرطة.
وامتنع البطنيجي، في حديث لـ"عربي21"، عن إعطاء أي أرقام أو إحصائيات، نظرا "لحساسية الموضوع"، داعيا الجهات الحكومية المختلفة للعمل على "إنشاء مؤسسات علاجية تهتم بالمواطنين الذين يمرون بظروف نفسية صعبة"، نتيجة الواقع الكارثي الذي يمر به القطاع.
الحصار والانتحار
بدوره، أكد يحيى موسى عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، أن حالات الانتحار التي شهدها قطاع غزة هي أحد "أهم تداعيات الحصار المزدوج المستمر منذ 10 سنوات، حيث تنحصر الآمال برفعه"، مبينا أن عدد حالات الانتحار "زاد في السنوات الأخيرة".
وأضاف لـ"عربي21": "لا بد أن تقوم حكومة التوافق الفلسطينية التي تجبى إليها أموال قطاع غزة من خلال الضرائب؛ بواجباتها"، مشيرا إلى أن هذه الحكومة ورئيس السلطة محمود عباس هو "جزء من حالة الحصار التي وضعت الشعب في إطار حالة من العقاب الجماعي، لصالح صراع موهوم يحاول فيه أبو مازن إخضاع خصومه السياسيين"، وفق قوله.
وقال موسى: "غزة ليست فقيرة، لكن أموالها تسرق ويصنع لها أزمات ومشكلات مفتعلة ومتكررة، وهناك مجرمون خلف هذه المشكلات، وأيد تتآمر ليل نهار في هذا الاتجاه".
واتهم موسى "حكومات رئيس السلطة المتعاقبة خلال هذه السنوات" بأنها "سرقت من غزة ثلاثة مليارات دولار، ولك أن تتخيل لو أنفقت هذه الأموال على غزة كيف يكون وضعها"، بحسب تعبيره.
وحول دور المجلس التشريعي في إيجاد الحلول لهذه المشكلة، شدد عضو التشريعي الفلسطيني عن كتلة حماس؛ على أن "أبو مازن هو من يعطل عمل التشريعي منذ عام 2007 وحتى اليوم، كي لا يقوم بواجباته تجاه الشعب الفلسطيني".
علم النفس
من جانبه، أوضح أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى، فضل أبو هين، أن "أغلى شيء لدى الإنسان حياته، التي قد تتهدد بسبب صعوبات الحياة الكثيرة التي يعيشها أبناء القطاع، خاصة هذه الأيام بسبب تشديد الحصار"، مؤكدا أن هذا الوضع السيئ تسبب في "إغلاق الباب أمام طموح الشباب وآفاق المستقبل أمامهم".
وأضاف لـ"عربي21": "كل الصعوبات التي يمر بها القطاع تشربتها شخصيات الشباب، وبدأت تظهر في انغلاق الآفاق السياسية والاجتماعية والشخصية لهم"، مضيفا: "في كثير من الأحيان هذ الوضع يؤدي إلى تضيق فكري ونفسي، يوصل الشاب الذي يبحث عن مكانة له في المجتمع، وينتظر منه أن يكون رافدا اقتصاديا لعائلته لهذه الحالة النفسية الكارثية".
وأشار أستاذ علم النفس إلى أن "النفس البشرية إذا وجدت من يساعدها ويقدرها تشعر بالثقة والاعتزاز"، موضحا أن "ندرة فرص العمل تؤدي بالشباب إلى الانطواء وتبخيس الذات، وهذه هي أرضية الانتحار الذي زاد في المجتمع نتيجة لزيادة المعاناة الشديدة في حياة هؤلاء الشباب، والإحباطات المتكررة"، وفق تقديره.
ويرى أبو هين أن "كل من في المجتمع مسؤول عن هذه الحالة الصعبة؛ لكن المسؤولية الأساسية تقع على كاهل الحكومة الفلسطينية والجهة القائمة على القطاع"، مطالبا الجميع بـ"العمل وبسرعة على فتح آفاق حياتية مستقبلية للشباب؛ بإيجاد فرص عمل وتحسين ظروفهم"، و"استثمار الطاقة الإيجابية التي يمتلكها هؤلاء الشباب بصورة بناءة، التي إن لم تستخدم كذلك؛ انقلبت لصورة سلبية تهدد ذات الإنسان والمجتمع الذي يعيش فيه".
وحذر أستاذ علم النفس، الجهات المسؤولة بصفتها من "يمتلك الإمكانيات"، من خطورة وآثار عدم استثمار طاقات الشباب، التي ستؤدي إلى "زيادة المشاكل الاجتماعية والنفسية التي ستسيء إلى المجتمع، أو زيادة حالات الانتحار مثلما حدث هذه الأيام، وهي إشارة حمراء لكل عاقل عليه أن يدركها".
وقال: "ما حدث ناقوس خطر وقنبلة موقوته؛ فرسالة هؤلاء الشباب؛ افتحوا آفاق الحياة أمامنا وإلا سنغلقها بأيدنا"، مؤكدا أن "الخطر الشديد قادم، إذا غابت الحلول".
أزمات القطاع
من جانبه، أكد عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان، أن قطاع غزة يمر بحالة مأساوية؛ بسبب الانقسام والتوظيف السياسي لكل شيء، والحصار المستمر"، لافتا إلى أن هناك "نسبة 85 في المئة من سكان القطاع يعتمدون على المساعدات الإنسانية، بسبب الحروب الإسرائيلية المتكررة على القطاع"، محذرا من أن "الأسوأ قادم".
وقال لـ"عربي21": "على الجميع أن يتدارك هذا الواقع وألا يدفن رأسه في الرمال، ويعمل على رفع الحصار عن قطاع غزة، والضغط على المجتمع الدولي لكف يد عدوان دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع، وإنهاء حالة العبث السياسي الفلسطيني التي نشهدها الآن"، وفق تعبيره.
واتفق يونس مع أستاذ علم النفس على أن "القادم أسوأ؛ إذا ما استمر هذا الوضع"، مشيرا إلى أن "أحلام الشباب تقزم إلى ما دون تأمين البقاء على قيد الحياة".