نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا لميشيل بلمان، حول قيام
الشركات الأمريكية الكبيرة بالإعلان عن منتوجاتها على قنوات روسية مليئة بالعنصرية والكراهية لأمريكا.
ويقول الكاتب إنه اعتاد، كونه شخصا سافر كثيرا إلى الاتحاد السوفييتي السابق، على مشاهدة البرامج والدعايات، التي تبدو مواقع عرضها غريبة لمن لم يعتد عليها، فمثلا قد يكون هناك فيلم عن الحرب العالمية الثانية منتج في العهد السوفييتي، حيث يكون جنرال يخطب عن أهمية هزيمة الرأسماليين، ويقطع الفيلم في هذه النقطة، وتظهر
دعاية لمعجون أسنان "كولغيت"، ويستدرك قائلا: "لكن اعتيادي هذا لم يهيئني لما شاهدته على
تلفزيون (رين) في أيلول/ سبتمبر في بلد مجاورة لروسيا".
ويصف بلمان تلفزيون "رين" بأنه "ماكنة إنتاج دعاية على نمط صحف التابلويد، وأحد البرامج المعروضة عليه، هو برنامج بعنوان (الحرب السرية)، الذي في العادة ينشغل بالمجادلة ضد الغرب بطريقة كانت ستشعر جوزيف غوبلز بالفخر، في تلك الليلة التي شاهدت فيها القناة وجدت أن قائمة الأهداف الأمريكية لا تنتهي، من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى نجوم غناء البوب إلى دمية باربي وكوكا كولا وسانتا كلوز ومصانع الأدوية الأمريكية، وحتى أغنية (هابي بيرثدي)، إلى غير ذلك من قائمة المؤثرات الأمريكية الخبيثة على
روسيا، وخصص أحد المقاطع لـ(حركة تكساس الانفصالية)، وأظهرت لقطات أشخاصا ملونين مخيفين يهزون قبضاتهم المرفوعة، وكأنهم يهددون بالقتل، ولم يسلم أشهر ملون في أمريكا، الرئيس أوباما، من تلك الدعاية السلبية".
ويشير الكاتب إلى أنه "كان هناك مقطع عن غزو (كنتاكي فرايد تشيكن) للعالم، ويظهر عددا من الأمريكيين وصدورهم عارية، ويأكلون الدجاج المقلي، وعيونهم غائرة، على طريقة مخرج الأفلام دي دبليو غريفيث، ولكن عندما يأتي وقت الدعايات، شاهدت مجموعة من الإعلانات الأوروبية والأمريكية، بما في ذلك الكوكاكولا، التي كانت في السابق محظورة، كما يقوم تلفزيون (رين) بعرض برنامج آخر يسميه (العالم السري)، الذي تقدمه العميلة السابقة آنا تشابمان، وهو برنامج يركز على الظواهر الخارقة للطبيعة، لكن حقيقة أن مقدمة البرنامج كانت قد طردت من أمريكا بسبب التجسس، لم تمنع الشركات الأمريكية والأوروبية المشهورة من شراء مساحات إعلانية خلال برنامجها".
ويقول بلمان إن "تلفزيون رين يملك مجموعة (ناشيونال ميديا غروب)، التي يديرها يوري كوفالتشك، وهو مرتبط بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ أيام بطرس بيرغ، كما أنه هو والرئيس بوتين شاركا في إنشاء جمعية (أوزيرو داتشا)، التي تعد أكبر مشاركين في بنك روسيا، الذي تم إنشاؤه من كبار مسؤولين الكرملين لحفظ رؤوس أموالهم فيه".
ويكشف الكاتب في تقريره، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن "اسم كوفالتشك مدرج على قائمة المقاطعة الأمريكية الأوروبية، وتشير إليه وزارة المالية الأمريكية بأنه مستشار ومصرفي بوتين، وكذلك تذكر اللقب الذي اشتهر به، وهو (أمين صندوق بوتين)، ورئيسة (ناشيونال ميديا غروب) رسميا هي ألينا كاباييفا، التي يعتقد بأنها عشيقة بوتين".
ويتساءل بلمان: "كيف تدعم الشركات الأمريكية برنامجا يسعى للتخويف من كل ما هو أمريكي لدى الجمهور الروسي في هذه الأوقات الملتهبة على قناة يسيطر عليها صديق لبوتين؟".
ويقول الكاتب إنه سأل فاسيلي غاتوف، الذي عمل سابقا في تلفزيون "رين"، ثم أصبح نائب مدير وكالة أنباء ريا/ نوفوستي قبل أن يسيطر الكرملين عليها، ويحول اسمها إلى روسيا سيفودنيا، ويعيش الآن في بوسطن، ويكتب كتابا عن الرقابة في روسيا، فأوضح غاتوف بأنه لفهم الوضع يحتاج الشخص أن يفهم أن الدعاية على التلفزيون الروسي لا تعمل بالطريقة ذاتها، التي تتم في بلدان اقتصاد السوق، فالتلفاز والصناعة في روسيا احتكار ثنائي، وهناك شركتا دعاية تلفزيونية كبيرتان في روسيا؛ إحداهما يملكها كوفالتشك، والأخرى يمتلكها بنك "غازبروم"، الذي يسيطر عليه كوفالتشك، مشيرا إلى أن هاتين الشركتين معا تسيطران على ثلثي سوق الإعلانات في روسيا، وهناك وكالات دعاية صغيرة في روسيا، لكن لحجز إعلانات على شبكات التلفزيون الروسية، يجب استخدام برامج مرخصة من شركة "فيديو إنترناشيونال".
ويتابع بلمان قائلا: "فقلت لغاتوف إن الأمر يبدو وكأنه من المستحيل شراء دعاية على التلفزيون الروسي دون وضع نقود في جيب كوفالتشك، فقال: (نعم، وبالكاد يمكنك تجنب ذلك)، فيمكن نظريا لشركة ألا تعلن على التلفزيون الروسي، لكن هذا ليس خيارا واقعيا لشركة منتوجات استهلاكية، وقد اجتمعت عدة شركات أجنبية عام 2011، وطالبت بتحكم أكبر بطريقة تسويق بضائعها، واشتكت من ارتفاع أسعار الدعاية، وطالبت بزيادة مساحة المنافسة في إعلانات التلفزيون، لكن وبحسب معلق، فإن ذلك المجهود فشل؛ لأن شركة أجنبية كبيرة رفضت أن تتماشى مع تلك المطالب، إنها شركة كوفالتشك (ناشيونال ميديا غروب)، التي تملك قناتي تلفزيون، بالإضافة إلى تلفزيون (رين) و(غازبروم ميديا) المشاركة في خمس قنوات تلفزيونية".
ويعلق الموقع بأن "الشركات التي تبيع الإعلانات ومحطات التلفزة التي تعرض عليها الإعلانات يسيطر عليها كوفالتشك، وكأن هذا لا يكفي، فكان هناك قانون جديد يمنع أي وسيلة إعلامية يصل فيها التملك الأجنبي إلى أكثر من 20%، وهذا مما يسمح لكوفالتشك بأن يزيد من حجم إمبراطوريته الإعلامية بإنشاء شركات روسية مع تلفزيون (ديسكفري) و(سي إن إن)".
ويجد بلمان أنه "إذا كان كوفالتشك على قائمة المقاطعة، فإن هذا يعني أن تعامل الشركات الأمريكية معه خرق للقانون، لكن هذا ليس صحيحا بالضرورة، فالمقاطعة الأمريكية لكوفالتشك شخصيا ولبنكه، بنك روسيا، ولكن ليس لشركات الدعاية ولا التلفزيون التابعة له، كما أن الشركات لا تشتري في العادة الدعايات من مقراتها في بلدانها، بل عن طريق شركات وسيطة أو فروع لها في أوروبا أو روسيا، غير خاضعة لقوانين المقاطعة الأمريكية (لكن في حالة إيران ستكون خاضعة لتلك القوانين)، وبحسب غاتوف، فإن هناك ما معدله ثلاثة وسطاء بين الشركة وقناة التلفزيون".
ويلفت الموقع إلى أن قائمة المقاطعة تشمل المعلق على القناة الروسية الأولى دمتري كيسليف، وهو مدير وكالة أنباء روسيا سيفودنيا، مشيرا إلى أنه خلال زيارة بوتين للأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر، كانت برامجه مليئة بالدعاية القومية، ومع ذلك أعلنت العديد من الشركات في برامجه.
ويقول الكاتب: "حاولت الاتصال بعدة شركات تعلن في برنامج (الحرب السرية) على تلفزيون (رين)، فامتنعت شركة (بروكترو أند غامبل) عن التعليق، ولم تجب شركتا (كوكا كولا) ولا (مارز) لعدة مكالمات ورسائل بريد إلكتروني، وأجابت شركة (جونسون أند جونسون) مؤكدة أن إعلاناتها تبث في البلد التي رأيت الإعلان فيها، لكن ليس في روسيا ذاتها، ورفضت الإجابة عن سؤالي عما إذا كانت ستتوقف عن بث الإعلانات في روسيا، أو مراجعة سياساتها الإعلانية".
وينوه بلمان إلى أن الأموال التي يجنيها أصحاب بوتين من الدعاية تعد دخلا إضافيا لروسيا، وتساعد تلك القنوات على بث الدعاية التي يريدها بوتين، الذي حرص منذ صعوده إلى السلطة، على أن يسلم تلك القنوات لأصدقاء له؛ كي يتحكم فيما يعرض على الشعب الروسي، حيث يبقى التلفزيون من أهم مصادر معلوماتهم، بالرغم من تطور الوسائل الأخرى، كالإنترنت.
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالإشارة إلى أن الأخطر من هذا هو أن التلفزيون الروسي لا يشاهد في روسيا فحسب، بل في الدول الجارة أيضا.