مع تزايد اليقين لدى أطراف كثيرة داخل
مصر وخارجها بتعثر نظام
السيسي رغم كل محاولات تعويمه، فقد تزايد الحديث عن ضرورة البحث عن بديل له، يوفر انتقالا آمنا للسلطة، ويؤمن مصالح تلك الأطراف الداخلية والخارجية، ويمنع حدوث هزات خارج السيطرة.
الأصوات الهامسة أو الصادعة بالبديل وصلت إلى مسامع السيسي ربما بشكل مباشر فكان رد فعله الهستيري في خطابه الأخير" إنتو مين؟" والذي يبدو أنه كان موجها لأطراف يعرفها السيسي مباشرة ولا نعرفها إلا استنتاجا.
ليس هناك اتفاق على شكل البديل المطروح، فبينما تتحدث بعض الأطراف في عواصم كبرى عن بديل مدني فإن أطرافا عربية تفضل بديلا عسكريا بينما يرفع آخرون دعوة الانتخابات الرئاسية المبكرة لتنتج بدورها البديل الذي يرتضيه الشعب.
الدعوة لانتخابات رئاسية تكتسب زخما متصاعدا، ومن كان ينطقها همسا أصبح الآن أكثر جرأة في طرحها بصوت عال، وهي تكتسب أنصارا جددا كل يوم باعتبارها الطريق الديمقراطي الأكثر إقناعا ويسرا، وفي أحدث نسخة من دعوته تلك طالب السياسي ممدوح حمزة بأن تجري تلك الانتخابات خلال ثلاثة أشهر فقط حتى ننقذ البلاد من غرقها.
لم يكن حمزة هو أول من يدعو لانتخابات رئاسية مبكرة، ولا آخرهم فقد انطلقت الفكرة من حزب مصر القوية في يونيو/ حزيران من العام الماضي، ثم لحق بها آخرون من معسكر 30 يونيو ومنهم عمرو حمزاوي وتوفيق عكاشة، و(عبد الله الأشعل) وسعد الدين إبراهيم، هذه الدعوات لانتخابات رئاسية مبكرة تطرح الفكرة بشكل مجرد دون الإتفاق على بديل تلتف حوله بعض القوى، ولكن حمدين صباحي وجماعته التقطوا الفكرة مقدمين أنفسهم كبديل مدني، يريد صباحي من طرحه ذاك أن يعود إلى صدارة المشهد الذي انزوى عنه بعد خروجه المهين من مسرحية الانتخابات الرئاسية التي قبل أن يقوم فيها بدور "الكومبارس" للسيسي ولكن رجال السيسي أبوا إلا المزيد من الإذلال له حين جعلوه يحل ثالثا بعد الأصوات الباطلة في انتخابات لم يتنافس فيها سوى شخصين. المهم أن حمدين الآن يريد حجز مكانه على الساحة ويريد أن يقول لمطابخ صنع الديل "نحن هنا" جاهزون للخدمة وفق الشروط المطلوبة.
البحث عن بديل على المستوى الإقليمي والدولي مسالة أكثر تعقيدا، فمطابخ السياسة هنا تدرك تعقيدات التركيبة الداخلية والإقليمية والدولية، ولها مصالح وأهداف تسعى لتحقيقها أو الحفاظ عليها، وتريد في الوقت ذاته ضمان النجاح للبديل الذي تطرحه، كما تبحث عن وسيلة لتمريره داخليا وخارجيا، وإذا كانت المطابخ الغربية تفضل بديلا ليبراليا فإن المطابخ الخليجية تفضله بديلا عسكريا لقناعتها الراسخة أن العسكر هم أرباب الحكم في مصر من ناحية ولخشية هذه الممالك والإمارات من انتشار عدوى الديمقراطية والعدالة والكرامة التي ستصاحب في الأغلب الحكم المدني المنتخب، في هذا الإطار يجري الحديث عن شخصيات عسكرية سواء في الخدمة أو خارجها لكنها لا تزال تحتفظ بقبول كبير في النخب العسكرية، ولعل الشخصين البارزين حتى الآن هما الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسي السابق والفريق سامي عنان رئيس الأركان السابق، ولكل منهما شبكة علاقات إقليمية ودولية ترتكز على إحدى الدول الفاعلة والصانعة لانقلاب السيسي، وفي الوقت نفسه تمتد شبكة علاقاتهما إلى أطراف مؤثرة خارج الإقليم.
الغرب يمارس لعبة مزدوجة فهو يمارس ضغوطا حينا بعد آخر على نظام السيسي لمحاولة إلزامه ببعض التحسينات في إدارته للبلاد، وإحترامه للديمقراطية والقانون، وفي الوقت نفسه يرغب في رؤية بديل ليبرالي قادر على طرح نفسه وكسب ثقة الشعب وهو مالم يتوفر حتى اللحظة، في مقابل كل ذلك تشير التكهنات إلى أن القوات المسلحة ستطرح ورقتها "جنرال جديد" سواء كان وزير الدفاع الحالي أو غيره عندما تشعر أنها لم تعد قادرة على تعويم السيسي لفترة أطول، وعندما تتأكد أن مصالحها ومصالح جنرالاتها بدأت تتضرر.
الغريب أن هذه الطبخات لبديل السيسي يتم طبخها أمام أعين أصحاب الحق، لكنهم يبدون كأنهم غائبين أو مغيبين، وليس لهم دور في صناعة البديل حتى لو كانوا يمتلكونه فعلا، ويحتاج فقط منهم لبعض التحسينات التي تواكب اللحظة.
هل السيناريوهات السابقة هي قدر مقدور ليس بإمكان أبناء
الثورة وأنصار الشرعية سوى الاستسلام له، والقبول به، والتكيف معه؟ كلا ، فحتى الآن لا تبدو تلك الأطراف جادة في خلع السيسي، لكنها تبحث عن بديل لسقوطه الفعلي حين يتم أو يوشك، وهي لاتكف رغم ضغوطها عن تقديم ما يقيم أود نظامه ويبقيه على قيد الحياة حتى لو إستمر ضعيفا فهذا هو الوضع الأنسب لحكومات الغرب، لكن في المقابل يستطيع أصحاب الحق الفعليين القابضين على جمر الحرية والكرامة والديمقراطية، والذين دعوا الثمن مضاعفا من دمائهم وحريتهم وأموألهم أن يطرحوا بديلهم المقنع للشعب والعالم، والذي سينسف بمجرد ظهوره حكم السيسي ويطرحه أرضا، وهذا البديل سيكون قائما بالأساس على احترام الإرادة الشعبية، وهو يمزج بين احترام إرادة سابقة للشعب أنتجت أول رئيس مدني للبلاد وإرادة حالة من حقها أن تختار من تشاء أو تجدد ثقتها في من اختارته من قبل.
هذا البديل يتمثل في مشروع وطني يحمل أهداف ومبادئ ثورة يناير ومنجزاتها، ويتبنى خطة إنقاذ للبلاد من الحكم العسكري، وإدارة المرحلة الإنتقالية ويقوم عليه مجلس قيادة يضم ممثلين للأطياف السياسية والإجتماعية الرئيسية الإسلامية والليبرالية واليسارية والمستقلة بما في ذلك ممثل للنخبة العسكرية وللمسيحيين والمراة والشباب (يمكن أن يكون تمثيل هذه الفئات الأربعة متضمنا في ممثلي التيارات السياسية وهذا هو الأفضل، وليس بالضرورة أن يكون ممثلو التيارات المدنية من الكيانات المعروفة التي لا تزال ترفض فكرة
الاصطفاف)، ويسعى هذا الفريق لتوسيع مساحات العمل المشترك بين كل قوى الثورة، كما يسعى لتسوية القضايا الخلافية بطريقة توافقية، مدعوما بمجلس استشاري موسع من مائة شخصية، أو جمعية وطنية كبرلمان حقيقي للثورة، على أن يبارك الرئيس مرسي ورموز الثورة السجناء هذه الخطوة، ويصبح هذا الفريق هو عنوان الثورة المصرية الذي تتجه إليه أنظار الداخل والخارج لاستعادة المسار الديمقراطي.
المشكلة الرئيسية التي تواجه صناعة البديل الوطني الحقيقي هي تشتت جبهة رافضي الانقلاب وفي القلب منها جماعة
الإخوان المسلمين التي أصبحت مشغولة بمشاكلها الداخلية أكثر من انشغالها بالثورة والشرعية واستعادة المسار الديمقراطي، كما أن رموزا محسوبة على القوى الثورية تفرغت للنيل من بعضها البعض، وتشويه كل ما يعرض من اجتهادات، وصد من يريد العودة إلى حضن الثورة، لكن الأمل قائم في العقلاء الذين لايزالون قابضين على جمر ثورتهم، والذين يمكنهم رأب تلك التصدعات، وتوحيد الصف الثوري.
كثيرون بالفعل داخل مصر وخارجها ينتظرون ولادة بديل وطني حقيقي ليلتفوا حوله، فهل يفعلها المخلصون لثورتهم، الطامحون لاسترداد حريتهم وكرامتهم، قبل أن يفرض عليهم بديل صنعه غيرهم؟؟