قالت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها إن الحرب الدعائية السرية، التي تشنها الحكومة لكسب قلوب المسلمين وعقولهم، التي نشرت "الغارديان" عنها التقارير هذا الأسبوع، ليست جديدة إلا في المستهدفين والتكنولوجيا المستخدمة.
وتستدرك الافتتاحية بأن
الدعاية، سواء كانت تستهدف الشيوعية السوفييتية خلال الحرب الباردة، أو عمال الفحم المضربين خلال حكم ثاتشر، أو الشباب المسلمين في هذه الأيام، فإن هناك خطرا دائما بأن تأتي بنتائج عكسية.
وتبين الصحيفة أن أي جدلية مصدرها الحكومة تفقد قيمتها بشكل تلقائي، ويزيد ذلك عندما تكون موجهة للأقليات التي تحس بالغربة، في وقت تثار فيه التساؤلات والشكوك، حيث إن الأسوأ في هذه الحالة هو أنه يتم تجنيد الناس للعمل دون العلم بأن صاحب العمل في النهاية هو الحكومة البريطانية، وبالنتيجة يصبحون معرضين للخطر الشخصي الكبير دون علمهم، مثل الصحافي الذي أرسل إلى باكستان وأفغانستان لتصوير الرياضيين المسلمين الذين يتدربون تجهيزا للمشاركة في الألعاب الأولمبية، وذلك لـ"نزع شرعية" استهداف الألعاب.
وتعلق الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، قائلة إنه "ما من شك أن هناك دورا مهما ينبغي على الحكومة أن تؤديه في مجابهة دعاية الجانب الآخر، لكن أفضل طريقة لفعل ذلك هي الدفاع القوي والمفتوح عن القيم التي تهددها أفعال العنف بحجة الدين، كما يفعل
تنظيم الدولة، حيث إنه من المعروف أنه من الصعب جدا قياس أثر الدعاية، لكن ليس هناك دليل متوفر للعامة بأن تحديد أهداف لإمطارها برسائل معادية للتطرف على (تويتر) و(فيسبوك)، أو ما يسمى بـ(التفتيش الرقمي)، يمنع الأشخاص ضعيفي الحصانة من الإقناع بالسفر إلى سوريا، أو القيام بأعمال عنف حيث يقيمون".
وتورد الصحيفة أن أحد مصادر الحكومة اشتكى قائلا: "نحن نحاول فقط أن نمنع الناس من التحول إلى مفجرين انتحاريين"، مستدركة بأنه "يبدو أن معظم المجندين يشتركون بخليط من العوامل، بينها الشعور بالإقصاء والعنصرية، وعدم الرضا الطبيعي لدى الشباب من المجتمع المحيط، حيث يدعم تجربتهم، التي كتبت عنها (الغارديان) بالتفاصيل في آذار/ مارس، النقد الموجه لاستراتيجيات الحكومات المتتابعة في محكافحة الإرهاب، وبالذات تركيزها الضيق على عقيدة المتطرفين، واعتبارها حرب الحضارات، وإهمالها لأهمية الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي في تحول أقلية من المسلمين للتطرف، تهدد بشعور آخرين كثر بالغربة أيضا".
وتذكر الافتتاحية أن "المحافظين قاموا بإعادة تسخين قانون مكافحة الإرهاب، الذي أعلنت عنه الملكة في خطابها يوم الثلاثاء، كجزء مركزي من عمل الحكومة، الذي يبدو طريقة لعكس وجود أهداف وسلطة بعد تصويت البرلمان على إجراء استفتاء حول البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، لكن من المتوقع أنه سيجعل الأمور أسوأ، فهو يوسع الهجوم على
التطرف ليشمل أشكال التطرف كلها، ويسعى إلى حظر المنظمات المتطرفة التي (تدعو إلى الكراهية)، ويعرف التطرف هنا بأنه (معارضة القيم البريطانية الأساسية بالقول أو الفعل)، وتعريفه يبقى مختلفا عليه".
وتجد الصحيفة أنه "لهذا السبب، فإن المحامين وناشطي الحريات المدنية والمجموعات المسيحية، الذين يعارضون جوانب من تشريعات المساواة، يخشون من صعوبات يتسبب بها هذا التعريف الجارف، فهم قلقون من أن يشمل القانون المعارضين العاديين، ويخشون من تقييد حرية التعبير، حتى عندما يكون المحتوى ذاته غير معارض للقانون، كما أن التعريف الفضفاض لـ (القيم البريطانية) يخاطر بترك مساحات مخيفة من الشك".
وتشير الافتتاحية إلى أن "هذا السياق بالذات هو ما يجعل جهود الحكومة الدعائية عرضة للتساؤل، حيث إن هناك الكثير من الأسئلة، فهناك الكثير من الأمثلة لجهود مكافحة إرهاب خرقاء يمكن أن تتسبب بالإضرار بالترابط المجتمعي، وانتهاك الحريات الشخصية، فلو أخذنا (بروجيكت تشامبيون) وهو مشروع نصب كاميرات المراقبة في حيين من أحياء المسلمين في بيرمنغهام عام 2010، الذي كان تمويله من قسم مكافحة الإرهاب في اتحاد ضباط الشرطة، وكان أعضاء المجلس المحلي قد أخبروا بأن الهدف من هذه الكاميرات هو مكافحة الجنح الصغيرة، أو المهمة الجديدة التي ألقي بها على عاتق المدرسين العام الماضي للتنبه لطلابهم، حتى لا يقعوا فريسة للتطرف، ما أدى إلى كتابة تقارير في أطفال للسلطات المعنية في ما يشبه الجرائم الفكرية الأورويلية".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالقول إن "الجواب الأنجع لحجة هو حجة أقوى منها، حيث إن الإرهاب الذي ينشأ محليا يشكل خطرا كبيرا، ويهدف إلى وضع جزء من المجتمع في حالة عداء مع الجزء الآخر، ولإثبات أن الإسلام لا يتماشى مع مجتمع القرن الحادي والعشرين الليبرالي، وفرض ثيوقراطية محافظة بدلا من ذلك، وأفضل طريقة لمحاربة هذه الفكرة هي تجنب الانقسام والحفاظ على القيم، بما في ذلك حرية التعبير، ودعم التماسك المجتمعي".