نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للمحلل غير المقيم في "المجلس الأطلسي في واشنطن" محمد اليحيى، يقول فيه إن كلمة "
الوهابية" تعادل في الغرب كلمة "البعبع" المسؤول عن
التطرف "الإسلامي" في أنحاء العالم كله.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21": "لأن الوهابية هي مدرسة إسلامية، نشأت في شبه الجزيرة العربية، وهي الشائعة في
السعودية، فإنه ينظر إلى ذلك البلد في العادة على أنه المتهم الأول بجريمة نشر التطرف العنيف".
ويستدرك اليحيى قائلا إن "توجيه أصابع الاتهام للوهابية وللسعودية، بخصوص التطرف الإسلامي، يعد تضليلا خطيرا، فهذا التفسير القائم على سبب بسيط يصرف الأبصار عن الأسباب المعقدة، السياسية والاقتصادية والنفسية، التي تجعل الأشخاص ينضمون للجماعات
الإرهابية، وبفعلنا هذا نعرقل إمكانياتنا لمحاربة الإرهاب".
ويشير الكاتب إلى أن "مصطلح (الوهابية) في الواقع هو مرادف للسلفية، ويقصد به السعودية، والسلفية مدرسة إسلامية متزمتة، تشجع على تقليد السلف وصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت
السلفية تاريخيا غير سياسية، ومعظم السلفيين ليسوا عنيفين".
ويبين اليحيى أن "معظم المتطرفين الإسلاميين لا شأن لهم بالوهابية السعودية، فعناصر حركة طالبان مثلا هم ديوبنديون، وهي حركة صحوة إسلامية، نشأت كرد فعل للاستعمار البريطاني في جنوب آسيا، بالإضافة إلى أن معظم أعضاء تنظيم القاعدة يتبعون تيارا متطرفا انبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة تعرف نفسها بشكل كبير على أنها معارضة للغرب وقيمه، ومع أن بعض الإرهابيين يعرفون أنفسهم بأنهم سلفيون، إلا أن طوائف إسلامية معارضة للسلفية، مثل الصوفيين النقشبنديين والشيعة، شاركوا في الجهاد العنيف في العراق وأفغانستان وسوريا".
ويجد الكاتب أنه "مع ذلك، فإن معظم وسائل الإعلام الإخبارية الغربية، والكثير من الخبراء، يطرحون صورة مختلفة تماما، حيث يحملون المسؤولية عن الإرهاب للفكر الوهابي الصادر عن السعودية، وهذا النقاش يجعل الشخص يتخيل أن الإرهابيين الأوروبيين، الذين ينتهي بهم الأمر إلى الالتحاق بتنظيم الدولة، كانوا يتسكعون في شوارع باريس أو بروكسل، فعثروا على مسجد تموله السعودية، وفي المسجد قرأوا (كتاب التوحيد) لمحمد بن عبد الوهاب، وبعد ذلك بأسبوع توحي لهم رسالة الكتاب بالسفر إلى الخطوط الأمامية في سوريا، أو ليخططوا لهجمات إرهابية في أوروبا".
ويستدرك الكاتب بأن "الحقيقة أعقد من ذلك، فمعظم مرتكبي الهجمات الإرهابية في أوروبا كانوا ممن لهم سوابق في ارتكاب الجنح، وعرف عنهم تعاطيهم للمخدارات والكحول، وتطرفهم لا علاقة له بالدين، وأشارت بعض التقارير إلى أن مسلمين أوروبيين اشتروا كتبا، مثل (إسلام فور دميز/ الإسلام المبسط)، قبل أن يسافروا للمشاركة في الجهاد في سوريا، والقاسم المشترك بين هؤلاء كلهم هو الاعتقاد بأن العالم الإسلامي والغرب في حالة صراع حضارات لا مجال فيها للمساومة".
ويقول اليحيى إنه "ليس صحيحا أن تتم إدانة الوهابية أو السلفية السعودية لظهور المجموعات الجهادية في العالم العربي في السنوات الأخيرة، فالتونسيون يشكلون أكبر نسبة من المقاتلين الأجانب في تنظيم الدولة، كما أن كبار التنظيم من العراق وسوريا أيضا حقل خصب للجهاديين من الألوان كلها، ومع ذلك فإن تلك الدول كان يحكمها، حتى عهد قريب، ديكتاتوريون علمانيون منعوا الأنشطة الدعوية السعودية في بلادهم، وفي حالتي العراق وسوريا نظروا إلى السعودية على أنها عدو".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في المقابل، فإن للسعودية أنشطة دعوية في الهند، حيث تبني المساجد والمدارس ومراكز الخدمات المجتمعية، ومع ذلك لم يخرج أي جهادي من مسلمي الهند، البالغ عددهم 170 مليونا".
وينوه اليحيى إلى أن "إحياء نموذج من الإسلام المسيس المتطرف بدأ في العالم العربي منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا يحركه الفكر فقط، لكن يحركه فشل الحكومات العربية في تحقيق ما تتوقعه شعوبها منها، والانتقام الوحشي الذي وظفته تلك الحكومات لقمع المطالبات بحكم أفضل وأكثر شفافية، وهو شبيه بالغربة الاجتماعية والنفسية، التي تدفع بمسلمي أوروبا للانضمام إلى المجموعات المتطرفة، وتجب معالجة هذا السبب الجذري إذا أردنا فعلا محاربة الإرهاب".
ويقول الكاتب: "ما من شك أن هناك بعض ألوان السلفية غير المتسامحة، لكن عدم التسامح لا يقود بالضرورة إلى الإرهاب، إلا أن عدم التسامح الفكري هو مشكلة بحد ذاته، ويحمل مخاطر، ويحتاج إلى علاج خاص به، لكن الخلط بين مخاطره وأسباب التطرف العنيف قد يضعف من فعالية الجهود الجادة لمكافحة الإرهاب".
ويضيف اليحيى أن "السعودية، المتهمة بترويح أفكار تؤدي إلى التطرف العنيف، هي التي استخدمت الدين في محاربة التطرف، فالسعودية حاربت تنظيم القاعدة، ليس بالعمليات فقط، لكن بمواجهة فكره بحجج دينية، وتم حشد العلماء ليشجبوا الأعمال الإرهابية والخطاب الإرهابي، ونجح العلماء السلفيون في إصلاح الشباب الذين أدينوا بمساعدة الإرهاب والتحريض عليه".
ويذكر الكاتب أنه "في تسعينيات القرن الماضي، أفتى مفتي المملكة وقتها الشيخ عبد العزيز بن باز، بحرمة العمليات الانتحارية، بالإضافة إلى أن المفتي الحالي عبد العزير بن عبد الله الشيخ دعا الشباب السعودي إلى عدم الانضمام لمجموعات تحارب في الخارج، ودعاهم، بحسب التعاليم السلفية الأصيلة، إلى عدم الخروج على أوامر الزعماء الشرعيين، وتجنب أي شكل من أشكال النشاط السياسي".
ويخلص اليحيى إلى القول إن "اتهام الوهابية والسلفية بالتسبب بالتطرف العنيف ليس مجرد خطأ فكري، أو ظلم للسلفين، إنه تشويه من شأنه إعاقة محاربة التطرف العنيف وفهم مسبباته، وأي فكر ديني يتبناه المتطرفون ما هو إلا قناع لقضايا أخرى، وإلقاء اللوم على فكر مثل السلفية أو حتى تدميره لن ينهي التطرف".