أثارت الجلسات العلنية لضحايا انتهاكات
حقوق الإنسان بتونس، خلال اليومين الأخيرين، جدلا في الساحة السياسية، بعد أن رفضت محكمة طلبا بإيقافها تقدم به حزب محسوب على نظام الرئيس المخلوع بن علي.
وأعلنت هيئة الحقيقة والكرامة، الخميس، عن صدور قرار من المحكمة الإدارية بتونس؛ يقضي برفض طلب تقدم به الحزب الدستوري الحر بإيقاف جلسات الاستماع العلنية.
ولفتت المحكمة إلى أن القانون الأساسي للعدالة الانتقالية يمنح الهيئة "الصلاحية الحصرية لعقد جلسات استماع علنية لضحايا الانتهاكات أو المسؤولين عنها".
وفي سياق متصل؛ نفذ عدد من أنصار الحزب الدستوري الحر، السبت، تحركا احتجاجيا أمام مقر هيئة الحقيقة والكرامة بتونس، غداة انطلاق جلسة الاستماع العلنية السابعة المخصصة للانتهاكات التي طالت
تونسيات طيلة عقود.
ورفع أنصار الحزب شعارات تطالب بـ"تطبيق القانون، والابتعاد عن محاسبة رموز النظام السابق عبر محاكمات غير عادلة".
انتهاكات الماضي
وقال رئيس لجنة التحكيم والمصالحة في "الحقيقة والكرامة" خالد الكريشي، إن ما قام به الحزب الدستوري الحر "يدل على جهل القائمين عليه بأهمية ونجاعة العدالة الانتقالية، ودورها في تحقيق الانتقال الديمقراطي، دون تشف وانتقام".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "العدالة الانتقالية بديل عن العدالة الانتقامية والانتقائية"، مؤكدا حتمية المرور بعدد من الآليات القانونية؛ من بينها جلسات الاستماع العلنية "التي ساهمت في فضح انتهاكات الماضي، وكشفها وتعريتها أمام التونسيين، ومعرفة ماذا وقع في حقبة الاستبداد الماضية".
وتابع الكريشي: "يفترض أن يدعم رموز النظام السابق العدالة الانتقالية؛ لأنها جاءت لفائدتهم وتسوية ملفاتهم (...) ولكنهم لا يرغبون في
المصالحة الوطنية، بل في الإفلات من العقاب، والظفر بالعفو وعدم المحاسبة".
وأوضح أن المرور المباشر إلى العفو، دون كشف الحقيقة، ينجر عنه تكرر الانتهاكات "وخاصة بعد أن عجز القضاء عن التصدي لها طيلة السنوات الماضية التي تلت ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011" وفق تعبيره.
المصالحة الوطنية
وقال الكريشي: "نحن لا نلتفت إلى هذه الحملات؛ لأننا نشتغل وفق القانون والدستور، وهي لا ولم ولن تؤثر في أعضاء الهيئة، بل تزيدهم إصرارا وتمسكا بالعدالة الانتقالية، للمضي في مسار تحقيق المصالحة الوطنية؛ عبر كشف الحقيقة، والمساءلة، والمحاسبة، وجبر ضرر الضحايا".
وأضاف أن "هذا المسار شارف على الانتهاء، ولم يبق من عمره سوى سنة واحدة، وعلى من يسعى إلى ضرب العدالة الانتقالية أن يوظف طاقاته لخدمة تونس وتحقيق المصالحة"، كاشفا عن رفض وزارة الداخلية لمئات المطالب التي أرسلتها "الحقيقة والكرامة".
سياسية بامتياز
من جهته؛ وصف أستاذ القانون الدستوري، المحلل السياسي قيس سعيد، الجدل القائم حول جلسات الاستماع العلنية بـأنه "صِدام سياسي بين هيئة انبثقت عن توازنات سياسية أفرزتها انتخابات 2011، وبين منظومة سياسية مستمرة جددت مشروعيتها بانتخابات 2014".
وقال لـ"
عربي21" إن "القضية سياسية بامتياز، رغم أن العدالة الانتقالية تم تكريسها في نص الدستور، وترتيبا على ذلك فإن لها قيمة دستورية؛ بقطع النظر عن الهيئة المكلفة بهذا المسار".
وأشار سعيد إلى أن القضية التي تقدم بها الحزب الدستوري الحر "لا يمكن اختصارها في الجانب القانوني، لكنها تكشف عن الأسباب الحقيقية لتعثر مسار العدالة الانتقالية، وهي التوازنات السياسية المتناقضة التي تلت ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011".
وأد الحقيقة
من جانبه؛ قال رئيس الهيئة السياسية لحزب "المؤتمر" المحامي سمير بن عمر، إن عددا من رموز النظام السابق من "التجمعيين" و"الدساترة" يريدون وأد الحقيقة، بدل كشفها أمام الرأي العام.
وأضاف لـ"
عربي21" أن "هيئة الحقيقة والكرامة تتعرض لحملات تشويه، ومحاولات لتعطيلها، حتى لا تؤدي دورها في كشف الحقائق والتجاوزات والجرائم التي عرفتها البلاد طيلة العقود الستة الماضية".
وفسر بن عمر صدور أحكام قبل أيام بالسجن لست سنوات مع النفاذ العاجل في حق عدد من رموز النظام السابق؛ بعدم طرق هؤلاء أبواب العدالة الانتقالية، التي تؤدي إلى المصالحة، "عكس العدالة العادية التي تنتهي بالجلادين والفاسدين في
السجن" وفق تعبيره.
وقالت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، إن "الدساترة صامدون، ولن يقبلوا المقايضة بحريتهم، ولمطالبة هيئة الحقيقة والكرامة بالامتثال للقوانين، بعيدا عن تقسيم الشعب التونسي".
وطالبت موسي، القيادية السابقة في حزب التجمع المنحل، في تصريح إعلامي خلال التحرك الاحتجاجي أمام مقر "الحقيقة والكرامة" بـ"تنقيح قانون العدالة الانتقالية، وإلغاء الفصول التي تمنح الهيئة صلاحيات تجعلها تتحكم في مفاصل الدولة وفي مؤسسات القضاء" وفق تعبيرها.