قضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، السبت، بإسقاط حكم المحكمة الإدارية العليا القاضي ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع
السعودية، التي سلّمت
مصر بموجبها جزيرتي
تيران وصنافير للسعودية.
وكان أحد المحامين أقام دعوى تطالب بإسقاط مسببات الحكم القاضي ببطلان الاتفاقية، وتنفيذ حكم "الأمور المستعجلة" بسريانها.
ويقول مراقبون إن الاتفاقية دخلت في ما يشبه "المتاهة القانونية" من خلال هذه السلسلة من الأحكام القضائية المتعاقبة والمتناقضة.
وجاء هذا الحكم في وقت تشهد فيه العلاقات بين نظام الانقلاب في مصر والسعودية تحسنا ملحوظا بعد توتر استمر لعدة أشهر، حيث استأنفت المملكة ضخ شحنات الوقود إلى مصر الشهر الماضي بعد توقف دام لخمسة أشهر، كما التقى قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي بالعاهل السعودي على هامش القمة العربية في الأردن الأربعاء الماضي.
أزمة قضائية
وأثار الحكم جدلا كبيرا بين القانونيين، الذين أكد كثير منهم أنه سيتسبب في أزمة بين المؤسسات القضائية بعضها البعض.
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "الشروق" عن مصادر رفيعة بالمحكمة الإدارية العليا قولها إن حكم محكمة الأمور المستعجلة "هباء منثور"؛ لأنها هدمت الدستور، وخالفت قواعد الاختصاص، وخرقت أحكام القانون، مؤكدة أنه "لا يجوز لأي محكمة تابعة للقضاء العادي أن تأمر بوقف تنفيذ أي حكم صادر من محاكم
مجلس الدولة بحسبانه قاضي القانون العام في المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية، والذي يبسط ولايته على مختلف أشكالها وتعدد صورها".
وفي المقابل، نقلت صحيفة الوطن عن نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، المستشار رفيق شريف، قوله إن "حكم المحكمة الإدارية العليا الأول هو والعدم سواء؛ لأنه صدر من محكمة غير مختصة"، موضحا أنه "من المحتمل أن تلجأ هيئة قضايا الدولة إلى المحكمة الدستورية العليا؛ لرفع دعوى تنازع لطلب الاعتداد بحكم الأمور المستعجلة دون حكم الإدارية العليا".
من جانبه، طالب الفقيه الدستوري نور فرحات مجلس القضاء الأعلى وإدارة التفتيش القضائي في وزارة العدل والمجلس الخاص بمجلس الدولة بسرعة التدخل؛ لمواجهة الخطر الذي يهدد النظام القضائي بأكمله.
وأضاف فرحات عبر صفحته الرسمية في موقع "فيسبوك"، أن "هذا الحكم يشكل خطرا داهما على النظام القضائي الذي عرفته مصر منذ إنشاء المحاكم الأهلية عام 1883، حيث لا يعرف القانون المصري، أو أي قانون في العالم، سلطة لمحكمة أدنى فى إسقاط حكم محكمة أعلى في الهرم القضائي".
أما المحامي والمرشح الرئاسي السابق، خالد علي، فقال عبر "فيسبوك" إن النظام يسعى من خلال حكمه الأخير إلى منح مجلس النواب غطاء قضائيا يستتر به؛ لتسويغ بدء مناقشته للاتفاقية، وخلق شرعية زائفة للتنازل عن أرض مصرية، وتمهيد الأرض لتقوم الحكومة بتقديم دعوى تنازع اختصاص أمام الدستورية العليا، بزعم أن الاتفاقية تتنازعها جهتان قضائيتان، كل منهما أصدرت أحكاما مختلفة عن الأخرى، لتقوم المحكمة الدستورية العليا بتحديد الحكم واجب النفاذ".
الحكم مُلغى
من جهتها، قالت المحامية والناشطة الحقوقية دعاء مصطفى، إن "محكمة الأمور المستعجلة ليس من اختصاصها النظر من الأساس في هذه القضية؛ لأن النزاع حول اتفاقية ترسيم الحدود هو خلاف إداري مع الدولة، والجهة الوحيدة المنوط بها النظر في أي خلاف إداري هي مجلس الدولة".
وأضافت أن "الحكم الجديد يعدّ ملغى من الأساس، وليس له أي قيمة من الناحية القانونية"، مشيرة إلى أن "النظام يحاول استخدام هذا الحكم كشماعة يحاول من خلالها إقناع الرأي العام بأنه يحترم القضاء، وأنه حاصل على حكم قضائي يثبت أن تيران وصنافير تابعتان للسعودية".
وحذرت المحامية دعاء من أن "هذا الحكم قد يتسبب بصراع بين مجلس الدولة وبين محكمة الأمور المستعجلة؛ لأن حكم القضاء الإداري باتّ ونهائي وغير قابل للطعن، وبالتالي فليس من المنطق أن تصدر محكمة ليس لها أي اختصاص بقضية ما حكما يتعلق بها بعد أن انتهى التقاضي فيها".
النظام مستمر في العناد
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية مصطفى كامل، إن "من الواضح تماما أن النظام الحالي يحاول بشتى الطرق أن يتنازل عن الجزيرتين للسعودية، في إطار تقديم عدة تنازلات من أجل تحسين العلاقات بين البلدين مرة أخرى".
ولفت إلى أن "الحكم جاء بسبب حل الأزمة مع السعودية بعد لقاء السيسي مع الملك سلمان في القمة العربية، واتفاقهما على عودة العلاقات الثنائية".
وأضاف لـ"عربي21" أن البلاد ستشهد في المرحلة المقبلة أزمتين؛ الأولى أزمة قضائية برلمانية، والثانية قضائية قضائية، مؤكدا أن "النظام مستمر في العناد من أجل إرضاء السعودية، ولا يكترث بالأزمات الداخلية التي يخلقها بين سلطات الدولة؛ بسبب التخبط الواضح في إدارة هذا الملف الحساس".