نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للكاتب إيثان كاتز، حول زعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين
لوبان، ومواقفها من المسلمين واليهود، ومحاولتها تأليب كل من المجتمعين ضد الآخر.
ويشير الكاتب إلى أن لوبان أثارت ضجة كبيرة هذا الشهر، عندما أصرت على أن
فرنسا غير مسؤولة عن 13 ألف يهودي تم اعتقالهم من الشرطة الفرنسية في تموز/ يوليو 1942، وإرسالهم إلى أوشويتز، حيث صدمت تصريحاتها تلك الكثير من الناس، فلم يكن ذلك مناقضا لاتفاق المؤرخين فقط، لكنه يتعارض أيضا مع محاولاتها للحصول على أصوات المصوتين
اليهود.
ويستدرك كاتز في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "الغريب هو في الواقع ذكرها اليهود دون قرنهم بالمسلمين، فلطالما أوحت هي ومن سبقها في الحزب بأن اليهود والمسلمين مصدر خطر يعيش على هامش الشعب الفرنسي، وفي الوقت ذاته محاولة تأليب كل منهما ضد الآخر".
ويلفت الكاتب إلى أن "لوبان سعت منذ تسلمها قيادة الحزب عام 2011، إلى إعطاء الحزب صورة أفضل، محاولة تحرير الحزب من ظلال والدها، مؤسس الحزب ورئيسه لمدة 40 عاما، بالإضافة إلى أنها حاولت لعب موازنة صعبة، وهي أن تجعل حزبها، الذي طالما ارتبط بالتوجهات الفاشية، وكأنه واحد من الأحزاب الرئيسية التي تؤمن بالقيم الديمقراطية وقيم الجمهورية الفرنسية، والحفاظ في الوقت ذاته على قاعدة الحزب اليمينية المتطرفة".
ويبين كاتز أن "من الأشياء التي تقع في إطار الجهد الأول، هو إصرار لوبان على أنها تتبنى اليهود الفرنسيين، وترفض معاداة السامية، حيث قالت في حزيران/ يونيو 2014: (لا أتوقف عن القول لليهود الفرنسيين.. ليس فقط إن الجبهة الوطنية ليست عدوكم، لكنها دون شك أفضل درع لحمايتكم، إنها تقف إلى جانبكم للدفاع عن حريتنا في الفكر والدين ضد العدو الحقيقي الوحيد المتمثل في الأصولية الإسلامية)".
ويقول الكاتب: "لكن الشكليات لا يمكن أن توصل الشخص بعيدا، فعندما اقترحت لوبان حظر (شعارات التفاخر الدينية) في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2016، ثم في شباط/ فبراير 2017، فإنها لم تكن تقصد فقط الحجاب الإسلامي، بل أيضا القبعة اليهودية، وعندما سئلت عن القبعة اليهودية ردت بالقول إنها متأكدة بأن اليهود الفرنسيين مستعدون لمثل هذه التضحية الصغيرة للصالح الأكبر، وهو هزيمة الإسلاموية".
ويضيف كاتز: "حديثا اقترحت لوبان أن على المواطنين الفرنسيين الذين يحملون جنسية أخرى غير أوروبية أن يتنازلوا عن واحدة منهما، وهذا بالتأكيد يستهدف المسلمين في فرنسا، حيث يحمل الكثير منهم جنسية دول شمال إفريقية بالإضافة إلى الجنسية الفرنسية، لكن عندما سئلت في المقابلات عن إسرائيل، فإنها قالت إن إسرائيل بالتأكيد ليست دولة أوروبية، أي إنها لن تقبل بفرنسي يحمل الجنسية الإسرائيلية".
ويستدرك الكاتب بأن "نظرة عابرة للتاريخ تبين أن نظرة لوبان الجديدة في الواقع ليست جديدة أبدا، فكما أوضحت في كتابي (ذي بيردنز أوف برذرهود)، فإن اليمين المتطرف في فرنسا منذ ثلاثينيات القرن الماضي كان يذكر المسلمين واليهود في السياق ذاته، ويبين أنهما يختلفان عن بقية المجتمع، ويسعى في الوقت ذاته للإيقاع بينهما لاعتبارات استراتيجية".
وينوه كاتز إلى أنه "في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، ووسط أزمات اقتصادية وسياسية وثقافية، عادت معاداة السامية التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر إلى الواجهة، أما المسلمون فكانوا من المهاجرين الفقراء من الجزائر بشكل رئيسي، وكان لهم أيضا تصنيفهم الخاص بالأجانب الذين يشكلون خطرا على البلد، بالإضافة إلى أن قيادات اليمين المتطرف ظلوا متأثرين بالفكرة التي راجت بين المفكرين العنصريين في أوروبا لعقود، وهي أن هناك قرابة بين المسلمين واليهود، وأنهم كلهم (ساميون)".
ويجد الكاتب أنه "في هذا السياق، فإن التجمع اليميني (كرويكس دي فيو) صاغ نشرة في منتصف الثلاثينيات تشبه كثيرا ما قالته لوبان لليهود في 2014، لكن هنا قال التجمع للمسلمين إن عدوهم ليس الفرنسي بل اليهودي، وبالطريقة ذاتها التي زعمت فيها لوبان بأنها وحزبها غير معادين للمسلمين، فإن قائد التجمع اليميني الكولونيل فرانسوا دي لاروكيو، أصر أمام جمهور يهودي بأنه موجة لاسامية ستكون كارثية بالنسبة لفرنسا، وتم نقد هذين الموقفين المتناقضين في رسم كاريكاتوري عام 1936 شبه فيه لاروكيو بالإله الإغريقي ياونس ذي الوجهين، ويمكن إعادة منتجة الرسم ذاته ليمثل لوبان".
ويذكر كاتز أنه "في مرحلة نظام فيشي بقيادة الديكتاتور المارشال فيليبي بيتين، فرض اليمين المتطرف رؤيته لما يجب أن تكون عليه البلد، ولم يكن فقط الضغط النازي، بل بمبادرة من فيشي تم تصوير اليهود على أنهم هم (الآخر)، وتبع ذلك إبعاد لحوالي ربع اليهود وتم قتلهم، وتنافست حكومة فيشي والنازيون على خطب ود المسلمين، من خلال دعاية معادية للسامية، لكن لم يحقق نجاحا يذكر".
ويورد الكاتب أنه "في السنوات التي تبعت الحرب العالمية الثانية تمت إعادة خلط الأوراق، خاصة أن معاداة السامية هزمت وبدأت التساؤلات حول الاستعمار، وخاضت فرنسا حربا دامت 8 سنوات في منتصف الخمسينيات في الجزائر، هذه الحرب والحرب التي خاضتها إسرائيل جعلتا الكثير من اليمينيين المتطرفين يشعرون بتعاطف مع دولة إسرائيل الناشئة، وزاد هذا الشعور بعد حرب عام 1967، وشعر ما يزيد على المليون من مستوطني الجزائر بالخذلان من قرار الجنرال دي غول مغادرة الجزائر، ورأوا في إسرائيل مثالا على الدفاع عن المدنية ضد العرب الكفار الذين يسعون لغزوها".
ويفيد كاتز بأن "جان-ماري لوبان، الذي أسس الحزب (الجبهة الوطنية) عام 1972، من حزبيي الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وحصل حزبه على دعم الكثير من مؤيدي نظام فيشي، كان تركيزه حول المخاطر الناجمة عن الهجرة، خاصة المهاجرين المسلمين، وتصوير موقفه هذا على أنه دفاع عن الغرب".
ويقول الكاتب: "وحتى لا نظن أن الجبهة الوطنية في 2017 تحولت عن (المسألة اليهودية) إلى مسألة المسلمين، فإن لوبان تذكرنا دائما أن على الحزب أن يبقي المجتمعين في الهدف".
ويخلص كاتز إلى القول إن "تكرار لوبان لذكر اليهود في الوقت الذي تذكر فيه المسلمين، يحقق لها ثلاثة أهداف: الأول هو أنها تطمئن جمهورها التقليدي، الذي يتميز بمعاداة السامية، بأنه لم يتغير شيء، وثانيا بتضمين اليهود فإنها تقول إن المسألة ليست عداء للمسلمين، وأخيرا فهي تطالب بالتضحية من الجميع لمنع وقوع ما تتنبأ به من غزو الإسلاميين لفرنسا الأوروبية المسيحية".