على الرغم من تربعه على قائمة شباك التذاكر العالمي لأعلى مبيعات خلال الأسبوع الأول لعرضه بدور السينما، يواجه
فيلم "
دونكيرك" الحربي انتقادات لاذعة واتهامات بـ"
العنصرية وتزوير التاريخ".
وبلغت إيرادات الفيلم في الأسبوع الأول للعرض 105 مليون دولار، وتدور أحداثه الدرامية الحربية حول عملية الإجلاء لمئات آلاف جنود الحلفاء من بلجيكا وبريطانيا وفرنسا، بعد تقطع السبل بهم ومحاصرتهم من قبل الجيش الألماني على شاطئ "دونكيرك" بفرنسا عام 1940.
وقالت الكاتبة سوني سينغ في صحيفة الغارديان البريطانية إن الفيلم "يحاول أن يمحو من الذاكرة وجود قوات من الهند في تلك العملية، على الرغم من أنها لم تكن فقط على الشاطئ، بل كانت مكلفة بنقل الإمدادات عبر تلك التضاريس التي تعذر على آليات القوة العسكرية البريطانية اجتيازها".
وأوضحت سينغ في المقالة التي ترجمت "
عربي21" مقتطفات منها أن الفيلم يتجاهل حقيقة أنه بحلول عام 1938 كان العدد الأكبر من أفراد طواقم السفن التجارية البريطانية، التي شاركت في عمليات إجلاء الجنود كانوا من جنوب آسيا وشرق إفريقيا.
ولفتت الكاتبة إلى أن محاولات نولان تغيير الرواية التاريخية وتغليب ذوي البشرة البيضاء، لم تقتصر على البريطانيين بل شملت الجيش الفرنسي المنتشر في دونكيرك، وكان يضم جنودا بأعداد كبيرة من المغرب والجزائر وتونس والمستعمرات الأخرى.
وأشارت إلى أن الفيلم "الأوامر العنصرية قرّت الحياة والموت لأفراد قوات المستعمرات البريطانية والفرنسية في دونكيرك، حين تم التخلي عن الجنود الهنود في عملية الإخلاء ليواجهوا الموت على يد الألمان".
وقالت الكاتبة إن الدقة والواقعية تشير إلى أن قوات المستعمرات كانت حاسمة في تجنب كارثة مطلقة للحلفاء، لكن بوجود ميزانية كبيرة لإنتاج الفيلم وعدم ظهور الأشخاص "من غير البشرة البيضاء"، فعلى المرء الافتراض أن هناك تعمدا في إخفاء وجود أؤلئك الذين يعتبرون أقل مستوى.
وأضافت: "إنتاج ضخم وأبيض كامل مثل دونكيرك ليس عابرا، فمثل هذا الفيلم بميزانيته الكبيرة هو نتاج مئات القرارات الصغيرة والكبيرة للإنتاج والتوجيه والتحرير ليظهر بهذا الشكل".
وقالت إن مخرج العمل كريستوفر نولان ربما اختار أن يحذو حذو الحلفاء الأصليين في الحرب العالمية الثانية، الذين قاموا بتحرير أبيض البشرة فقط لباريس على الرغم من أن 65 بالمائة من قوات الجيش الفرنسي الحر، كانوا من غرب إفريقيا (تونس والمغرب والجزائر).
وأوضحت أن هذا "الخيال الخالي من الحقائق هو نتاج إعادة كتابة التاريخ البريطاني على مدى العقود الماضية، وليس على الأقل من خلال السياسات المتعمدة فنولان يمشي على خطى كل من مخرجي السينما والسياسيين الذين اختاروا تبييض الماضي".
وتساءلت الكاتبة سينغ: "لماذا من الضروري نفسيا أن يتم إنقاذ القوات البريطانية البطولية من قبل البحارة البيض فقط؟ ما الذي يمكن أن يتغير إذا كان الرجال الشجعان الذين يقاتلون في دونكيرك يرتدون العمائم بدلا من الخوذ.. وماذا سيتغير إذا عرض بعض الجنود وهم يؤدون الصلاة على الرمال قبل أن يقتلوا بمواجهة العدو المتقدم للمرة الأولى؟".
من جانبه قال الصحفي والكاتب البريطاني روبرت فيسك إن نولان في فيلمه لم يعترف بوجود قوات مسلمة في "دونكيرك"، على الرغم من مشاركة جنود الكومنولث الهنود المسلمين (باكستان حاليا قبل استقلالها)، علاوة على أفواج جزائرية ومغربية في الجيش الفرنسي.
وأشار فيسك في مقالة له على صحيفة "إندبندنت" إلى أن المواطنين البريطانيين من الأقليات العرقية، أظهروا شجاعة هائلة في مرحلة مبكرة من الحرب العالمية الثانية بمواجهة النازيين، وكان أحد أشجع رجال الجيش خلال المعارك رجل أسود البشرة، وعلى الرغم منذ ذلك فإننا لم نر عنه أي فيلم إلى الآن.
وفي المقابل يلفت فيسك إلى الفيلم الفرنسي الذي صدر بالمملكة المتحدة باسم "أيام المجد"، وكان يشيد بشجاعة الجنود الجزائريين الذي قاتلوا ضد النازية بعد هبوط الحلفاء في جنوب فرنسا، وتضمن عرض عنصرية رفاقهم الفرنسيين البيض.
وقال إن أحد المشاهد كان يتضمن أن جنديا من أبناء شمال إفريقيا يسقط جريحا، ويبدأ الصلوات بالقرآن ثم يأتي جندي ألماني ويعدمه.
ولفت فيسك إلى أن "التاريخ لا يكتبه المنتصرون فقط بل يكتبه أيضا المخرجون" في معرض انتقاده لفيلم "دونكيرك"، وقال إنه "يتعين تصوير القصة الحقيقة لما جرى للوحدات الجزائرية والمغربية في دراما مرعبة، حين قام الألمان بإلقاء اللحم النيء بأقفاص السجن التي أسروا فيها ليحاربوا من أجل الطعام ويمزقوا اللحم إلى قطع مثل الحيوانات".
وختم بالقول: "الجزائريون ذبحوا من قبل النازيين لأسباب عنصرية أيضا".