مع بدء الدراسة في
مصر، اشتكى أولياء الأمور من ارتفاع
أسعار الأدوات الدراسية والمصروفات المدرسية، بشكل مبالغ فيه، ولا تتناسب مع قدرات الغالبية العظمى منهم، فيما حذر خبراء تربويون واقتصاديون من مغبة انتهاء عصر مجانية التعليم، وزيادة نسب
الأمية بين الفقراء؛ بسبب عزوف الأسر الفقيرة عن استكمال أبنائهم للتعليم.
وارتفعت الأسعار ما بين 100 و150% مقارنة بالعام الماضي؛ بعد تعويم الجنيه قبل نحو أقل من عام (تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي)، ما فاقم من معاناة الأسر المصرية المتوسطة وما دونها، مع زيادة عدد الملتحقين بالدراسة في بعض الأسر.
أسعار المواد الخام
وكشف إسلام عبدالعظيم، مدير إحدى المطابع بالقاهرة، عن "ارتفاع أسعار المواد الخام (الورق) بشكل حاد في أعقاب تعويم الجنيه، وتشديد إجراءات الاستيراد، وتعقيدها، ما ساهم في خلق أزمة مادية للكثير من الأسر التي تستقبل العام الدراسي بالمزيد من متطلبات الدراسة".
وتستهلك مصر 500 ألف طن من الورق تستورد نحو نصفه من الخارج؛ بسبب تكلفة الإنتاج العالية، ونقص الإمكانيات، والاعتماد على ماكينات ليست حديثة، وشح الخامات اللازمة للصناعة.
وسجل سعر طن الورق زيادة صارخة، ليصل إلى 16 ألف جنيه للطن، ارتفاعا من نحو ستة وسبعة آلاف للطن قبل أقل من عام؛ بسبب انهيار قيمة الجنيه، وزيادة استهلاك معدل الورق؛ نتيجة زيادة عدد السكان، وبالتالي زيادة عدد الطلاب الجدد في كل عام.
وأشياء أخرى
وعزا عضو شعبة الورق السابق، محمد السيد، ارتفاع سعر الورق إلى سبب آخر "يتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة"، وقال لـ"
عربي21": إن "ارتفاع أسعار الطاقة ما بين 100 و150 بالمئة تسبب في ارتفاع تكاليف الإنتاج، والنقل، وصيانة المعدات بالزيوت والشحوم اللازمة".
فيما أكد عزت جلال، صاحب مكتبة المنارة للأدوات المدرسية بالقاهرة، "تراجع إقبال الأسر عن شراء المستلزمات المدرسية إلا بالقدر المحدود؛ نظرا لارتفاع أسعار الورق".
وقال لـ"عربي21": "هناك حالة من الذهول بسبب الأسعار"، مشيرا إلى "ارتفاع أسعار دستات (رزمة) الكراسات والكشاكيل إلى 25 و35 جنيها بدلا من 15 و20 جنيها، ناهيك عن الكتب والملخصات الخارجية، والأدوات الدراسية الأخرى من أقلام وألوان وأدوات هندسية، وغيرها".
حيل الأسر المصرية
وقالت سعاد سعيد، موظفة بإحدى الجمعيات الخيرية لـ"
عربي21": "ارتفع سعر شنط
المدارس من مئة ومئتي جنيه للنوع الفاخر قبل عام إلى ثلاثمئة وستمئة جنيه، بالتأكيد هناك الكثير من الأسر لن تشتري حقائب جديدة، وستعيد استخدام حقائبها القديمة مجددا، وأنا واحدة من هؤلاء، لا يمكنني توفير المال لشراء أدوات مدرسية بنحو ألف جنيه لثلاثة أطفال".
وكشفت أن "الكثير من الأسر المصرية لجأت إلى حيل كثيرة؛ لتجنب دفع المال دفعة واحدة، منها شراء ما تحتاجه لمدة شهر واحد فقط، على عكس ما كانت تفعل قبل عام بشراء احتياجات الفصل الدراسي بالكامل، الاستغناء عن الأنواع الغالية والاكتفاء بالأنواع زهيدة الثمن، إشراك الأبناء في الأغراض المدرسية كالألوان، والأدوات الهندسية، وغيرها".
العودة إلى الأمية
وتعدّ مصر من أكثر الدول العربية في عدد الأميين، بنسبة 22.6%؛ حيث ارتفع عددهم إلى 14.3 مليون شخص، أي ما يعادل فرد من كل 5 أفراد، معظمهم في محافظات الصعيد والدلتا.
وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء في آخر تقرير له لعام 2016 ارتفاع نسبة الأمية بين الإناث بـ9 ملايين، مقابل 5.3 مليون للذكور.
غياب الرؤية
وأنحى المستشار الاقتصادي للمجموعة الدولية وإدارة المراكز التجارية، أحمد خزيم، باللائمة على الأزمة الاقتصادية، قائلا: "الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على الجميع، وينتج عنها سلسلة من الأزمات الاجتماعية تصيب المجتمع؛ ولهذا كنا دائما نؤكد أن الاقتصاد علم تأثيري وليس علما حسابيا، خاصة في أحد أهم أساسيات التنمية؛ التعليم والصحة".
وأضاف لـ"
عربي21": "وكما تعاني الصحة وأسعار الأدوية من ارتفاعات بعد تحرير سعر صرف الجنيه بصورة أدت إلى احتقانات في الطبقة الوسطى والفقيرة، جاء الدور على التعليم، لتصاب فيه الأسرة المصرية بلهيب ارتفاع المصاريف، والأدوات التي يحتاجها التلاميذ، من كتب ولوازم مدرسية ووسائل نقلهم للمدارس".
وحذر من "إصابة العملية التعليمية بكارثة بزيادة نسبة التسرب من التعليم، وإذا أضفنا الدروس الخصوصية يصبح المنتظر من مخرجات التعليم أكثر سوءا، وهو ما يتضح جليا من خروج مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم؛ ما ينذر بعواقب سيئة تنعكس على التنمية والثقافة المصرية وارتفاع نسب الأمية، وذلك في ظل غياب تام للرؤية من السلطة الإجرائية (الحكومة) والسلطة الرقابية والتشريعية، ونصبح أمام أزمة سيدفع ثمنها الوطن بقيمة تزيد تماما عن ما يطلق علية إصلاح اقتصادي".