أخيرا بان "السوس" الذي ينخر "النظام الخامنئي"
في إيران إلى العلن. لم يعد ذلك نتاج حملات منظمة من أعداء النظام، وإنما فعل كلام
جدي وخطير في توصيف بعض أمراض هذا النظام، الذي ما زال على حاله منذ ثلاثين عاما،
بحيث لم يتطور ولم يتعدل وكأنه قدس الأقداس، مع العلم أنه عندما وُضع قبل أربعين
عاما تقريبا كانت الأوضاع مختلفة والأجواء الثورية لا علاقة لها بما هي عليه إيران
والعالم اليوم.
لأول
مرة يحذّر أقطاب من النظام من وصول الوضع إلى حافة الخطر. شخصية عاقلة مثل وزير
الخارجية جواد ظريف: "الجميع من إصلاحيين ومتشددين الخ جالسون في مركب
واحد... المحافظة على الوحدة الداخلية، أوجب من خبز الليل للإيرانيين". ظريف
الذي صرح لوكالة "ايسنا" الناشطة داخليا أضاف واضعا يده على
"الجرح": "لا تظنوا أن روحاني اذا ذهب وجاء المحافظون سينجحون في
إصلاح الوضع". وأخيرا في وقت روّج فيه خامنئي بعدم الاهتمام بإلغاء الاتفاق
النووي، قال ظريف الذي قاد مفاوضات الاتفاق النووي "أن فشل الاتفاق النووي
سيكون خطيرا جدا. هذا الحل ليس الذي اختاره النظام".
الكلام
العلني عن أزمة النظام، ارتفع منسوبه بعد ظهور طموح "الحرس الثوري"
للانتقال من موقع صانع المواقف والقرارات إلى إدارة النظام مباشرة. مؤخرا تزايد
الحديث الجدي بأن "الحرس" يرغب باختيار الأميرال علي شمخاني رئيسا جديدا
للجمهورية. مثل هذا الطرح "لا يعدو أن يكون اكثر من عملية استطلاع
بالنار"، لأنه من المستحيل اختيار عربي رئيسا للجمهورية، فالمعروف أن شمخاني
لم يُخفِ يوما انتماءه إلى قبيلة عربية في خوزستان (عربستان). لذلك طرحت المصادر
نفسها محسن ابن هاشمي رفسنجاني لخلافة روحاني.
فتح
ملف خلافة الرئيس حسن روحاني ليس إلا للقفز فوق طرح خلافة روحاني للمرشد آية الله
علي خامنئي. الرد جاء سريعا من احد اقرب المساعدين للرئيس روحاني. حسين موسويان
السفير السابق في ألمانيا والمفاوض في المفاوضات النووية والقريب من روحاني ذهب
بعيدا فقال: "يجب إعادة ترتيب البيت الداخلي. اطلب من الرئيس روحاني
الاستقالة وإجراء انتخابات. اذا استمرت الأوضاع ستؤدي إلى أضرار كبيرة بالنظام لا
يمكن جبرها".
إذا
كان القريب من روحاني يدعوه لترك السفينة ليتحمل الجميع المسؤولية، فإن الرئيس
السابق احمدي نجاد الذي ينطبق عليه المثل الهندي بدقة "لا تقل عن سياسي انه
مات حتى ترى رماده" قد ظهر من جديد مع طرح جريء. في رسالة وجّهها إلى خامنئي
طالبه فيها بـ "إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وإجراء تعديلات جدية
تنتج تحديدا لصلاحية الولي الفقيه". طلب نجاد المتعلق بصلاحيات المرشد ليس إلا
تأكيدا بأن الإيرانيين تعبوا من السلطة المطلقة للمرشد منذ ثلاثة عقود، والتي
حولته إلى شبه ديكتاتور رغم الانتخابات الرئاسية التي تنتج ما يشبه رئيسا للوزراء
ينفذ اكثر مما يصيغ ويقرر.
لا
شك أن الأزمة الاقتصادية العميقة والخطيرة دفعت وتدفع الإيرانيين إلى التغيير
لإنقاذ الأوضاع. لم يعد خافيا على الشعب الإيراني أن النظام ينزلق بسرعة قياسية
نحو النهاية مثل النظام السوفياتي... في خلال ستة أشهر تقريبا انهار الريال الإيراني
حوالي الضعف من سعره بالنسبة للدولار . كان سعر الدولار حوالي 42 الف ريال في حين
بلغ يوم السبت بين 82 الف و86 الف ريال ، مما أدى إلى تضاعف الأسعار فورا فخرج
التجار والنَّاس العاديين في البازار وهم يهتفون "اتركوا سوريا" مما
يؤكد أن الإيرانيين يعرفون سبب الانهيار، أي الإنفاق الخارجي، خصوصا إنفاقات
"الحرس" الهائلة على الساحات الخارجية، تماما كما حصل مع الاتحاد
السوفياتي عندما استهلك حماس الكوبيين في حروبهم الخارجية...
ما
لم يتم وقف الانهيار الاقتصادي والمالي فإن مظاهرة البازار ستتحول إلى إعصار يطيح
بكل شيء، تماما كما حصل في الاتحاد السوفياتي عندما طالب السوفيات النظام بالاهتمام
بالداخل، فتابع مغامراته بحجة مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية...
المستقبل اللبنانية