المتابع للأزمة الحالية بين السعودية وكندا يلاحظ عدة تناقضات صارخة في موضوع حقوق الإنسان والتدخل في شؤون الغير. فموضوع حقوق الإنسان موضوع شائك ومعقد، وغالبا ما تختلف الآراء ووجهات النظر حوله. ما هو متفق عليه أن الكثير من الدول سواء من تسمى بالدول الديمقراطية والمتقدمة أو الدول النامية والمتخلفة، تنتهك هذه الحقوق أمام الرأي العام المحلي أو الدول.
بشهادة واعتراف الجميع سُجن واعتقل مئات من علماء الدين والنشطاء السياسيين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي في السعودية، دون محاكمة ودون إجراءات تسمح لهم بالدفاع عن حقوقهم.
حادثة "الريتز كارلتون" مثال صارخ على تخبط المملكة في عهد آل سلمان بتصرفات بعيدة كل البعد عن احترام حقوق الانسان والرأي والرأي الآخر. والغريب في الأمر هو رد فعل المملكة على مطالبة كندا إطلاق سراح المعتقلين السعوديين واحترام حقوق الإنسان، الأمر الذي اعتبرته المملكة تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية، وهذا ما يجرنا للكلام عن التدخل السافر في شؤون الدول الأخرى.
وهنا نطرح عدة تساؤلات وننتظر من خبراء حقوق الإنسان السعوديين الإجابة عليها: ماذا تفعل القوات العسكرية السعودية في اليمن؟ وماذا تفعل المملكة في سوريا وليبيا ومصر وتونس والقائمة قد تطول. فالمملكة العربية السعودية لا يحق لها ولا يجوز أن تعطي دروسا للآخرين فيما يتعلق "بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول"، وهي تنتهج سياسة خارجية قائمة على انتهاك هذا المبدأ. ولا تستطيع أن تعطي دروسا في حقوق الإنسان للآخرين، وهي تقوم بفرض حصار جائر ودون مبرر على دولة جارة وعضو في مجلس التعاون الذي يجمع الدول الخليجية الست.
ما أعلنته السفيرة الكندية عبر تغريدتها بخصوص إطلاق صراح المعتقلين، ما هو إلا كلمة حق في واقع تسلطي، استبدادي ومؤسف وأي سعودي أصيل يعترف بذلك أمام النظام السعودي نفسه والرأي العام الدولي.
تصرف السعودية ورد فعلها إزاء الأزمة الكندية بعيد كل البعد عن الدبلوماسية والكياسة، ويعكس تهور دولة لا تدرس جيدا قراراتها، حيث إن الخاسر الأول هو السعودية ورعاياها الموجودون في كندا سواء تعلق الأمر بالطلبة (16.000) أو المرضى.
أفرز الحصار المفروض على دولة قطر انعكاسات وتداعيات كثيرة طالت مجالات عديدة من بينها حج بيت الله الحرام. ومن المؤسف جدا أن يُسيس الحج وأن تتسع رقعة الحصار إلى علاقة الإنسان بربه. فمن جهة نسمع ونقرأ ونشاهد أئمة وفقهاء يؤكدون ويصرون على عدم إقحام السياسة في الدين والشعائر، كقول إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد، "إن سياسة المملكة منذ إنشائها، تشدد على أن الحج والديار المقدسة ليست ميدانا للعصبيات المذهبية". وأكد الشيخ صالح خلال خطبة الجمعة، أن "هذه الثوابت لا تمنع أحدا قصد هذا البيت أيا كان موقفه السياسي، أو توجهه المذهبي"، مضيفا: "لقد علم حجاج بيت الله وزوار مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موقف المملكة الحازم في المنع الصارم من أن يُحوّل الحج إلى منابر سياسية، تتصارع فيها الأفكار والأحزاب والطوائف والمذاهب". ومن جهة أخرى يكشف لنا الواقع تصرفات تتناقض جملة وتفصيلا مع تعاليم الدين الحنيف. حجاج قطر هذه السنة كما في السنة الماضية حُرموا من حج بيت الله الحرام بسبب الحصار السافر المفروض على قطر. حصار شهد العالم برمته أنه سافر وباطل ولا أساس للمطالب والمبررات التي قدمتها دول الحصار.
تحول ما يعرف بـ "تسييس الحج" – يتناقض جملة وتفصيلا مع حقوق الإنسان وتعاليم الدين الحنيف- إلى موضوع الساعة، بعد الجدل الذي انتشر مؤخرا بين قطر والمملكة العربية السعودية، على خلفية قول الرياض بأن الدوحة تنادي بتدويل الحج، بعد اتهامها للرياض باستخدامه سياسيا. وكانت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان القطرية وهي هيئة مستقلة، قد خاطبت المقرر الخاص بالأمم المتحدة، المعني بحرية الدين والعقيدة، حول العراقيل والصعوبات أمام حجاج دولة قطر من المواطنين والمقيمين، من أداء مناسك الحج، وقالت اللجنة في بيان لها، إنها عبرت عن "قلقها الشديد إزاء تسييس الشعائر الدينية واستخدامها لتحقيق مكاسب سياسية"، وقد أدى ذلك إلى تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بأن المملكة ترى دعوة قطر لتدويل مناسك الحج على أنها إعلان حرب، ليخرج بعدها وزير الخارجية القطري، نافيا أي دعوة قطرية للتدويل ويقول: "لم يصدر أي تصريح من أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج، كما لم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية".
ويمثل الجدل الأخير بشأن تسييس مناسك الحج، إحياء لجدل قديم ظهر في أكثر من مناسبة خلال أكثر من موسم، مع العديد من الدول الإسلامية كالعراق وسوريا وليبيا وغيرها، وكانت وزارة الأوقاف السورية قد أكدت في بيان لها مؤخرا، أن السلطات السعودية تواصل حرمانها المواطنين السوريين من أداء فريضة الحج لهذا العام أيضا، تعتبر إيران صاحبة القسط الأوفر، في هذا المجال إذ إنه منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، يكاد لا يمر موسم للحج إلا ويشهد خلافات ونزاعات من هذا القبيل، وهو ما حدا بإيران إلى دعوة قديمة تتجدد مع كل عام، بتدويل المشاعر المقدسة في المملكة العربية السعودية، بحيث تتم عملية تنظيم الحج تحت إشراف هيئة إسلامية تضم وفودا من العديد من الدول. إن السعودية تستخدم مناسك الحج، كورقة ضغط على بعض الدول التي لا تتناغم معها سياسيا، والتي لا تسير وفق أجندتها مثل إيران وقطر وغيرها، وهي في ذلك تقوم بتسييس مناسك روحية ودينية ومعنوية. لم يكن الحجاج القطريون هو الممنوعون الأوائل من أداء فريضة الحج بقرار سياسي من السلطات السعودية، فقد سبقهم في القائمة قطاعات واسعة من السوريين والليبيين واليمنيين والفلسطينيين، والعام الماضي تم منع الإيرانيين بالكامل، هذا المنع أثار جدلا واسعا على المستويات الشعبية والحقوقية كافة، حيث انتقدوا تسييس موسم الحج بسبب الخلافات السياسية، ولكن من الواضح أن السلطات السعودية بدلا من أن تسهل عملية الحج لجميع المسلمين في العالم، جعلته مناسبة لتصفية الحسابات السياسية، ويرى كثير من المحللين أن الرياض اتخذت من الحج أداة للضغط على الحكومات، وهو ما تجلى خلال الأزمة الخليجية حيث حاولت السلطات السعودية توجيه الفريضة للنيل من قطر والقطريين، مثلما كان الحال مع الحجاج الإيرانيين في السنوات الأخيرة، ولوّحت السعودية بورقة الحج لأول مرة في هذه الأزمة، عندما أعلنت حصارها لقطر برفقة البحرين والإمارات ومصر، وفوجئت برفض دول عربية وإفريقية إسلامية اتخاذ خطوات مماثلة لها ومجاراتها في حملتها على قطر.
عن صحيفة الشرق القطرية