لم يعد خافيا أن أنظمة عربية بعينها تحرض المجتمع الدولي ضد الإخوان المسلمين وتصفها بأنها الحاضنة للتطرف والإرهاب، ووصل التحريض حدا غير مسبوق عندما قام الرئيس المصري بالطلب من دول العالم بمراقبة المساجد. والحق أن مصر والإمارات والسعودية تناصب الإخوان المسلمين العداء؛ ليس لأن الإخوان متطرفون، بل لأنهم معتدلون ويمكن أن يشكلوا بديلا. وتوظف هذه الأنظمة الإسلام السياسي بشكل عام كفزاعة في الغرب، لعل الأخير يغض البصر عن الاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان المستشري في هذه الدول.
تنشط هذه الأيام بعض الشخصيات المؤثرة في الإدارة الأمريكية باتجاه تصنيف الإخوان المسلمين حركة «إرهابية»، الأمر الذي ستكون له تبعات كثيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها. طبعا، هناك في الغرب حالة من الإسلاموفوبيا لها سياقها الخاص، وهناك أيضا حركات متطرفة ناشئة ضمن سياق محلي، لكن ليس للإخوان المسلمين أي ارتباط مباشر أو غير مباشر بهذا التطرف. وعلاوة على ذلك، تؤمن حركة الإخوان المسلمين بالديمقراطية، وهي تمارس نشاطها السياسي بشكل سلمي على عكس الأنظمة المتحالفة مع الغرب، التي تقوم بقمع الإخوان المسلمين بالقوة. وإذا كان هذا التحليل دقيقا، وأحسبه كذلك، فلماذا تحاول إدارة ترامب تصنيف حركة الإخوان المسلمين حركة إرهابية؟!
على نحو لافت، ترى الدولة العميقة بالولايات المتحدة أن اعتبار الإخوان المسلمين حركة «إرهابية» سيكون أمرا سيئا، فخبراء وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) يرون في قرار كهذا سببا لرفع منسوب التطرف.
واللافت أن تقريرا صدر عن السي آي إيه نشر في الحادي والثلاثين من كانون الثاني/يناير 2017 يفيد بأن حركة الإخوان المسلمين لها أتباع بالملايين في مختلف أنحاء العالم، وأن الحركة قد رفضت العنف وقامت في الوقت ذاته بمعارضة تنظيمي القاعدة وداعش، كما عارضت أيضا غيرها من حركات التطرف.
ويرى تقرير نشر بصحيفة الواشنطن بوست أن الملايين السبعة من المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، سيتم استهدافهم بهذا التصنيف، وهناك العديد من النشطاء المحليين في أمريكا لهم علاقات مع الإخوان المسلمين، مما يعني أنه يمكن ملاحقتهم قضائيا باعتبارهم أعضاء في التنظيم، وهذا بدوره سيزرع الخوف والإرباك في قلوب المسلمين الأمريكان.
لا نذيع سرا عندما نقول إن الرئيس دونالد ترامب يكره الإسلام، ومقولته إن «الإسلام يكرهنا»، تخفي في ثناياها موقفا عنصريا ضد الإسلام، وهو ما تجلى في بداية رئاسته عندما حاول منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة. فالمسألة ليست مسألة خلاف أمريكي مع نظام عربي أو دولة مسلمة، لكنها أعمق من ذلك بكثير؛ فترامب متأثر بمقولات برنارد لويس وبنيامين نتنياهو عندما فسرا أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر كنتاج كراهية المسلمين لأمريكا، بسبب القيم الغربية والتفوق الغربي! وكل ما يقوم به ترامب حاليا من سياسات ومحاولات لتصفية القضية الفلسطينية، يأتي في سياق احتقاره للعرب والمسلمين واعتقاده بأن لأمريكا حقا في أموال العرب والمسلمين. وما علينا إلا متابعة ما يقول في لقاءاته الجماهيرية إذ تكثر زلات اللسان التي تكشف عن إيمان الرئيس بمقولات صموئيل هنتنغتون وصراع الحضارات، التي تكشف أيضا عن عنصرية بغيضة لا تليق برئيس أقوى دولة في العالم.
بكلمة، من شأن تمرير هذا القرار أن يقوض حقوقا دستورية لملايين الأمريكان المسلمين، وسيجعلهم يشعرون بأنهم غرباء بدلا من أن يكونوا مواطنين. والأهم أن قرارا من هذا النوع سيشجع أنظمة الاستبداد في المنطقة العربية على التنكيل بالإخوان المسلمين، مما قد يدفع جزءا منهم إلى مقاربات عنيفة سندفع جميعا ثمنا لها في قادم الأيام.
لكن، قبل أن نلقي باللوم على إدارة ترامب، علينا أن نتذكر بأن بعضا من الأنظمة العربية هي من يشن حربا شعواء على الإسلام السياسي المعتدل وتحاول شيطنته.
عن صحيفة الشرق القطرية