نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحافي توم بيركينز من ديترويت، يقول فيه إن مسيحيي العراق يشعرون بخيانة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن إدارة ترامب تريد ترحيل أكثر من 1400 مواطن عراقي، معظمهم من الكلدان الكاثوليك العراقيين، الذين رأوا في ترامب "منقذا"، لكنهم يشعرون الآن "بالخيانة".
ويقول بيركينز إن الشرطة الأمريكية اعتقلت المهاجر العراقي الكلداني راني يوسف، ومعه كمية صغيرة من الماريجوانا، مشيرا إلى أنه أنهى فترة الرقابة، ودفع الغرامات، وتم إسقاط الإدانة عنه عندما أصبح عمره 21 عاما.
وتلفت الصحيفة إلى أنه مع ذلك، فإنه في وقت سابق من هذا العام وجد يوسف سيارته محاطة بضباط من دائرة الهجرة والجمارك، الذين اعتقلوه ثانية للتهمة ذاتها، وبقي في سجن ميتشغان لأشهر، ينتظر احتمال الإبعاد إلى العراق، الذي تركه قبل أربع سنوات، مشيرة إلى أنه ليست له عائلة هناك، ولا يتكلم اللغة العربية، وهو جزء من أقلية دينية مستهدفة من المتطرفين.
ويورد التقرير نقلا عن يوسف، قوله: "كوني شخصا كاثوليكيا يحمل وشم الصليب ولكون العراق بلد مسلم – ربما يقتلونني".
وينوه الكاتب إلى أن يوسف واحد من 1400 عراقي تحاول إدارة ترامب ترحيلهم للعراق. معظمهم من الكلدانيين -الكاثوليك العراقيين- الذين يعيشون في ديترويت، التي يعيش فيها أكبر عدد من الكلدانيين خارج العراق.
وتفيد الصحيفة بأن الكثير من الكلدانيين يرون أن جهود الترحيل "خيانة" فظيعة، ليس أقلها لأن الكثير من أفراد التجمع مؤيدون لترامب، وصوتوا له بأعداد كبيرة عام 2016.
ويشير التقرير إلى أن التجمع، الذي هو في الغالب محافظ، ويتضمن ما بين 70 ألفا إلى 80 ألف ناخب، أيدوا ترامب بشكل كبير عام 2016 في ولاية فاز فيها بفارق 10 آلاف صوت فقط، وفعلوا ذلك بعد أن صور ترامب نفسه على أنه "المنقذ" الذي سيدعم المسيحيين المضطهدين، لافتا إلى أن هناك لافتات تحمل عبارات مثل "الكلدانيون مع ترامب" ظهرت في تجمعات الحملة الانتخابية لترامب، وفي حدائق أوكلاند كاونتي، وهي منطقة ثرية من ديترويت حيث يتركز التجمع.
ويستدرك بيركينز بأنه بعد أشهر قليلة من مجيء إدارة ترامب، فإن دائرة الهجرة والجمارك قامت بإلقاء القبض على 350 كلدانيا وعراقيا، مشيرا إلى أن الكلدانيين يحتجون الآن وهم يحملون لافتات تذكر ترامب: "لقد وعدت أن تحمينا".
وتنقل الصحيفة عن محامي الهجرة الكلداني إدوارد بوجوكا، قوله: "بعض الناس اعتقد أن (هذا ترامب قد أتى وهو يتحدث بشكل جيد عن المسيحيين في الشرق الأوسط وأنه يتم اضطهادهم)، فاستغل كثير من الناس في المجتمع الكلداني، وقالوا: (إنه إلى جانبنا)، و(الآن) يشعر بعض الناس أنهم خدعوا".
ويجد التقرير أنه في الوقت الذي توجد فيه خيبة أمل شاملة من خطة الإدارة لترحيل الكلدانيين، إلا أن بعض قيادات الكلدانيين يقولون بأنهم يرون ترامب صديقا.
ويلفت الكاتب إلى أن من بين هؤلاء مدير مؤسسة الكلدانيين وناشر صحيفة "تشالديان نيوز"، مارتن حنا، الذي قال إن أولويات الأحزاب السياسية تجعل الكلدانيين يتعاملون مع واشنطن بأسلوب غير عادي، فالجمهوريون يبدون اهتماما أكثر من الديمقراطيين في حماية المجتمعات المسيحية في الخارج، لكن الديمقراطيين أكثر مساعدة في قضايا الهجرة، وأضاف: "يسأل الناس (لماذا لا تشجبون ترامب؟) ونقول دائما إننا نحتاج الجميع.. ونأمل من خلال الاتصال مع الجميع أن نستطيع التوصل إلى حل".
وتذكر الصحيفة أن إدارة ترامب قامت بترحيل ما لا يقل عن 130 عراقيا، بالإضافة إلى أنه تم ترحيل آخرين خلال إدارة أوباما، وأشارت دائرة الهجرة والجمارك إلى أن المستهدفين لديهم سجل جنائي، لكن رسائل بريد إلكتروني داخلية حصل عليها اتحاد الحريات المدنية الأمريكي، تشير إلى أن دائرة الهجرة استهدفت من لديهم سجل جنائي أولا، وفعلت ذلك "لتشحيم الزلاجات" ليستطيعوا ترحيل من ليس لديهم سجل جنائي لاحقا، بحسب ما قالته محامية الاتحاد مريم أوكرمان، التي تمثل المواطنين العراقيين في القضية.
وبحسب التقرير، فإن من بين 1400 مواطن عراقي مهددين بالترحيل يوجد حوالي 800 ليس لديهم سجل جنائي، أما من لهم سجلات فقد تمت إدانتهم بمخالفات مختلفة، تتراوح بين جنح بسيطة إلى جرائم عنف كبيرة، بعضها ارتكب قبل عقود.
ويفيد بيركينز بأن الاتحاد يرى أن من حق المواطنين العراقيين أن ينظر قضاة الهجرة في قضاياهم ثانية؛ لأن العراق اليوم أكثر خطرا مما كان عليه قبل عدة سنوات، لافتا إلى أن القانون الأمريكي يسمح بترحيل الذين يرتكبون بعض الجرائم، لكن يمنع القانون ترحيل الأشخاص إلى بلاد يمكن التعرض فيها للتعذيب أو القتل.
وتنقل الصحيفة عن أوكرمان، قولها بأن أكثرية العراقيين الذين يحصلون على فرص استماع أخرى يكسبون قضاياهم بذلك السبب، مشيرة إلى أن معظم العراق الآن يعيش حالة من غياب القانون، ولا يزال هناك اضطهاد للأقليات المسيحية، وقد كان يعيش في العراق حوالي 1.5 مليون كلداني قبل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، الذي زعزع استقرار البلد، ولم يبق منهم هناك سوى 250 ألفا.
ويبين التقرير أن الخطورة أكبر للكلدانيين الأمريكيين، فكثير منهم وصل إلى أمريكا طفلا خلال ثمانينيات القرن الماضي، أو بعد حرب الخليج عام 1990، وكثير منهم لا يتكلم اللغة العربية، وليست لديه هوية عراقية أو جواز سفر عراقي، وبعضهم ليس له أقارب في العراق، ولن يصل إلى العراق إلا بملابسه التي يرتديها تقريبا، بالإضافة إلى أن بعضهم عمل مع الجيش الأمريكي.
ويورد الكاتب نقلا عن مؤسس معهد الدفاع عن مسيحيي العراق وتمكينهم، جوزيف قصاب، قوله: "الواقع هو أنه لا يمكنهم الاندماج ثانية في المجتمع العراقي، فهم لا يتكلمون اللغة العربية، ويمكن التعرف عليهم بسهولة لاستهدافهم بالاختطاف والقتل وغير ذلك من العقوبات".
وتنوه الصحيفة إلى أن اتحاد الحريات المدنية يحاول تتبع أخبار بعض من تم ترحيلهم، ووجد أن بعضهم ضرب، وبعضهم قتل أو اختفى أو "يجلس في بيت فيه مدافع رشاشة" في إقامة جبرية مفروضة ذاتيا، بحسب ما قالت أوكرمان.
وبحسب التقرير، فإن العراق رفض حتى الآن إلى حد كبير تسلم المرحلين، ما أوقف العملية، لكن أمريكا تضع ضغوطا دبلوماسيا على بغداد لتغير هذا المسار.
ويشير بيركينز إلى أن هناك سوابق لوقف أوامر الترحيل، حيث قامت إدارة ترامب بإرجاء التنفيذ بحق أشخاص من ليبيريا يواجهون وضعا شبيها، ويمكنها فعل ذلك مع العراقيين، لافتا إلى أن الديمقراطي عن ميتشغان آندي ليفين والجمهوري جون ملينار قدموا في الكونغرس مسودة قانون يمنح العراقيين المحكوم عليهم بالترحيل عامين يخرجون خلالهما من الاعتقال، في انتظار جلسات سماع خاصة لكل منهم.
وتقول الصحيفة إنه مثل غيرها من الحالات التي عرضت على قاضي هجرة، فإن قصة يوسف انتهت نهاية سعيدة، بعد أشهر في سجن دائرة الهجرة، وتم إلغاء أمر الترحيل بحقه، وإطلاق سراحه، وانتهى به الأمر بالحصول على الجنسية، مشيرة إلى أنه مع ذلك، فإن حياة الأشخاص الذين استهدفتهم دائرة الهجرة "دمرت تماما"، بحسب بوجوكا.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول بوجوكا: "العائلة خسرت الساعي على رزقها لوجوده في السجن ينتظر الترحيل إلى مكان احتمال النجاة فيه ضئيل.. إن ذلك يلقي الرعب في قلب أي شخص متأثر بهذا الوضع".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)