مفاجأة سارة ومنعشة للقلوب أسعدتنا أن يستقبل الرئيس قيس سعيد أول رئيس دولة شقيقة منذ تسلمه الرئاسة وأن يكون هذا الضيف المبجل هو رئيس جمهورية تركيا رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء 25 الشهر الجاري.
حللت أهلا ونزلت سهلا يا رجل الكبرياء والمواقف المشرفة وأحد مؤسسي منتدى كوالالمبور لجمع كلمة المليار و700 ألف مسلم في العالم ومنجز معجزة تركيا التي قفزت من الدرجة 93 في سلم الدول من حيث التنمية والتقدم إلى الدرجة 16 وكان لك شرف تصنيف تركيا ضمن العشرين الأقوى والأكبر، مرحبا بك في أرض تونس التي كانت الرائدة في إعلان الربيع العربي حتى لو تعثر ربيع الحريات والمجد بسبب رياح أعداء الشعوب أولئك المرتزقة المتمعشين من أموال القوى الأجنبية التي لديها حنين للعبودية وتكميم أفواه الأمم المستضعفة حتى لو عطلت منظومة الفساد العالمية الاستعمارية والمذيلة للصهيونية حلول الربيع بتأبيد شتاء القهر والقتل والتعذيب ودفن المعارضين في خرسانة الجسور وتشريد عشرين ألف مواطن في المنافي!
حللت أهلا في أرض عقبة بن نافع وابن خلدون وطارق بن زياد والوزير خير الدين باشا التونسي صاحب كتاب (أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك) الذي عينه أجدادك في منصب الصدر الأعظم في دولة الباب العالي أي رئيسا لحكومة الخلافة العثمانية أيام كان المصلحون يتولون المناصب لا أيامنا هذه التي ملأت المسؤوليات بالمفسدين.
بعد الترحيب بالضيف لا بد أن نشير إلى أن الزيارة القصيرة توجت ملفا من التعاون الثري بين الدولتين وخصصت لإعلان مشاريع مفيدة للشعب التونسي منها بناء تركيا لمستشفى الأطفال وتوريدها لمحصول التمر وزيت الزيتون ومضاعفة التبادل التجاري ثم للتشاور حول الجوار التونسي ولبحث الوضع الخطير الذي تعيشه أقرب شقيقات تونس، وهي ليبيا الجريحة التي تتحمل أوزار حرب أهلية لم تعد أهلية؛ لأن بعض قوى الردة والاستعمار الجديد والميليشيات الأجنبية تدخلت إلى جانب التمرد ضد الحكومة الشرعية المعترف بها أمميا ودوليا ولأن السلاح والأموال تتدفق على المتمردين وتقتل الأبرياء والمدنيين من أبناء الشعب الليبي آخرها قصف طائرات عربية لسوق في بلدة (مسلاتة) وقتل النساء والأطفال، وكما قال الرئيس أردوغان فإن تونس الجارة الأقرب وذات الحدود الأطول مع ليبيا، وصاحبة العلاقات القبلية والأسرية العديدة مع الشعب الليبي، هي في مرمى واستهداف أعداء الشرعية وذوي المصالح الضيقة الأنانية والمستهينين بأرواح الليبيين من أجل كسب منابع النفط والغاز في ليبيا وتنصيب دكتاتور عسكري متمرد يعيد تاريخ سيده معمر القذافي!
أكد الرئيس أردوغان أن مسار برلين الذي ينطلق مطلع السنة الجديدة بعد أيام قليلة هو الذي نعقد عليه الأمل لأن ألمانيا دولة محايدة ولديها دبلوماسية غير منحازة وقوية التأثير وأعلن أنه طلب من المستشارة أنجيلا ميركل أن تدعو لمؤتمر برلين كلا من تونس والجزائر وقطر لأن هذه الدول حسب رأيه مؤهلة للإسهام في إيجاد حلول سلمية وفاقية لمعضلة ليبيا وهي دول تتمتع بثقة الليبيين وتقديرهم.
أما لمن يجهلون تاريخ العلاقات التركية الليبية العريقة فنقول بأن الجنرال التركي مصطفى كمال أتاتورك حين كان صلب الجيش العثماني أرسله السلطان عبد الحميد إلى ليبيا عام 1911 للمشاركة في مقاومة ودحر الاستعمار الإيطالي الفاشي التنصيري وأن أتاتورك أصيب بشظية مدفعية في عينه في معركة (درنة) ورافقته آثار الجرح طوال حياته وهو نفسه الذي تسلم السلطة بعد السلطان عبد الحميد سنة 1923 وأجبرته القوى الإمبراطورية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى على توقيع معاهدة 24 يوليو1923 المذلة المهينة لتركيا وهذه المعاهدة تدوم قرنا كاملا وستنتهي سنة 2023 وينطلق العملاق التركي من عقاله ليفرض حضوره القوي والمشروع والسلمي على الساحة الدولية.
إن أمن تونس وأمن تركيا وسلامة البحر الأبيض المتوسط كلها رهينة انتهاء الصراع في ليبيا فإما انتصار الشرعية والديمقراطية وإرادة الشعوب التي يمثلهما فايز السراج باعتراف المجتمع الدولي بأسره وإما الانهيار والردة والنكوص التي يريدها المتمرد المتقاعد حفتر وذراعه اليمنى الإرهابي المطلوب لدى محكمة الجنايات الدولية محمود الورفلي الذي يقتل الأبرياء برشاشه أمام الناس ويصور المذابح بالفيديو دون حياء أو أخلاق! وهو ما ينتظر شعوب الجوار إذا ما انهزمت الشرعية في ليبيا الشهيدة لا قدر الله.
العالم الإسلامي يتحرك نحو انعتاق طاقاته واستعادة أمجاده واسترجاع ثرواته وصنع مصيره بأيدي أبنائه بعد أن صادرته منظومة (بريتن وودس) الليبرالية المتوحشة منذ تقاسم تركة الرجل المحتضر (أي المشرق الإسلامي) كما شاءت معاهدة (سايكس بيكو) لسنة 1916!
(الشرق القطرية)