قد يقول البعض إنه ليس من الجيد الآن، وفي هذه الفترة تحديدا، أن ننصرف إلى النقد الداخلي بدلا من الحديث عن ضرورة التوحّد في مواجهة مشاريع الاحتلال التوسعية الجديدة، أو ما اصطلح على تسميته «مشروع الضم»، ولا شك أنني اتفق مع ذلك، وليس لعاقل أن يرى غير ذلك، لكن يجب عليه أن يرى ذلك بكلتا عينيه.
ولا يمنع ذلك من توجيه بعض الأسئلة بغرض فهم
معنى المواجهة المفترضة، وإن كان من يزعمها فعلا يقوم بها حتى يصطف الناس إلى
جانبه أو يصلح هو لأن يصطف إلى جانب الناس إن واجهوا، والناس يواجهون منذ ما يزيد
عن 72 عاما، أم أننا أمام حالة من الهروب والتخلّف والتخلّي أكثر من المواجهة
الحقيقية؟ وهل ستكون هناك مواجهة من الأساس؟ وهل يقبل نهج رئيس السلطة ذلك؟
من الجيد في البداية أن نسمي الأشياء
بمسمياتها، وأن نعيد التأكيد على بعض النقاط الأساسية، ولعل من أبرزها وأهمها أن
عباس بإعلانه الأخير لم يقل إلا شيئا مؤكدا بات واقعا يراه كل الناس، ولم يكن
خطابه إلا محاولة لاستدراك شيء بعد فوات أوان استدراكه، فالاحتلال بخطواته
الاستيطانية التوسعية وبمشروع الضم الزاحف ألغى جوهر جزء كبير من اتفاقياته مع
السلطة، فلم يعد لها معنى، ولم تعد تُسمن ولا تُغني بل تفقر وتقفر، بالإضافة إلى
أن بقاء السلطة التي يرأسها بات موضع شك كبير.
وإن مجرد قراءة الوقائع وتوضيح ما بات واضحا،
لا يغني عن حقيقة أن مساره ورهاناته هي التي فشلت وانتهت، أكثر من كونه ألغى شيئا
قد انتهى، وإن العلم بالشيء دون العمل بمقتضاه، والاستفاضة في شرحه دونما استحضار
خطوات حقيقية أو التجهز لها ميدانيا وبخطوات عملية، لا يعدو كونه دورا تنظيريا
مفرّغا من مضامينه، للاستهلاك الإعلامي ومحاولة للهروب من أعباء الضمير وتبعات
الملامة إن وجدت.
فالاحتلال -كما يعلم الجميع- لن يقوم بضم
أراضي الضفة على الورق وعبر التصريحات الإعلامية، كما هي مشاريع العديد من الساسة
هذه الأيام من عديد التيارات والتوجهات، بل عمل على الأرض بالجرافات وألوية من
الجنود وفرق من المدرعات وما إلى ذلك من أدوات القمع والتوحش، ولا أظن أن بيانا
صحفيا أو خطابا إعلاميا مليئا بالعتب والحسرة من شأنه أن يمنع وحده الأمر.
لقد ألغى عباس والمؤسسات التي تحت سيطرته أكثر
من مرة قبل هذه المرة «اتفاقياته» مع الاحتلال، غير أن هذا الإلغاء ظل حبيس الورق
بعيدا عن الواقع وأعين الناس، كما هو حال العديد من شعارات التصدي للاحتلال
والتضامن مع الشعب الفلسطيني والبيانات الأممية والرسمية التي يتجاوزها الاحتلال
كلها ويمضي بمخططاته متجاوزا كل ذلك، فمشروع الضم يمثل ضربة عنيفة، ليس فقط للحق
الفلسطيني، بل لمصداقية هذه المؤسسات المحلية والدولية.
(العرب القطرية)