تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة معركة خفية مع الاحتلال الإسرائيلي عنوانها خوادم الإنترنت وأجهزة إلكترونية وكمبيوتر وبرامج اختراق، وصلت إلى حد المساس ببنى تحتية إسرائيلية هامة.
"الهجمات
السيبرانية" الأخيرة، والمتواصلة منذ شهرين، كان أخطرها استهداف شبكات المياه
الإسرائيلية، وفقا لتصريحات المسؤولين لدى الاحتلال.
لم تستدع هذه الهجمات الانتقام الإسرائيلي بالرد بهجمات إلكترونية مضادة على أكبر ميناء إيراني وحسب، بل أدت إلى خروج رئيس هيئة السايبر الإسرائيلية، يغال أونا، وليتحدث لأول مرة عن خطورة ما حدث.
وقع
الهجوم المنسوب لإيران، بحسب تقرير موقع "المونيتور" الذي ترجمته
"عربي21" ليلة
24 نيسان/ أبريل الماضي، وأصاب مرافق المياه والصرف الصحي، واخترق أنظمة الكمبيوتر
لتلك المرافق معطلا عملياتها لفترة، بل وتضمن محاولة للسيطرة على نظام التحكم
بالكلور والمضخات..".
اقرأ أيضا: صحيفة تكشف تفاصيل معركة سيبرانية بين إسرائيل وإيران
أما
الانتقام المنسوب لـ"إسرائيل" فجاء في 9 أيار/ مايو، بتعرض محطة شهيد رجائي في بندر عباس لهجوم
إلكتروني، خلف فوضى استمرت 3 أيام، أدت إلى تكدس الشاحنات خارج بوابات
الميناء، وازدحام مروري ضخم للسفن التي تعبر البحر.."، بحسب المصدر ذاته.
اعتبر
"أونا" هجوم شهر نيسان/أبريل "نقطة تحول في تاريخ الحروب السيبرانية
الحديثة"، وذلك في كلمة له عبر الفيديو بمؤتمر سيبراني دولي، الخميس الماضي، نقلتها
صحيفة "يديعوت أحرنوت".
ومع
إشارة "أونا" إلى "تمكن إسرائيل من إحباط الهجمات"، إلا أنه
قال: "لو نجح الهجوم لكان تعين علينا التعامل، في خضم أزمة كورونا، مع أضرار
كارثية ستلحق بالسكان تتضمن نقصا بالمياه، أو خلط مياه الشرب بجرعات خاطئة من الكلور
أو المواد الكيميائية الأخرى..".
ووفقا
لـ"أونا" فهذه هي المرة الأولى التي تشهد "إسرائيل" فيها شيئا كهذا، مشددا على أنه "يجب أن نكون متيقظين، وأن نعمل ضد الهجوم التالي
(...) قد يرتفع مستوى الهجمات والمهاجمين، ويصبح أكثر تعقيدا وفتكا".
عقب تلك الهجمات السيبرانية، وفي
21 أيار/مايو تعرضت مئات الشركات الإسرائيلية لهجمات أخرى، اتهم هواة بتنفيذها،
تمكنوا من قرصنة مواقع إلكترونية وشاشات كمبيوتر، وبثوا مقاطع فيديو تظهر "تل
أبيب" تحترق وتهديدات مختلفة باللغة العبرية، وسيطروا على بيانات الشركات
وقايضوا عدم إفشائها بمقابل مادي، وفق ما نقل موقع "جيروزاليم بوست"،
موجها الاتهام إلى قراصنة من عدة دول إسلامية بما فيها تركيا وشمال أفريقيا وقطاع
غزة.
اقرأ أيضا: خبير إسرائيلي: إيران تتمرس بسوريا.. واصلوا "جز العشب"
وسبق أن اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في شباط/فبراير الماضي حركة "حماس"
بتنفيذ هجمات على مدار الأعوام الأربعة الماضية لاختراق هواتف وأجهزة كمبيوتر تعود
لجنود إسرائيليين تستهدف قرصنة معلوماتهم، وأنه رد على ذلك بهجمات مضادة استهدفت
خوادم تابعة للحركة.
خطورة الهجمات
من جانبه، اعتبر
الخبير بالشأن الإسرائيلي محمود مرداوي حديث مسؤول هيئة السايبر الإسرائيلي أن ما
جرى بشكل علني، يشير إلى "خطورة ما حدث فعلا"، منوها إلى أن
"أونا" صاحب خبرة بمواجهة هذه التحديات لعقود، إذ شغل منصب رئيس وحدة
8200 (الوحدة المسؤولة عن التجسس الإلكتروني)، وكذلك رئاسة قسم السايبر داخل
الشاباك الإسرائيلي.
ويقول مرداوي
لـ"عربي21" إنها "حرب تجري تحت الطاولة، لا نعرف بحدوث هذه
الهجمات، إلا بإعلان الجهات المنفذة لها، أما الجهات التي تتكبد الخسائر فعادة لا
تعلن عنها إلا لتحقيق أهداف سياسية، لأن الإعلان يظهر نقاط ضعفها أمام خصومها، بما
يؤثر على الحالة المعنوية لديها وعلى الوعي الداخلي".
ويلفت مرداوي إلى أن
بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تحدثت عن أن أحد أهداف زيارة وزير الخارجية
الأمريكي مايك بومبيو لـ"إسرائيل" في 13 أيار/مايو، هو مناقشة هذه
الهجمات باعتبارها تجاوزا للخطوط الحمر.
وعن خطورة هذه الهجمات الفعلية، يرى مرداوي أنها تكمن في "اختيار الأهداف والقدرة على الوصول إليها"، مضيفا أن "هذا الهدف (شبكات المياه) إن تم اختياره أثناء حرب ومنع وصول المياه إلى أماكن حساسة ومدن كبيرة، أو ضخها بكميات كبيرة إلى أماكن معينة، أو تغيير نسب معقمات ومطهرات المياه، فسيخلف أضرارا كبيرة".
اقرأ أيضا: جنرال إسرائيلي: سنتعرض لصواريخ بالحرب المقبلة لم نشهدها من قبل
وأوضح مرداوي أن عملية
تنقية المياه وضخها لدى الاحتلال "مبرمجة وفق حاجة كل حي وقرية ومستوطنة".
ولفت إلى جانب آخر
استهدفه الاحتلال من الإعلان عن الهجمات، وهو "استعطاف العالم بإظهار أن
أعداءه يشنون هجمات على أهداف مدنية وإنسانية، حيث أعلن الإسرائيليون أن الهجمات طالت
إضافة لشبكات المياه مراكز أبحاث علمية في المجال الطبي أو التكنولوجي أو الهايتك،
بما فيها مركز يعمل على تطوير دواء لمعالجة فيروس كورونا".
وأوضح أن الاحتلال
وجه الاتهام عن الهجمات الأخيرة في
أيار/مايو لإيران و"حماس"، معتبرين أن المهاجمين استولوا على خوادم حصلت
"إسرائيل" عليها من الولايات المتحدة، وذلك "لتبرير سهولة دخول
المهاجمين إليها، ولاستثارة واشنطن في هذه المعركة".
ومن ملامح خطورة هذه
المعركة التي يلفت إليها مردواي أن "العدو الإسرائيلي وجه تعليمات لجمهوره
بعدم فتح الروابط والرسائل على أجهزتهم الخلوية أو الإلكترونية، وذلك لأول مرة في
تاريخه، إذ كان يعالج هذه الهجمات سابقا بدون هذه التعليمات".
وتابع: "فقد
الاحتلال الدفاع في الخط الأول، فاستعان بالجمهور ووعيه"، ونبه إلى أهمية "سيطرة
المهاجمين على بث قنوات تلفزة إسرائيلية، وبث جزء من الحملة عليها".
وقال: "هذا إنجاز عظيم في معركة كي للوعي
وزعزعة لثقة الجمهور الإسرائيلي، ورسالة إليه مفادها أن المعركة منقولة إليك،
ولديك خصم حقيقي يمتلك عقولا تفكر وتبدع".
تداعيات الهجمات المتصاعدة
من
جانبه، قال الباحث الأمني رامي أبو زبيدة إن وتيرة الحرب الإلكترونية "السايبر"
التي يخوضها محور المقاومة والاحتلال "تزداد يوما بعد يوم، ورغم أنه لا يوجد
للصاروخ والطائرة أي دور فيها، فإنها تعتبر حرب عقول بينهما وصراع أدمغة، ما يثير
حالة القلق والإرباك لدى الطرفين".
وفي
حديثه لـ"عربي21" يتفق أبو زبيدة مع أن الهجمات السيبرانية "تترك تأثيرات
نفسية كبيرة على العدو، وأحدثت نقلة نوعية تقنية وتكنولوجية على صعيد العمل المقاوم
في الأراضي الفلسطينية".
ويضيف:
"هجمات السايبر هي تذكير لبعد جديد ومتطور في المواجهة مع الاحتلال، يمكن أن يشمل
أيضا محاولات متبادلة للإضرار الشديد بالبنى التحتية المدنية بواسطتها".
اقرأ أيضا: مشروع بحثي إسرائيلي يناقش التهديدات الوجودية الخمسة على الدولة
ويوضح: "المقاومة طورت من أساليبها في عمليات السايبر، خاصة أن الأساليب السابقة التي استخدمت بها حسابات وهمية لجمع المعلومات من الشخصيات جرى اكتشافها بالفعل، فلجأت اليوم إلى ما يسمى بالهندسة الاجتماعية التي تعتمد على كسب ثقة الشخص ثم جمع المعلومات".
ومن
مميزات الهجمات السيبرانية الأخيرة، وفقا للباحث الأمني أن من يقف خلفها هو "طرف
على مستوى دولة وبشكل منظم أو قوة سيبرانية قوية، مع قدرات منوعة وعميقة".
ويشرح ذلك بالقول: "هذه القوة تمتلك قدرات استخباراتية
في الرصد والمتابعة وعملية جمع المعلومات، لأنه لا يمكن استهداف مواقع من دون أن تملك
معلومات مسبقة عنها، وهذا الأمر يشكل مصدر قلق وتحد حقيقي لدولة الاحتلال".
وعن
مآلات الهجمات السيبرانية وإمكانية جلبها ردودا عسكرية مع ما باتت تشكله من
تهديد أمني وخطير، يرى أبو زبيدة أن محور المقاومة والاحتلال غير معنين بالوصول لردود
عسكرية تخرج عن السيطرة، ويعمل الطرفان على اختبار قدراتهم عبر هذه الهجمات، ومدى تأثيرها وقدرات كل طرف على صدها.
ويعتقد
أن الهجمات السيبرانية ستبقى ضمن "حرب العقول والحرب الخفية في المدى المنظور"،
لكن التوقعات حال اندلاع أي مواجهة عسكرية قادمة فستكون هذه الهجمات ضمن تكتيكاتها بضرب البنى التحتية والتشويش على عمل المطارات والبلديات، ما يزيد من الضغط على الجبهة
الداخلية وإفقادها عوامل الصمود.
هذه تداعيات انسحاب السلطة من الاتفاقات مع الاحتلال
لماذا لجأ العراق إلى السعودية لإنقاذه من أزماته الخانقة؟
مراقبون يقرأون جدية عباس بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال