نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا، لربيكا اولام وينر، مساعدة المفوض لتحليل المعلومات في مكتب الاستخبارات لشرطة نيويورك، قالت فيه إنه في وقت متأخر من مساء 11 نيسان بدأت شرطة تكساركانا في ولاية تكساس باستقبال مكالمات حول هجوم وشيك على أحد عناصرهم.
وقال المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن رجلا كان يقود سيارة بيكاب شيفروليت سوداء يتجول في الشوارع بحثا عن شرطي وحيد ليقوم "بمهاجمته وإعدامه" ويقوم بنقل ذلك حيا على صفحته على الفيسبوك.
وباستخدام الفيديو استطاعت الشرطة تحديد مكانه بسرعة وأمسكت بالرجل أرون سوينسون البالغ من العمر 36 عاما، وأظهر تفتيش سيارته احتواءها على عدة أسلحة نارية معدة بالذخيرة.
وأظهرت التحقيقات اللاحقة أن سوينسون غارق في ثقافة الانترنت المسماة بوغالو بويز (boogaloo bois)، وهي حركة أمريكية يمينية متطرفة، والذين هم في العادة مسلحون بشكل كبير وعادة ما يلبسون سترات واقية وقمصان (هاواي) ذات الألوان الاحتفالية، وظهروا في الفترة الأخيرة في المظاهرات ضد الإغلاق بسبب مرض كوفيد-19 ووحشية الشرطة.
وسوينسون ليس الوحيد الذي تبنى الإرهاب؛ ففي أيار/ مايو تم اعتقال ثلاثة من المنتمين لبوغالو بويز وهم في طريقهم إلى مظاهرة "حياة السود مهمة"، حيث ضبط معهم أسلحة نارية ومواد لصناعة قنابل مولوتوف وكان للثلاثة خلفية عسكرية وبحسب مكتب التحقيقات الفيدرالية خطط اثنان منهم لاستخدام قنابل حارقة على محطة تحويل كهرباء.
كما وجهت التهمة الأسبوع الماضي لرجلين من المنتمين للحركة بقتل حارس محكمة في أوكلاند، كاليفورنيا.
والحركة خليط من الخطاب المعادي للحكومة المبشر بنهاية العالم والتبشير بالتعديل الثاني في الدستور الأمريكي [والذي يتعلق بالحق في امتلاك السلاح] والكوميديا السوداء.
والمصطلح نفسه يشير إلى الحرب الأهلية المرجوة والتي ستؤدي إلى انهيار المجتمع، وفي رؤية بعض الأعضاء استبداله بدولة عرقية بيضاء.
ويقول الباحثان إنه حتى قبل جائحة كورونا كان إرهاب العنصريين البيض يشكل تهديدا متزايدا. ومع أن شبح الجهاديين حظي بانتباه أكبر، إلا أن تهديد التطرف القائم على العنصرية – والذي يشكل الاستعلاء الأبيض جزءا منه – كان يتزايد بانتظام في السنوات القليلة الماضية.
اقرأ أيضا : NYT: هل بدأ البيض بالإصغاء أخيرا لصيحات الألم من العنصرية؟
وكان يشكل في 2016 (20 بالمئة) من الوفيات المرتبطة بالإرهاب في أمريكا بحسب رابطة مكافحة التشهير.
ومع حلول عام 2018 وصلت تلك النسبة إلى 98بالمئة، وفي شباط/ فبراير، شهد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، كريستوفر وري، أمام الكونغرس بأن المتطرفين العنصريين البيض كانوا "المصدر الأساسي لحوادث العنف القاتلة المحفزة أيديولوجيا"، على مدى العامين السابقين. وأشار وري إلى أن عام 2019 كان الأسوأ من حيث عنف المتطرفين البيض منذ تفجير أوكلاهوما عام 1995.
وكما استفاد قطاع خدمة توصيل الطعام ومنصات التواصل بالفيديوكنفرنس كان الإغلاق وقت نمو لحركات الاستعلاء العرقي الأبيض.
وفي الواقع استغل المتطرفون من مختلف الأيديولوجيات الجائحة لترويج أفكارهم لاستهداف من لديهم قابلية في وقت يقضي الكثير من الناس وقتهم على الانترنت.
وبرسالتهم المعادية للحكومة والمصممة للانتشار عبر الانترنت استفاد العنصريون البيض من حالة الإغلاق. والمؤشرات هي أنهم نجحوا، فالاعتقالات مؤخرا تدل على أن التهديدات على الانترنت تتحول بسهولة إلى تهديدات حقيقية.
وكما هو الحال بالنسبة لتنظيم الدولة، فإن تهديد العنصريين البيض عالمي وافتراضي. والحرب في أوكرانيا مثلا جذبت المئات من المحاربين الأجانب على علاقة باليمين المتطرف والذين يستخدمون ساحة القتال لتشبيك العلاقات.
ويتضمن ذلك عشرات الأمريكيين، بعضهم عاد إلى أمريكا ولديه علاقات جديدة وخبرة قتالية. وخارج أوكرانيا توجد معسكرات تدريب للمتطرفين في بولندا وبلغاريا وحتى في المملكة المتحدة، وتعمل الكثير من المنظمات العنصرية عبر الدول.
ولكن بينما يستخدم تنظيم الدولة الانترنت لإقامة وتوسيع الخلافة، يعتبر العنصريون البيض الانترنت دولتهم.
ويقول المقال إنه في 15 آذار/ مارس جلس برينتون تارانت في سيارته في كرايستشيرتش في نيوزيلندا يسجل نفسه على جهاز هاتفه ويطلب من المشاهدين المشاركة في قناة (بيودايباي)، وهو سويدي له قناة يوتيوب وهو على علاقة غامضة باليمين المتطرف.
ثم خرج من سيارته ودخل إلى مسجدين وهو يطلق النار وارتكب مجزرة ذهب ضحيتها 51 شخصا. ومن خلال كاميرا خوذة قام بنقل جريمته نقلا حيا. وخلال يوم من الجريمة قام فيسبوك بمنع 1.5 مليون محاولة لمشاهدة الفيديو.
والنقل الحي على الانترنت للجريمة كما فعل تارانت – وحاول أن يفعل سوينسون الذي تم اعتقاله في تكساركانا – هو تكتيك أدخله إلى الساحة تنظيم الدولة.
فحاول أميدي كوليبالي نشر لقطات من هجومه على سوق هايبر كاتشر في باريس في 2015، حتى أنه حاول أن يستعين ببعض الرهائن الذين احتجزهم لفعل ذلك.
وفي العام اللاحق قام لاروسي أبالا، من أتباع تنظيم الدولة، ببث فيديو حي مدته 13 دقيقة على فيسبوك بعد أن طعن شرطيا حتى الموت ثم ذبح صديقته. وذلك لتحويل هجوم إلى دعاية إعلامية مباشرة تسمح للمجرم أن يسيطر على السردية.
وفي ذروته استطاع تنظيم الدولة توظيف الإعلام الاجتماعي بنفس الفعالية التي وظف فيها العنف، كما وصفت مجلة التنظيم ذلك "إن الحملة الإعلامية لا يمكن تمييزها عن الحملة العسكرية.. فالعنف بحد ذاته رسالة عندما تستخدمه بالشكل الصحيح".
فبالإضافة لقطع الرؤوس والحرق وفيديوهات الدعاية التي يهدف منها ترويع الشارع والحصول على عناوين في الإعلام كان يصدر التنظيم صورا تمجد بعض مقاتليه.
وكانت مواده تنشر على قنواته الرسمية وغير الرسمية لضمان الاستمرارية. وحتى اليوم يتم توجيه الأتباع في كل أنحاء العالم للمبادرة والقيام بأي أعمال عنف يستطيعون القيام بها مستخدمين أسلحة يستطيعون الحصول عليها وأن يسجلوا على شكل فيديو إن أمكن بأنهم يقومون بذلك لتنظيم الدولة.
وكانت استراتيجية تنظيم الدولة الإعلامية متقدمة على المجموعات الإرهابية السابقة، ولكن العنصريين البيض استمروا في الإبداع.
رسميا، كثير من دعايتهم واستراتيجيتهم الإبداعية تشبه تلك الخاصة بتنظيم الدولة: فيديوهات منتجة بشكل احترافي، وصور محررة عادة من فيديوهات ألعاب عنف لإصدار تهديدات فظة وجر الأتباع من مواقع التواصل الاجتماعي والتي تعتبر مثالية للتجنيد إلى المواقع المشفرة التي يتبادلون فيها المعلومات عن كيفية تعليم المتفجرات، وتتم مناقشة الأهداف المحتملة وحيث تجري عملية الحشد الحقيقي.
ولكن في حالة العنصريين البيض تنتشر ثقافة الإنترنت خلال الحركة. وكتب تارانت في بيانه المؤلف من 74 صفحة والذي نشره على موقع للمتطرفين (انفنتيتشان) [القناة اللامتناهية]: "لقد فعلت الميمات للحركة القومية العرقية أكثر من أي بيان".
وكان بيانه مليئا بالسخرية فقال فيه مثلا إنه تطرف بسبب ألعاب الفيديو سبايرو ودراغون وفورتنايت.
اقرأ أيضا : هكذا واجهت أمريكية سوداء عنصريا أبيض تهجم عليها (شاهد)
ويتم هنا تغطية الخطاب المتطرف بطبقات من الانفصال [عن الواقع] الساخر والذكاء العدمي، حيث يسخر من القيم الليبرالية الرئيسية مثل الشمولية والمساواة والديمقراطية على أنها ظالمة وتقليدية ومحافظة.
هذا الخطاب الغريب يربط الحركة ببعضها. وعلى عكس القاعدة وتنظيم الدولة – تنظيمات فيها هياكل وأرض وامتيازات ومهمة ورؤية وقيم – فإن عالم العنصريين البيض موزع وذو نشاط عال.
وهناك مجموعات كثيرة بعضها تعمل عبر الحدود، ولكنها في العادة صغيرة، وغير منظمة ويمكن تشرذمها وإعادة بنائها بسرعة.
وقد يكون أعضاء المجموعة ينتمون لمجموعات أخرى في نفس الوقت، والذي قد يعني أحيانا مجرد المشاركة في الحوارات على منصات انترنت مختلفة.
وفي هذا العالم المتغير والولاءات المتقاطعة تشكل الميمات والسخرية – من يعي النكتة ومن لا يعيها – النسيج الضام.
وينتشر العنف بالعدوى وليس بالتوجه – وهو سبب آخر يجعل العنصريين البيض مناسبين لاستغلال جائحة كورونا العالمية.
ويميل محللو مكافحة الإرهاب إلى تقسيم الجهادية العالمية بناء على كيفية ارتباط مصادر التهديد بتنظيم معين وهل يقوم التنظيم بتوجيههم أم تمكينهم أم إلهامهم.
ولكن تصنيف استعلاء البيض من جهة أخرى يركز على تأثير مصادر التهديد على بعضها البعض. فبالإضافة إلى كونه إرهابيا، كان تارانت شخصا مؤثرا على منصات التواصل الاجتماعي، وبيانه كان بمثابة خطاب تجنيد بالإضافة لكونه تعبيرا عن رؤيته للعالم.
واستشهد أكثر من مهاجم بتأثير تارانت على مدى 15 شهرا منذ هجومه، بمن فيهم جون ايرنست الذي بث تصويرا مباشرا لهجومه على معبد يهودي في بواي، كاليفورنيا وباتريك كروسياس، الذي قتل 22 شخصا في وولمارت في الباسو، تكساس في آب/ أغسطس 2019 وفيليب منشوس الذي هاجم مسجد النور في أوسلو، النرويج في أب/ أغسطس 2019.
وتارانت نفسه يستشهد بفعل اندريس بريفيك، الذي ارتكب في 2011 مجزرة راح ضحيتها 77 شخصا في النرويج، معظمهم شباب في مخيم صيفي.
فأكثر الشخصيات تأثيرا ليسوا قادة تنظيميين أو روحيين، مثل أنور العولقي من القاعدة أو أبو محمد العدناني من تنظيم الدولة ولكن أشخاصا قاموا باعتداءات يتم تقديسهم على الانترنت في العادة.
كل هذا يعقد عمل السلطات الأمنية فغطاء السخرية والميمات تجعل من الصعب تحديد من يشكل تهديدا وشيكا ومن يتندر فقط، وهذه هي الفكرة بالطبع.
ومهمة الأمن هو اكتشاف أشخاص مثل برينتوت تارانت قبل أن يقوموا بهجماتهم، ولكن عندما يأتي الأمر إلى تحديد التحريض على العنف من الصعب التمييز بين إشارة [حقيقية] أو مجرد تشويش.
وإن كانت السخرية تولد عدوى فهي في العادة صامتة. والحكومة الأمريكية معدة لمنع العنف الذي تنظمه مجموعات أو شبكات منظمة تتواصل وتسافر وتتدرب وتقوم بأنشطة أخرى تبعث بإشارات. ولكن توقع الشخص الذي سيتحرك ليقوم بهجوم عنيف لوحده أكثر صعوبة بكثير.
ولكن وفي المحصلة قد يكون اعتماد الإرهاب العنصري الأبيض على الإنترنت هو نقطة ضعفه. فمن ناحية يبقى السؤال مفتوحا حول مدى قابلية تطوير الحركة بناء على مقاومة دون قيادة والتأثير والعدوى.
كما أن الاعتماد على الانترنت يجعل وجودها صعبا دونها. وجهود إغلاق المنصات وإزالة المستخدمين العنصريين عن الانترنت يختلف عن الإجراءات الشبيهة ضد المجموعات الجهادية، ولكنها لو طبقت ستكون أكثر فعالية.
فالقاعدة وتنظيم الدولة أصبحا أكبر وأخطر وأقوى بسبب الإعلام الاجتماعي، ولكن بإمكانهما عمل الكثير بدونه.
وليس هذا هو حال العنصريين البيض. فإغلاق مواقع المحتوى ومنصات الرسائل والمنتديات وصفحات التواصل سيشكل ضربة فعالة لهم.
وحرمان هذه المواقع من الحماية ضد الهجمات السيبرية أداة فعالة أخرى يتم استخدامها فعلا ضد موقع Gab للتواصل الاجتماعي والذي يجذب المتطرفين العنصريين منذ هجوم روبرت بورز على الكنيس اليهودي في بيتزبيرغ وضد انفنتيتشان بعد إطلاق النار في إلباسو.
هذه الإجراءات ليست حلا كاملا. فالمتطرفون الملتزمون سيهاجرون إلى نواح أخرى من الانترنت "المظلم" وعادة على منصات ومجموعات مشفرة، أو يعودون بأسماء أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي العادية بعد شطب حساباتهم.
ولكن منع وصول المحتوى المتطرف للمستخدمين العاديين وتصعيب عثور المتطرفين أحدهم على الآخر على الانترنت يوقف انتشار الحركة.
والحرمان من المنصات يمكنه إبطاء انتشار العدوى. ويمكن أن يردع من هم غير جادين والذين يشاركون لأجل الميمات وليس العنف، فذلك يلغي التشويش حتى تستطيع الجهات الأمنية التركيز على الإشارة نفسها.
وقد رصدت شركات الاعلام الاجتماعي إمكانيات كبيرة لإزالة المحتوى المتعلق بمجموعات مثل تنظيم الدولة والقاعدة.
وبدأوا بفعل الشيء نفسه للعنصريين البيض وبالتركيز على المحتوى المتعلق بكوفيد-19 مثل المعلومات المضللة مثلا توجيهات تدعي أنها من مراكز السيطرة على الأمراض ومكافحتها يقترح أن تعقيم البيت يمكن أن يتم باستخدام مواد تنظيف سامة أو متفجرة. أو توجيهات تكتيكية أو مستهدفة (مثل التوجيهات لعدوى الأقليات وقوات الأمن بالسعال أو العطس أو البصق في وجوههم).
وقام فيسبوك الأسبوع الماضي بإلغاء مئات الحسابات ذات العلاقة بالعنصريين البيض والتي ناقشت جلب الأسلحة النارية إلى مظاهرات الاحتجاج على قتل الشرطة لجورج فلويد.
وبشكل عام فإن جهود إزالة المحتوى هذه لم تواكب إنتاج المحتوى. ففي خريف 2019 نجح تطبيق الرسائل (تلغرام) بالتعاون مع الشرطة الأوروبية (يوروبول) في إجراء أكبر عملية تطهير من حسابات تنظيم الدولة وأزال آلاف الحسابات من منصاته.
وشكل هذا الفعل انتكاسا للتنظيم وشتت مجتمعه الافتراضي الذي بدأ يبحث عن منصات بديلة لمحاولة اعادة تشكيلاته. ولكن شركات الإعلام الاجتماعي لم تقم بإجراءات شبيهة ضد حسابات المتطرفين العنصريين العنيفين.
وحتى يفعلوا ذلك تتحمل القوات الأمنية مسؤولية التعرف على المتطرفين قبل أن يحشدوا. ولكن فرصة التصرف تكون عادة قصيرة.
فقبل مهاجمته للكنيس اليهودي في بتزبيرغ كتب روبرت باورز على موقع Gab: "لا أستطيع الجلوس والنظر إلى شعبي يتم ذبحه. ولتذهب المرئيات [ما ينشر على الانترنت] إلى الجحيم، سوف أدخل [المعترك] .. حسنا يا أصدقائي لقد حان الوقت للتوقف عن نشر الكلام الفارغ.. والقيام بنشر جهد حي حقيقي"، والصعوبة للسلطات الأمنية هي التمييز بين الافتراضي والواقعي وبين الكلام الفارغ والجهد الحي الحقيقي.
صحيفة إسبانية تستعرض تاريخ العبودية بالمملكة المتحدة
بوبليكو: كيف أصبح كولومبوس رمزا للعنصرية في أمريكا؟
"ذا أتلانتيك": الشعب الأمريكي أمام عنصرية كورونا والشرطة معا