نشرت
صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا سلطت فيه الضوء على العنصرية في العالم
العربي على خلفية النقاش الذي اثارته احتجاجات "حياة السود مهمة" النقاش
حول العنصرية في العالم.
وذكرت
الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" على لسان عاملة إثيوبية في
لبنان أنه تم طردها من عملها دون سابق إنذار من قبل أرباب عملها اللبنانيين، كما
قالت إنهم تركوها على جانب الطريق السريع.
وأردفت
الصحيفة أن أصحاب العمل كانوا ينوون تركها خارج القنصلية الإثيوبية حيث فصل أصحاب
العمل الآخرين العشرات من عاملات المنازل الإثيوبيات خلال الأسابيع الأخيرة من الأزمة
الاقتصادية. وقالت المرأة التي تدعى تيغيست، أن أصحاب عملها لم يعيدوا لها جواز
سفرها وهاتفها، كما أنهم لم يدفعوا لها راتب العام المستحق.
ويشير التقرير
أنه لطالما كانت إساءة معاملة عاملات المنازل مشكلة تحت نظام "الكفالة"،
الذي يستثني الأجانب من قوانين العمل ويجعل إقامتهم ومصيرهم عرضة لأهواء صاحب
العمل.
وأردفت
الكاتبة أن الضجة العالمية حول العنصرية، التي أثارها قتل الشرطة في مينابولس
لجورج فلويد، ساهمت في زيادة الفزع بشأن معاملة العمال المهاجرين أصحاب البشرة
الداكنة في أغلب الأحيان من أفريقيا وآسيا كما أثارت جدلا أوسع بين العرب حول
العنصرية في مجتمعاتهم.
وقالت آية
مجذوب، الباحثة اللبنانية في "هيومان رايتس ووتش" بهذا الخصوص: "إن
الأزمة التي تزامنت مع حياة السود مهمة أجبرت المجتمع على مواجهة العنصرية
النظامية المتأصلة في نظام الكفالة وفي الطريقة التي نعامل فيها العمال
المهاجرين".
وأضافت
أن "الناس بدأوا يفهمون أن الاعتداء على عاملات المنازل المهاجرات لم يكن
ناتجا عن بضعة من أصحاب عمل سيئين بل عن نظام يمكن المجتمع بل ويشجعه على معاملة
هؤلاء النساء كبشر من الدرجة الثانية".
وتشير
كاتبة التقرير إن الاحتجاجات الأمريكية في الأسابيع الأخيرة لاقت تشجيعا من قبل
الكثيرين في العالم العربي، حتى عندما سلطوا الأضواء على العنصرية الراسخة في
المنطقة.
وقد
استخدمت عبير سندر، وهي عارضة أزياء سعودية سمراء ومدونة فيديوهات تجميل، كرست منصتها
على الانترنت لسنوات لمناقشة العنصرية في العالم العربي.
ونشرت
مؤخرا بعض الأشياء (مستوحاة من احتجاجات حياة السود مهمة) المسيئة التي يقولها
الناس لها، بما في ذلك: "هذا هو زوجك؟؟ !!" (في إشارة الى زوجها صاحب
البشرة الفاتحة)، "كيف حصلت على هذه الوظيفة؟"، "صحيح أنك سوداء
لكنكن جميلات، تبارك الله".
وفي نفس
السياق نشر الممثل المصري ذو البشرة السمراء محمد رمضان في نفس الشهر صورة لنفسه مع ابنه على "فيسبوك"
وتلقى تعليقات بغيضة حول لون بشرتهم، مثل "أسود مثل والده"،
و"الكارثة هي أنه لا أحد من عائلته لديه جمال أمه ولا لونها".
وكان رد
رمضان: "أنا فخور بلوني ولون والدي وأولادي الذين خلقهم الله. وأنا سعيد لأن
أطفالي سوف يكبرون ضد العنصرية، خاصة أن أمهم وأبيهم من ألوان مختلفة".
وتشير
الكاتبة أنه في العالم العربي، غالبا ما يتم استخدام كلمات مهينة للإشارة إلى
السود. فكثيرا ما كان يطلق الرئيس الأمريكي "باراك اوباما" اسم
"العبد". وهي الكلمة نفسها التي تدل على الحلوى السورية التقليدية محلية
الصنع "راس العبد"، وهي حلوى محلية مصنوعة من كرات التمر ومغطاة برقائق
جوز الهند. وكان هذا الاسم يطلق أيضا على الشكولاتة اللبنانية وحلوى المارشملو،
حتى غير المصنع اسمها إلى طربوش قبل 10 سنوات.
وذكرت
الصحيفة أحد المنشورات على انستغرام لسندر، حيث قالت إنه تم نعتها بـ "العبدة"
من طفل آخر عندما كانت في السادسة من عمرها، والذي كرر ما سمعه من والديها.
وقالت:
"وهكذا أصبحت الكلمات العنصرية عادية وطبيعية للبعض"، كما قالت
"كونوا أفضل".
وأشارت
إلى قيام اثنتان من مشاهير العرب، الذين قالوا إنهم يحاولون إظهار دعمهم لحركة "حياة
السود مهمة"، بنشر صورهم على الانترنت بوجه أسود. وقامت واحدة منهن وهي ممثلة
مغربية بمسح صورتها بعدما واجهت انتقادات عديدة. والثانية، وهي مغنية لبنانية
والتي نشرت صورة ممنتجة لها ببشرة داكنة وقالت: "كل حياتي حلمت أن أكون
سوداء." ودافعت عن الصورة كنوع من العمل التضامني.
وبهذا
الخصوص ذكر التقرير أنه لطالما قامت شركات متعددة الجنسيات مثل "يونيليفر"،
و"جونسون وجونسون" بتسويق كريمات تفتيح البشرة في الشرق الأوسط والهند،
مما يعزز فكرة أن البشرة الفاتحة أفضل في المنطقة التي يسود فيها الجلد الداكن.
وبعد رد فعل عنيف الشهر الماضي، أعلنت "جونسون وجونسون" أنها ستوقف خط
مبيعات منتجات "كلين" و"كلير" و"فايرنس". وفي غضون أيام
قالت "يونيليفر" إنها ستغير منتجاتها وتزيل عبارات مثل "التبييض"
و"فاير" من الملصقات.
وتشير
دعدوش إلى أنه غالبا ما يتم الشعور بالعنصرية في العالم بشدة من خلال نظام التوظيف
"الكفالة"، مما يؤثر ليس فقط على عاملات المنازل من إثيوبيا وغانا ودول أفريقية
أخرى، ولكن أيضا على الآسيويين ذوي البشرة الداكنة من أندونيسيا والفلبين.
وتقول
الكاتبة أيضا إن بعض الموظفين يعانون في بعض الأحيان من الاعتداء الجنسي والنفسي
والجسدي. وكثيرا ما يتم حبسهم داخل المنازل وتجريدهم من أوراق هويتهم. وذكرت أن وزير العمل اللبناني السابق كميل أبو
سليمان قام بتشبيه نظام الكفالة بـ "العبودية المعاصرة".
وفي
نهاية شهر حزيران/يونيو، فرت عاملة منزل إثيوبية تدعى "هوا" بعدما ازداد
ضرب أصحاب عملها اللبنانيين لها بشكل عنيف لدرجة أنها كانت تخشى على حياتها. وقالت
إنها لم تحصل على أجرها منذ عام. وقالت في مقابلة: "كانوا
سيقتلونني". وقد عرض عليها سائق
حافلة لبناني أخذها للمشفى بلا مقابل بعدما رآها تنزف من الأنف والوجه لكنها أصرت
على الذهاب إلى القنصلية الإثيوبية.
وكانت هوا
من بين العشرات من النساء الإثيوبيات الهزيلات خارج القنصلية منذ أيام. وقال
معظمهن إن أصحاب عملهن لم يعيدوا جوازات سفرهن أو هواتفهن.
وتقوم
نساء مثل هوا وتيغيست عادة بإرسال الدولارات إلى عوائلهن في إثيوبيا. لكن في خضم
الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في لبنان، لا سيما بعد اندلاع جائحة كورونا الجديدة،
لم يكن لدى الكثير من العائلات العملة لدفع رواتب العاملات، فقرر البعض التخلي
عنهن على الرصيف.
وتقول
هوا بمرارة: "والآن بما أنه يوجد كورونا ولا يوجد مال فتقوم بطردي؟".
ويقوم ناشطون شعبيون بتزويد النساء المهجورات بالملابس والطعام والمأوى.
وتقول
مجذوب إن الاضطراب المفاجئ بطرد العمال على جوانب الطرق في بيروت هو "تتويج
طبيعي لنظام الكفالة الذي يعامل هؤلاء العمال على أنهم أقل من البشر". لكنها أضافت
"إن الغضب الذي أحدثته هذه المشاهد المرعبة التي رأيناها قد خلقت الكثير من
الزخم لبدء إصلاح النظام في النهاية".
وتقول
دعدوش إن نظام الكفالة لا ينتشر فقط في لبنان لكنه أيضا منتشر في دول الخليج
العربي وسوريا. حيث ظهرت الكثير من
المقاطع المصورة تظهر الانتهاكات على مر السنين. وانتشرت مقاطع فيديو قبل فترة على منصات التواصل
الاجتماعي لرجل خليجي وهو يصرخ على العامل المنزلي الأفريقي في بيته، وطلب منه صب
الماء على ضمادة حيض متسخة وشربها، وظهرت امرأة من خلفه وهي تدفعه.
وتقول
مجذوب: "بالتأكيد، هناك جانب عنصري في الكفالة، وفي رؤية هؤلاء العمال كما لو
كانوا خدما، كما لو أنهم لا يملكون حياتهم الشخصية وآمالهم وتطلعاتهم وأحلامهم".
وتعيد
تيغيست رواية تعرضها للضرب من صاحب العمل بإلحاح زوجته المتكرر لإجبارها على
التوقف عن السؤال بعدما طالبت بدفع ما لها.
وتقول
تيغيست بصوت مرتجف وعينيها غارقة بالدموع: "يمكنها أن تفعل ما تريد، لكن الله
يرى".
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)