المساجد في فلسطين لا تقتصر على العبادة والتقرب إلى الله عز وجل فقط، فهي بالإضافة إلى الجانب الروحي والمعنوي والإيماني، تعد مخزونا تراثيا وتاريخيا يؤكد إسلامية وعروبة هذه الأرض التي بارك الله حول مسجدها، المسجد الأقصى.
في هذا البحث نتلمس قبسا من النور من مساجد فلسطين التاريخية التي تشكل معلما تراثيا وإرثا إنسانيا ومعمارا فنيا ساحرا، ولن نعرج في هذا البحث إلى مساجد القدس والمسجد الإبراهيمي في الخليل لأنها مساجد معروفة للجميع وتحتاج منا إلى بحث مستقل وموسع، وسنركز على المساجد التي لا يعرف عنها القارئ العربي خارج فلسطين الكثير ضمن معركة الذاكرة في الحفاظ على الذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية.
مسجد الشيخ علي بكاء:
يقع المسجد أو الزاوية في مدينة الخليل وسمي بهذا الاسم نسبة للشيخ علي البكاء، وهو أحد الشيوخ الصوفيين واستقر في المدينة حتى وفاته عام 1271.
وبنيت الزاوية على ثلاث مراحل في عهد المماليك، وأعيد تشييده في الثمانينات من القرن الماضي ببناء حديث ومسجد حديث أحيطت به غرف تحوي دارا للقرآن الكريم وأخرى للفقه ومكاتب للجنة زكاة الخليل وعيادة طبية، ويحتوي المسجد على مئذنة أثرية تاريخية تعود على الأغلب لعهد الأيوبيين.
والشيخ البكاء كان صاحب زاوية بمدينة الخليل، وكان مشهورا بالصلاح والعبادة وإطعام الزوار وأبناء السبيل، وكان الملك المنصور قلاوون يثنى عليه ويذكر أنه اجتمع به وهو أمير وأنه كاشفه في أشياء وقعت له.
ويروى أن سبب بكائه أنه صحب رجلا كانت له أحوال وكرامات، وأنه خرج معه من بغداد فانتهوا في ساعة واحدة إلى بلدة بينها وبين بغداد مسيرة سنة، فقال له ذلك الرجل: إني سأموت في الوقت الفلاني، فأشهدني في ذلك الوقت في البلد الفلاني.
قال: "فلما كان ذلك الوقت حضر عنده وهو في السياق، وقد استدار إلى جهة الشرق فحولته إلى القبلة فاستدار إلى الشرق فحولته أيضا ففتح عينيه وقال: لا تتعب فإني لا أموت إلا على هذه الجهة، وجعل يتكلم بكلام الرهبان حتى مات فحمله الشيخ علي وجاء به إلى دير هناك فوجد أهل الدير في حزن عظيم".
فقال لهم: ما شأنكم؟ فقالوا: كان عندنا شيخ كبير ابن مائة سنة، فلما كان اليوم مات على الإسلام، فقال لهم: خذوا هذا بدله وسلمونا صاحبنا، وسلموه إليه فوليه فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه مع المسلمين، وولوا هم ذلك الرجل فدفنوه في مقبرة النصارى.
وتوفي الشيخ علي البكا ودفن بزاويته المشهورة وهي بحارة منفصلة عن مدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام من جهة الشمال.
الجامع الكبير:
مسجد أثري يعود للحقبة العثمانية في فلسطين، يقع وسط مدينة جنين شمال الضفة الغربية، ويعتبر أهم المعالم التاريخية في المدينة.
ويعد من أقدم التحف المعمارية العثمانية في البلاد، يشار إلى انه في المدينة مسجد أخر يشبهه يدعى المسجد الصغير، وهو مشابه في تصميمه جامع الجزار في عكا والجامع الكبير في الرملة.
بني المسجد في أواخر عهد السلطان العثماني سليمان القانوني في حوالي 1566، وقد بنته السيدة فاطمة خاتون بنت محمد الأشرف بن قانصوه الغوري، سلطان المماليك الذي انتصر عليه السلطان سليم الأول العثماني في معركة "مرج دابق" الشهيرة .
مرت السيدة فاطمة خاتون من بلدة جنين في رحلتها التاريخية من لبنان وسوريا مرورا بفلسطين، ولما وصلت بلدة جنين أعجبها موقعها، حيث البساتين العامرة، والمياه المتدفقة ومن حولها مرج بن عامر الشهير بتاريخه وخصوبة أراضيه، ورأت أن المكان يشكل نقطة مرور للمسافرين بين الشمال والجنوب من فلسطين إلى سوريا ولبنان، فقررت أن تنشئ مسجدا، هو المسجد الحالي ليكون منارة للعلم والإيمان، ومأوى لابن السبيل، ويجد فيه الفقير والمسكين طعامه ومأواه، فأنشأته على مدى عامين في مكان موقع مسجد إسلامي صغير بني غداة الفتح الإسلامي للمدينة .
تزيد مساحة الجامع المذكور حاليا عن ثلاثة دونمات وربع، أما مساحة أصل المسجد القديم القائم تحت قبة الجامع الكبيرة، والتي تشبه إلى حد كبير قبة مسجد الجزار، وقبة المسجد الكبير وهو ما يميز هذه القِباب بتاريخها العريق، وحضارتها الإسلامية، فتبلغ مساحته 150 وخمسون مترا مربعا.
الجامع الصلاحي الكبير:
يقع في حي القصبة وسط المدينة القديمة في نابلس ما بين الشارع الشمالي المؤدي إلى خان التجار القديم وشارع النصر قرب حارة العقبة وحارة القيسارية. وكانت تقوم في الموقع بازيليكا رومانية متهدمة، غير أن أصل البناء الحالي كنيسة صليبية شيدت عام 1167 ثم حولت إلى جامع عام 1187 وسمي تيمنا باسم صلاح الدين الأيوبي.
كان أصل الموقع بازيليكا رومانية متهدمة، غير بناء الكنيسة الأصلي الذي تم تحويله إلى مسجد، وتم بناء القبة والمحاريب، وأما المئذنة فهي تقع في وسط الواجهة الشمالية فوق المدخل بشكل ثماني، وعند الدخول إلى المسجد بعد صعود بعض الدرجات تطل علينا الساحة المكشوفة التي تتوسطها بركة ماء، وأما البوابة الرئيسية فهي تتألف من خمسة أقواس، وقد تزين القوس الخارجي بنقوش رومانية، وأعمدة البوابة رخامية مزخرفة بشكل مميز.
ووصف الجامع من قبل الرحالة ابن بطوطة عندما كان في زيارة لمدينة نابلس عام 1355، بقوله: "والمسجد الجامع في نهاية من الإتقان والحسن، وفي وسطه بركة ماء عذب".
شهد الجامع عدة تجديدات وإصلاحات وإضافات خلال العهد الأيوبي والمملوكي والعثماني والعهد الحديث وتهدم جزء كبير منه في زلزال 1927.
المسجد قائم حتى هذا اليوم بمساحة 1400 مترا مربعا، وأُجريت عليه عمليات ترميم في الفترة الأخيرة، وهو مسجد عامر بذكر الله وتقام فيه الصلوات الخمس.
المسجد الحنبلي:
أحد المساجد التاريخية في نابلس. يقع في حي القصبة وسط المدينة القديمة. بني في عهد السلطان العثماني سليمان بن عثمان عام 1309. كان يسمى الجامع الغربي، ومنذ القرن السابع عشر غلب عليه اسم الحنبلي نسبة إلى الحنابلة الذين تولوا الإمامة فيه.
ترجع أهميته لوجود خزانة فيها شعرات الرسول صلى الله عليه وسلم الثلاثة التي أحضرت من الأستانة، الجامع يستمد جزءا من مكانته في النفوس لوجود هذه الشعرات الطاهرة حيث كتب على منبره تجدد بناء هذا المسجد وتشرف بالشعرات المحمدية بأمر الخليفة السلطان محمد رشاد خان الخامس ومنذ ذلك الوقت جدد عدة مرات آخرها في عام 2011.
تحفظ هذه الشعرات خارج المسجد حاليا حيث سعت بعض الفئات إلى سرقة هذه الشعرات الطاهرة لكن تم نقلها إلى عهدة آل البيطار حيث هم من يتولى تاريخيا الحفاظ على هذه الشعرات.
وتعرض هذه الشعرات في كل ليلة قدر أو في ذكرى المولد النبوي في احتفال إسلامي بهيج في المسجد للتبرك بها. وهكذا، يراها المؤمنون ويتبركون بها، بينما يعلو المديح النبوي من فرق أتباع الطرق الصوفية في المدينة، من أبرزها فرقتا "النقشبندية" و"القادرية".
مطلع القرن الماضي، أراد السلطان العثماني محمد رشاد الخامس تكريم علماء نابلس، ومنهم مفتي الدولة العثمانية آنذاك الشيخ منيب هاشم، فبعث إليهم بثلاث من شعرات النبي محمد. فخرج أهالي نابلس وعلماؤها في موكب مهيب لاستلام الهدية، ومن بينهم الشيخ رشيد البيطار الذي عهدت إليه وإلى عائلته سدانة تلك الشعرات التي وضعت في زجاجة مفرغة من الهواء في خزانة داخل مسجد الحنبلي.
مر مسجد الحنبلي بمراحل تطوير عدة، وبعدما كان صغير الحجم، أصبحت مساحته اليوم تمتد على 1500 متر فتتسع لنحو 1500 والمسجد يقصده مرتادو السوق وزائرو المدينة من الخارج ويعد نبرا إعلاميا ومركزا لإحياء المناسبات الدينية.
لاجئ من يافا: لهذا رحّلتنا مصر بعد زيارة السادت للقدس
فنان تشكيلي أردني: تربطني بكل شهيد في فلسطين علاقة وجدانية
فلسطين 100 عام سينما.. من الريادة عربيا إلى تحدي البقاء (2من2)