قالت مجلة "فورين بوليسي" إن رئيس الوزراء
اللبناني السابق سعد الحريري، عاد إلى المشهد بمطلب غير شعبي، متعهدا بأداء أفضل
هذه المرة (الرابعة له كرئيس للوزراء) في الوقت الذي يعاني فيه لبنان منذ أشهر من
الشلل السياسي، وأسوأ أزمة مالية منذ عقود، ووباء فيروس كورونا، وعواقب انفجار
مرفأ بيروت المدمر في 4 آب/ أغسطس.
وأشارت المجلة في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أن
أغلبية ضئيلة من أعضاء البرلمان اللبناني، وافقت يوم الخميس على عودة الحريري
كرئيس وزراء مكلف وتشكيل حكومة جديدة، ستكون أول اختبار صعب له.
وقالت إن عودته لن تلقى الترحيب من مئات الآلاف من
اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجا منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي،
عندما حققوا أكبر انتصار لهم بإجبار الحريري على الاستقالة. لكن بعد عام من الآمال
المحبطة، يستقبل المحتجون عودته بمزيد من اليأس والغضب.
وتساءلت المجلة: "ألم يستقل الحريري قبل عام استجابة
للاحتجاجات الشعبية، فكيف يفترض أن تكون عودته الحل لمشاكل لبنان التي تفاقمت منذ
ذلك الحين؟".
ولفت الحريري إلى أنه يعود كرئيس للوزراء أساسا، لأنه لا
يوجد شخص آخر تتفق عليه الأحزاب السياسية اللبنانية. فقد استقال حسان دياب، الذي
خلف الحريري الخريف الماضي، بعد انفجار آب/ أغسطس الذي أودى بحياة وأصاب المئات ونُظر
إليه على نطاق واسع على أنه نتيجة عدم كفاءة وفساد الحكومة. وجاء بعده مصطفى أديب،
سفير لبنان في ألمانيا. لكنه لم يستطع تشكيل حكومة جديدة واستقال من منصب رئيس
الوزراء أواخر الشهر الماضي.
وكانت العقبة الأكبر أمام مجلس الوزراء هي منصب وزير
المالية، وهو منصب قوي، حيث يمكن أن تؤثر الموافقة المالية على عمل الوزارات
الأخرى. وأرادت أحزاب لبنان الشيعية حزب الله وحركة أمل هذا المنصب لكن كانت هناك
مقاومة من مجموعات أخرى لهذا الطلب. ويُعتقد أن الحريري أكثر استعدادًا لتلبية هذا
المطلب، وفي الواقع، بينما رفض حزب الله ترشيح شخص لرئاسة الوزراء، قال إنه لن
يقف في طريق تشكيل حكومة جديدة.
في الوقت نفسه، وعد الحريري بتشكيل حكومة من
"متخصصين غير حزبيين" مهمتهم "تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية
والإدارية" التي تحتاجها البلاد بشدة. بالطبع، هذا هو نفس الوعد الذي قطعه كل
من أديب ودياب على نفسيهما من قبله.
وبالرغم من خبرة الحريري في اللعبة السياسية في لبنان
وكونه من المرجح أن يلبي مطالب الأحزاب السياسية التقليدية أكثر من أديب، إلا أن
النجاح في تشكيل الحكومة ليس مضمونا. وسوف يكون عملا متوازنا للمصالح السياسية.
ويمكن للعملية أن تستمر عدة أشهر. وإن لم تنجح، قد يشهد لبنان رئيس وزرائه الرابع
في أقل من عام والمزيد من التأخير في طريقه إلى التعافي.
اقرأ أيضا: فرنسا تحذر من غرق لبنان.. وعون يخاطب الحريري
وقالت المجلة إنه ينبغي أن تكون هناك خيارات أخرى، وتم
طرح أسماء أخرى لرئاسة الحكومة المقبلة، لكن الخيارات محدودة.
وأشارت إلى أن تيار المستقبل الذي ينتمي إليه الحريري،
وحركة أمل الشيعية، والحزب التقدمي الاشتراكي (الدرزي)، والحزب السوري القومي
الاجتماعي صوتوا لصالح عودة الحريري، لكن التيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون
والقوات اللبنانية المسيحية لم يفعلوا ذلك. وفي المحصلة، فاز الحريري بأغلبية
ضئيلة – 65 صوتا فقط من أصل 128.
ويولد هذا النظام السياسي الطائفي نوعا من المقاربة
الأسرية للسياسة التي جلبت المتظاهرين إلى الشوارع في المقام الأول. وقد انتشر هذا
الأسبوع مقطع فيديو عمره عامان لابن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، اعتبر فيه أن عمله
السياسي هو “family business” أي
شركة عائلية. وينطبق هذا على الطوائف الأخرى.
ولا تزال الحرب الأهلية اللبنانية من 1975 إلى 1990 تلقي
بظلالها على المشهد السياسي. فنفس الأحزاب السياسية القائمة على أساس طائفي وغالبًا
نفس الحكام هم من هيمنوا على النظام السياسي في لبنان وهو ما كان المتظاهرون
يحتجون عليه، وكثير منهم من قادة المليشيات
السابقين في زمن الحرب أو من أقاربهم.
وكانت استقالة الحريري بعد أسابيع قليلة من بدء
الاحتجاجات في تشرين أول/ أكتوبر الماضي أكبر انتصار للحركة الاحتجاجية ومنحتها
زخما إضافيا. ولأشهر بعد ذلك، في كل مرة كان يتم فيها طرح أسماء مرتبطة بالحرس
القديم في لبنان للمناصب الحكومية، كان يخرج المتظاهرون إلى الشارع.
لكن حتى وقت متأخر من يوم الخميس، كانت التظاهرات صغيرة،
وهناك شعور بالهزيمة لدى الكثيرين ممن رأوا دعواتهم لإنهاء الفساد وسوء الإدارة
والنظام السياسي الطائفي تذهب أدراج الرياح. وتوحي عودة الحريري بعد عام واحد
تقريبا للعديد من المتظاهرين أن كل ذلك كان بلا فائدة.
ونقلت المجلة عن خبراء وقولهم إنه حتى لو أجريت انتخابات
جديدة غدا، فلا يحتمل أن تتغير النتائج كثيرا عن البرلمان الحالي. ومن المحتمل أن
يحصل المستقلون خارج الطبقة السياسية الراسخة على حفنة من المقاعد في البرلمان
اللبناني المؤلف من 128 مقعدا، وهذا لا يكفي لتغيير الأمور بشكل جذري.
وهذا الركود بحد ذاته انعكاس لنهاية الحرب الأهلية. واتفاق
الطائف، الذي أنهى القتال، لم يؤد إلا إلى ترسيخ النظام الطائفي في البلاد حيث قام
أمراء الحرب بتقسيم السلطة لتأمين مصالحهم الخاصة.
وتساءلت المجلة، هل ستكون المرة الرابعة هي الأروع
بالنسبة للحريري كرئيس للوزراء؟
وقال إنه من غير المرجح ذلك. فمهمة الحريري الأولى ستكون
تشكيل حكومة، وهي ليست مهمة سهلة في السياسة اللبنانية، حيث يتم اتخاذ القرارات من
خلال الخلافات السياسية والمقايضات لإرضاء النخب السياسية في البلاد. وستحتاج جميع
الأحزاب السياسية اللبنانية القائمة على أساس طائفي إلى التكيف، فيما يشبه عملية
التوازن أكثر من كونها عملية ديمقراطية.
وسوف تكون المهمة الرئيسية للحكومة الجديدة إذا تم
تشكيلها هي تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية لتلبية شروط فرنسا وصندوق النقد
الدولي، اللازمة لإطلاق مليارات الدولارات من المساعدات التي تشتد الحاجة إليها.
وهو ما يمكن أن يمنع الانهيار الكامل على المدى القصير لكنه لن يحل مشاكل لبنان الهيكلية.
وأضافت: "لدى لبنان واحدة من أعلى نسب الدين إلى
الناتج المحلي الإجمالي في العالم وتعتمد بشكل كبير على الواردات، بما في ذلك
المواد الغذائية، التي لم تعد قادرة على تحملها حيث فقدت العملة 80 في المائة من
قيمتها منذ الخريف الماضي. نصف اللبنانيين يعيشون الآن تحت خط الفقر، ومن المرجح
أن تعني الإصلاحات إزالة الدعم عن الوقود والخبز".
وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ديفيد شينكر
للصحافيين يوم الخميس: "مهما كانت الحكومة التي ستأتي بعد ذلك، يجب أن تلتزم
وتتمتع بالقدرة على تنفيذ الإصلاحات التي يمكن أن تؤدي إلى فرص اقتصادية وأسلوب
حكم أفضل ووضع حد للفساد المستشري".
كما حذر جان كوبيس، منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان،
قادة البلاد من "الاعتماد على المعجزات أو الانتخابات الأجنبية أو المانحين
الخارجيين، يجب أن تبدأ عملية إنقاذ لبنان، من قبل لبنان".
الحريري أمام تحدّي إرضاء الداخل والخارج في الحكومة الجديدة
هذا ما قاله الحريري بعد تكليفه رسميا بتشكيل الحكومة
الحريري يبدأ مشاورات تشكيل الحكومة وعون يطلب الإسراع