في ١٣ نيسان (أبريل) الجاري، أصدر مكتب مديرة الاستخبارات القوميّة بالتعاون مع مجمع الاستخبارات الأمريكية تقرير التقييم السنوي للتهديدات التي تواجه الولايات المتّحدة الأمريكية. ويعتبر التقليد الجاري في إصدار هذا النوع من التقارير حديثاً نسبياً مقارنة بأنواع أخرى، وهو يرتبط بشكل رئيسي بعالم ما بعد هجمات أيلول/ سبتمبر ٢٠٠١ في نيويورك وواشنطن حيث تعود النسخة الأولى منه إلى العام ٢٠٠٥.
وثيقة استرشادية
يحظى التقرير بأهميّة كبرى لكونه يعبّر عن رؤية مختلف أجهزة الاستخبارات في البلاد إزاء التهديدات العالمية الأكثر خطورة التي قد تواجه الولايات المتّحدة الأمريكية، كما أنّه يستخدم كوثيقة استرشادية لعدد من الهيئات والمؤسسات الرسمية، إذ إنّه يُقدّم للكونغرس ويتاح كذلك للعموم الاطلاع عليه.
يقع تقرير هذا العام ٢٠٢١ في ٢٧ صفحة، ويركّز على مجموعة متنوعة من التهديدات الموجودة على خلفية جائحة كوفيد-١٩، والتنافس مع القوى الكبرى، والتطور المتسارع للتكنولوجيا. وتتربع الصين وروسيا على رأس قائمة التهديدات الكبرى بالنسبة إلى الولايات المتّحدة في تقرير هذا العام لاسيما لناحية الأمن والدفاع والمجال السيبراني.
يشير التقرير إلى أنّ الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية أظهرت جميعها القدرة والنية على مواصلة الدفع بمصالحها على حساب مصالح الولايات المتّحدة الأمريكية بالرغم من جائحة كوفيد-١٩.
يعتقد القائمون على التقرير أنّ طهران لا تقوم الآن بأي من النشاطات التي تعتقد المخابرات أنّ من شأنها أن تؤدي إلى إنتاج قنبلة نووية بالرغم من الخروقات التي تقوم بها للإتفاق النووي.
فالصين منافس متقّدم يتحدى الولايات المتّحدة على أكثر من صعيد وخاصة على الصعيد الاقتصادي والعسكري والتقني، وهي تدفع باتجاه تغيير المعطيات العالمية لصالحها. أمّا روسيا، فهي تقاوم الولايات المتّحدة حيثما أمكنها ذلك على الصعيد العالمي باستخدام تكتيكات مختلفة من بينها استخدام القوّة. وفي ما يتعلق بإيران، يقول التقرير إنّها تبقى تهديداً إقليمياً عبر أنشطتها الخبيثة الواسعة النطاق، فيما ستظل كوريا الشمالية لاعباً مزعجاً على المستوى الإقليمي.
ويؤكد التقرير أنّ خصوم الولايات المتّحدة ومنافسيها الرئيسيين يقومون بتعزيز قدراتهم وممارسة قدراتهم العسكرية والسيبرانية بشكل متزايد يرفع من المخاطر والتهديدات للولايات المتّحدة والقوات الحليفة، ويقوّض من الردع التقليدي، ويؤدي إلى تزايد خطر أسلحة الدمار الشمال.
القدرات السيبرانية
المثير للاهتمام أنّ التقرير يركّز كذلك على التهديدات غير التقليدية المتصاعدة والمتعلقة بالتحولات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم وتأثيرها على الحياة بشكل عام، وهي تهديدات يصفها بـ"الفريدة". فالقدرات السيبرانية قادرة على فرض تهديدات على البنية التحتيّة وعلى السماح للنفوذ الأجنبي بالتأثير على الديمقراطية الأمريكية.
وللقاعدة وتنظيم داعش وإيران والمليشيات الموالية لها نصيب من التقرير الذي أشار إلى أنّ هؤلاء يواصلون التخطيط لهجمات إرهابية ضد أمريكيين ومصالح أمريكية بما في ذلك داخل الولايات المتّحدة الأمريكية. وبالرغم من الخسائر التي منيت بها هذه التنظيمات إلاّ أنّها أظهرت مرونة كبيرة وتحاول الاستفادة من المناطق التي تقع خارج سيطرة الحكومات لإعادة بناء نفسها.
الصين منافس متقّدم يتحدى الولايات المتّحدة على أكثر من صعيد وخاصة على الصعيد الاقتصادي والعسكري والتقني، وهي تدفع باتجاه تغيير المعطيات العالمية لصالحها. أمّا روسيا، فهي تقاوم الولايات المتّحدة حيثما أمكنها ذلك على الصعيد العالمي
الصراعات الإقليمية تستمر في تأجيج الأزمات الإنسانية، وتقويض الاستقرار، وتهددّ الأمريكيين ومصالحهم. بعض هذه الصراعات الإقليمية لها تأثير مباشر على أمن الولايات المتحدة كأفغانستان والعراق وسوريا حيث تتواجد القوات الأمريكية، وبعض التوترات كتلك الموجودة بين قوتين نوويتين، الهند وباكستان، تشكل مصدر قلق للعالم.
إيران وإسرائيل وأمريكا
واستناداً إلى التقرير، فانّ العنف المتكرر بين إسرائيل وإيران، ونشاط القوى الأجنبية في ليبيا، والصراعات في مناطق أخرى من العالم بما في ذلك أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط - لديها القدرة على أن تتفاقم وتنتشر. وعلاوة على ذلك فإن هناك إشارة إلى الجريمة المنظمة والنظام البيئي حول العالم.
اللافت أنّه بالرغم من التنازلات التي قدّمتها إدارة بايدن الجديدة لإيران خلال الأشهر القليلة الماضية لإقناعها بالتفاوض، فإن التقرير يشير إلى أنّ طهران تبقى مهتمة في تطوير شبكات خاصة بها داخل الولايات المتّحدة، وهو ما تقوم به لأكثر من عقد من الزمان. ويعتقد القائمون على التقرير أنّ طهران لا تقوم الآن بأي من النشاطات التي تعتقد المخابرات أنّ من شأنها أن تؤدي إلى إنتاج قنبلة نووية بالرغم من الخروقات التي تقوم بها للاتفاق النووي.
وفي ما يتعلق بنشاطات إيران الإقليمية، فهو يقدّر أن العراق سيبقى ساحة رئيسية لنفوذ إيران من خلال مليشياتها والنفوذ السياسي التابع لها وأنّها ستستخدمه، كما أنها ستبقى قوّة زعزعة للاستقرار في اليمن، وستسعى إلى المحافظة على نفوذها في سوريا وإلى استخدام حزب الله في لبنان ضد إسرائيل. كما يشير التقرير إلى محورية المليشيات الشيعية في نفوذ إيران الإقليمي ويؤكد أنّ اعتماد طهران على فيلق القدس التابع للحرس الثوري والمليشيات التابعة له سيبقى أمراً محورياً بالنسبة إلى قوة إيران العسكرية، وذلك بموازاة تزايد قدراتها على التجسس واستخدام القدرات السيبرانية لإلحاق الضرر ببعض البنى التحتية الحيوية.
Twitter: @Alibakeer
تعاطي الحكومة الليبية مع التدخلات الخارجية.. تفكيك أم تأزيم؟