ما يجمع بين السعودية والإمارات أكثر من ذاك الذي يمكن أن يذهب بهما نحو مواجهة أو استعصاء أو صدام أو قطيعة، لكنّ ما أخذ يفرّق مؤخراً، في المقابل وعلى شاكلة أيّ خيارات استراتيجية بعيدة المدى تتصل بمنافذ الحضور الإقليمي وبوّابات خدمة المصالح العليا؛ ليس أقلّ قيمة تفجيرية من حيث الدفع نحو كبوة نوعية في تحالف سعودي – إماراتي طويل المدى والمدّة، وليس أدنى مكانة لجهة التسبب في ارتطام تناحري بصدد خيارات كبرى وجودية الطابع.
مسلّم به، من حيث المبدأ المعلَن والمعطيات المكشوفة، أنّ حكاية الخلاف في قلب مجموعة "أوبك +"، لجهة حصص الإنتاج التي تصرّ أبو ظبي على رفع معدلاتها في مواجهة إصرار الرياض على إبقائها ضمن المتفق عليه، ليست سوى واجهة أولى تخفي صدام خيارَين، أو ستراتيجيتين: إنتاج أكبر كمية ممكنة من النفط وتحويلها إلى أموال ومشاريع استثمارية، على الجانب الإماراتي؛ وضبط الإنتاج عند مقادير تكفل تعافي الأسواق واستقرار سعر البرميل في مستواه الراهن، على الجانب السعودي.
ومع ذلك، وهذه خلاصة مسلّم بها أيضاً، ليست الحاجة الماسة إلى تدفق الأموال، ضمن الخيارَين معاً، هي هاجس الرياض وأبو ظبي، فـ"الخير واجد" كما يقول التعبير الشائع، والتهديد الذي مثّله أو يمثّله كوفيد – 19 على مداخيل النفط أشبه بذاك الذي يمكن أن يمثّله وقوف عصفور على بيدر! وأيّ تهديد مالي أو استثماري، مهما بلغت شدّته، لن يفتّ في عضد تحالف سعودي – إماراتي يواصل الصمود منذ العام 1981، تاريخ تأسيس مجلس التعاون الخليجي. لكنه طراز من التهديد يمكن أن يشعل اللظى في نار تحت الرماد، قد تلوح كامدة أو حتى خامدة في انتظار تلك الشرارة التي تتكفل باندلاع اللهيب.
والعاصمتان اللتان اتفقتا، إلى درجة التطابق الأقصى أحياناً، على ملفات جيو – سياسية إقليمية كبرى أو صغرى، مثل تفخيخ انتفاضات "الربيع العربي" أو مساندة انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر أو المغامرة العسكرية في اليمن أو المشير الانقلابي حفتر في ليبيا أو السعي إلى تفكيك الانتفاضة في السودان… سرعان ما عصفت بهما الرؤى المتقاطعة، أو المتناقضة، جرّاء تقاطع المصالح أو تناقضها على وجه التحديد. ومشهد أبو ظبي في اليمن مع المجلس الانتقالي الجنوبي، أمام الرياض في تسويق عبد ربه منصور هادي؛ أو المواقف العملية من نتائج المصالحات الخليجية في قمة العلا، من حيث توجهات التطبيق في الرياض أو التعطيل في أبو ظبي؛ ليست سوى نماذج حيّة، ماثلة للعيان، حول أصناف الزيوت التي يمكن أن تُصبّ على الرماد إياه.
ولعلّ ما لا يصحّ تجاهله في الطور الراهن من العلاقات السعودية – الإماراتية هو غياب صديق النظامين الكبير، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي اعتاد على تجاوز الأعراف البروتوكولية والحدود الدنيا من اللباقة في ترجمة "صداقة" من نمط بالغ الخصوصية مع حكّام البلدين؛ لا تشبه اسمها إلا في تلك الحالات النادرة التي ينقلب فيها الصديق إلى وسيط ضاغط، يُصلح ذات البين بقدر ما يقبض أثمان أتعابه سخية مضاعفة.
ويبقى غير عابر أن يدعو وزير الطاقة السعودي زميله الوزير الإماراتي إلى "شيء من العقلانية"، على مبعدة أيام من قرارات سعودية حول تعديل قواعد الاستيراد من الإمارات، أو تعليق دخول الرعايا الإماراتيين (لأسباب كوفيدية، بالطبع)، أو… فتح شاشة فضائية سعودية أمام خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، ذاتها التي طالب وزير الخارجية الإماراتي بإدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية! لكنّ "غير العابر" هنا ليس مرشحاً للتحوّل إلى راسخ مستقرّ وثابت في قلب التعاقد، المتشابك متعدد الأوجه، بين السعودية والإمارات من زاوية القواسم العليا المشتركة؛ في المدى المنظور على الأقلّ، وفي هذا ما ينفع الشعبين، وشعوب الخليج والمنطقة إجمالاً، أياً كان الرأي في طبيعة النظامين.