حقوق وحريات

معتقلون يعرضون الاعتراف بالسيسي عبر مصالحة تنهي معاناتهم

هل يستجيب النظام لمناشدات المعتقلين؟ - أرشيفية

تداول حقوقيون ونشطاء مصريون رسالة منسوبة لمعتقلين في عدد من السجون وأماكن الاحتجاز المصرية من كافة الاتجاهات السياسية، يعلنون فيها موافقتهم على مصالحة مع النظام أو تسوية شاملة في الإطار الذي تحدده الدولة مقابل إطلاق سراحهم وإنهاء معاناتهم.

 الرسالة التي نقلها بعض ذوي المعتقلين وأكدوا أنها نقلا عن أبنائهم في السجون تعلن اعتراف أغلب المعتقلين برئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، رئيسا للبلاد، وذلك من منطلق وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي، ولا يمكن لـ"عربي21" تأكيدها من مصدر مستقل.

وجاء نص الرسالة كالتالي:

بعد وفاة الرئيس محمد مرسي رحمه الله، وقد كانت الشرعية تتمثل في شخصه، أما وأنه رحل، فقد أصبح للبلاد رئيس شرعي ودستور وقوام دولة كاملة ومؤسسات مكتملة.

ونحن إن كنا نعبر عن شريحة معتبرة تمثل أغلب المعتقلين بكافة توجهاتهم السياسية، مخاطرين بأنفسنا لإيصال كلمتنا بصوت مسموع لدى أطراف اتخاذ القرار.

ووفقا لما تم التصريح به يوم ١١ أيلول/ سبتمبر الماضي، بمناسبة إطلاق استراتيجية حقوق الإنسان نُعلن "أننا ندعم ما تم التصريح به، إذ نوافق على مصالحة أو تسوية شاملة في الإطار الذي تحدده الدولة، بما يضمن عدم اعتراض مشاريعها وما تقوم به".

ونطالب كل أطراف الصراع بإنهاء معاناتنا ومعاناة أطفالنا وأسرنا ومرضانا وعجزتنا وشبابنا، الذين أصابهم مختلف أمراض السجن النفسية والجسدية، ومستقبلهم الغامض الذي يمضي أمامهم وأمام أسرهم في حزن مكتوم.

وإذ يمر قطار الأعمار سدى دون إمكانية تعويضه فرحمة بنا أنقذونا من بين هذه الجدران وأعيدونا للحياة.

الرسالة كتبت في ٢٣ أيلول/ سبتمبر ٢٠٢١، ممثلة للمعتقلين في سجون وادي النطرون (٤٣٠-٤٤٠-١-الملحق)، وسجون طرة (استقبال- تحقيق- ليمان)، وجمصة (شديد-الحراسة)، والمنيا (ليمان-شديد الحراسة)، وبرج العرب والحضرة والأبعدية، ومراكز وأقسام الشرطة.

 

 

 
وتتزامن الرسالة مع موافقة البرلمان المصري الاثنين الماضي، على تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر، متضمنا نحو 27 من الشخصيات العامة والسياسيين والحقوقيين.

وكان عضو المجلس السياسي المصري والبرلماني محمد أنور السادات قد أعلن في حوار صحفي لموقع "مدى مصر" جرى حذفه لاحقا، 15 أيلول/ سبتمبر الماضي، عن خطوات لبحث ودراسة حالات بعض المعتقلين لإخلاء سبيلهم، ليس بينهم الإسلاميون ولا المنتمون لجماعة الإخوان.

السيسي كان قد أطلق ما عرف بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في 11 أيلول/ سبتمبر  الماضي، في محاولة منه لتخفيف الضغوط الخارجية والانتقادات الحقوقية لملفه في حقوق الإنسان.

كما تتزامن الرسالة أيضا مع بيان يمثل انطلاقة من علماء الأمة الإسلامية للسعي في إخراج عشرات الآلاف من معارضي النظام في مصر من كل الاتجاهات والتوجهات.

 

اقرأ أيضا: مجلس جنيف للعلاقات الدولية يطلق مبادرة لإنهاء أزمة مصر

وتوجه 120 داعية وعالما و16 رابطة ومؤسسة واتحادا إسلاميا الأحد، بنداء لكل الحكومات الداعمة لحقوق الإنسان ولقيم العدل والحرية أن يتحركوا لاستنقاذ سجناء الرأي في مصر.

وخص العلماء بالذكر حكومتي تركيا وقطر بما لهما من ثقل إقليمي ودولي أن يتبنوا قضية هؤلاء المظلومين ويسعوا في رفع الظلم عنهم واستنقاذ أرواحهم.

وقال البيان: "العلماء يتابعون بكل أسى وإنكار ما وصلت إليه حالة حقوق الإنسان في الأمة من إهدار، وما انتشر في عدة بلدان من اعتقالات، بل وصل الأمر إلى استباحة الدماء المعصومة، وإزهاق الأنفس البريئة بإصدار الأحكام المسيسة في القضايا الملفقة.

إن العلماء الموقعين على هذا البيان قد تعاهدوا على أن يكونوا في حراك دائم وعمل دائب، حتى ينالَ كلُّ معتقل حقه في الحرية، ويتمتعَ كلُّ مظلوم بحقه في العدالة.....".

 



ويعاني أكثر من 60 ألف معتقل لنحو 8 سنوات في سجون النظام في ظل ظروف إنسانية وصحية صعبة، مع بطش النظام وتجاهله لجميع النداءات الحقوقية والمبادرات الإنسانية للتخفيف من معاناتهم أو حل الأزمة مع جماعة الإخوان المسلمين.

وعلى مدار السنوات السابقة لم يتم اتخاذ خطوات عملية لفك أزمة المعتقلين، وهو ما اعترف به القيادي بجماعة الإخوان الدكتور جمال عبد الستار في مقال بصحيفة "عربي21"، بعنوان "مسارات الواجبات العملية لتحرير المعتقلين بمصر".

وقال عبد الستار: "لا أعلم أن جهدا خاصا بُذل لتحرير المعتقلين والعمل على إخراجهم، نعم كانت هناك جهود إغاثية، ومناوشات حقوقية، ومناكفات سياسية، وحملات إعلامية، لكن لا أعلم أن مشروعات أطلقت للتحرير، ولا أن جهودا بُذلت للخلاص".

موت بطيء

 
ويشير الواقع على الأرض إلى رغبة حثيثة لإنهاء الأزمة وهو ما عبر عنه المعتقل السابق، (ض. ع)، نجل المعتقل الحالي (ع. ع)، في حديثه مع "عربي21".

ويقول: "سُرق من عمري عدة سنوات داخل المعتقل، كنا نهون الأمر على أنفسنا ونتحلى بالصبر والأمل، ولكن عندما كنت أركن إلى نفسي أحزن على العمر الذي ضاع، والزوجة التي تنتظر، والأبناء الذين لا أعلم عنهم شيئا".

ويضيف: "كنت حزينا على أمي التي صارت العائل لأسرة كبيرة، وأصبح عليها تزويج أخواتي البنات واستكمال تعليمهم، ورعاية زوجتي وابنتي المولودة بعيب خلقي، وتوفير المال لزيارتي وزيارة أبي، وكان أشد ما يحزنني صمت أبي الذي يجاورني في زنزانة ضيقة".

ويؤكد أنه وعائلته التي يصل عدد المعتقلين منها الحاليين والسابقين لأكثر من 6 أفراد إلى جانب ما يعانيه أزواج أخواته من مطاردة أمنية وهروب إلى خارج البلاد وكل من يعرف من أهالي المعتقلين، "مع أي خطوة لإنهاء موتهم البطيء".

لنرى النور

أما زوجة المعتقل السابق وأم المعتقل الحالي، "أ. ع"، فتقول: "لا أنام وكلما وضعت جنبي توقظني صورة نجلي، الذي جرى اعتقاله مرتين، رغم أنه يعاني من إعاقة ذهنية وبصرية".

وتضيف لـ"عربي21": "وإذا ذهبت في النوم يوقظني زوجي (ع. غ) الذي جرى اعتقاله مرتين وتعرض لأشد أنواع العذاب حتى فقد وعيه ويعيش معنا بجسده ولكن عقله في عالم آخر، وعندما يفيق يعاني أشد الألم".

وتواصل: "أرجوكم وأرجو كل من له دور أن يتحرك لإنقاذ ابني وأبناء وبنات المعتقلين"، مؤكدة أنها لا تعلم شيئا عن نص تلك الرسالة لكنها تؤيد ما فيها كاملا، المهم أن يرى أبناؤنا النور. 

"نحتاج إرادة"

ومع تشكيل مجلس حقوق الإنسان في مصر، بعد إعلان الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان ووسط دعوات للإفراج عن المعتقلين، توجهت "عربي21" إلى مدير "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"‏ جمال عيد، بالتساؤل: هل أزمة المعتقلين إلى انفراج حقيقي؟

يقول الحقوقي المصري: "أعتقد لا، فلا توجد إرادة ولا نية حقيقية لحل ملف السجناء السياسيين"، مؤكدا على "ضرورة أن يفرج عن السجين حين يفرج عنه وفق حقه بالقانون، وليس بقرارات أو دعوات أو ضغوط".

ويضيف: "الحديث عن نوايا النظام تجاه المعتقلين أمر شرير، فنحن لا نتحدث بالإفراج عنهم عن إجراءات تستغرق وقتا أو ميزانية تكلف الدولة ولكن نتحدث فقط هنا عن احترام القانون، والأمر لا يكلف النائب العام سوى مكالمة هاتفية".

عيد، يوضح أن أغلب سجناء الرأي الآن خارج إطار القانون؛ إذ تجاوز أغلبهم مدد الحبس الاحتياطي، وأعمال وبنود القانون، ومعاقبة ومحاسبة من انتهكوا حقوقهم في محبسهم.

وعن خطوات النظام السابقة، يعتقد أن "الاستراتيجية المعلنة مجرد حبر على ورق، لا تستحق ثمن ما ستكتب عليها، أما مجلس حقوق الإنسان فتأخر تشكيله 4 سنوات، ومع ذلك فينطبق عليه المثل العربي تمخض الجبل فولد فأرا".

ويؤكد أن "تشكيلة مجلس حقوق الإنسان الجديد، مقارنة بمجلس محمد فائق السابق والذي كنا نسخر منه، تؤكد أنه لا نوايا لدى النظام لاحترام حقوق الإنسان، وأن هذا التشكيل ليس إلا محاولة لتجميل صورة النظام".

وعن تأثير الضغوط الحقوقية الغربية وحكومات أمريكا وأوروبا على ملف مصر الحقوقي، يقول عيد، إنه "لا معنى للضغوط الغربية لدي، فهذا شأن مصري، والمصريون منتهكة حقوقهم، ومشكلات مصر ليست بحاجة إلا لإرادة من المصريين".

"لم ننسهم"

وعما أثير عن مطالبة معتقلين وذويهم بحل أزمتهم بأي ثمن، يقول المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين الدكتور طلعت فهمي: "للمعتقلين وإرادتهم كل الاحترام، ونسعى بكل الطرق لفك الأزمة ونحلم باليوم الذي ينعمون فيه وكل مصر بالحرية وبتحرر المعتقلين والمهاجرين والمظلومين".

ويضيف لـ"عربي21": "لكن ما يثار عن توجه جماعي من معتقلين للاعتراف بالنظام هو أمر صعب تأكيده، خاصة وأننا كنا في السجون ونعلم تماما أنه لا يمكن التواصل بين المعتقلين بذات السجن، فما بالك بتواصل المعتقلين بكل سجون الجمهورية، الأمر صعب".

فهمي، يؤكد أن "هناك خلطا في الأمور، وليس معنى وفاة الدكتور محمد مرسي الرئيس الشرعي أن يمنح ذلك السيسي شرعية، وفي هذا ترويج لمفاهيم يريد النظام الترويج لها".

ويوضح أننا "نعلم بحال المعتقلين من تعب وألم، وندرك أن من حق بعضهم أن يرخصوا لأنفسهم ولكن الرخصة لا يجب أن تفرض على الجميع، لأن هذا يترتب عليه أمور خطيرة واستلاب حقوق معنوية وأدبية وسياسية، وإن خرجوا بهذه الطريقة سيكونون غير كاملي الأهلية والمواطنة".

المتحدث باسم "الإخوان"، يلفت إلى أن "من أراد أن يعبر عن موقفه من المعتقلين فهذا حقه الكامل، ولكننا نعلم أن هذه الدعوات خلفها أشياء أخرى؛ ونتمنى نهاية أزمتهم، ولكن أين حقوق الشهداء والمتضررين والمهجرين وحقوق الشعب".

اقرأ أيضا: خبراء: استراتيجية السيسي لحقوق الإنسان مجرد مغازلة للغرب

ويجزم بأن "اختصار الموضوع بأن هناك مجموعة معتقلين تريد أن تخرج من محبسها هو تسطيح للأمور"، ملمحا إلى أن الجهود تتواصل في هذا الملف وأن الجماعة تمارس الضغوط على النظام.

ويؤكد أن "النظام شكل مجلس حقوق الإنسان، واخترع (الاستراتيجية الوطنية) بسبب تواصلنا مع 28 رئيس دولة ووزراء وسفراء وبرلمانيين، ما دفع للضغوط الأوروبية والأمريكية على النظام، ولذا فهذه أشياء لا يرجى منها ومجرد تبييض لوجه النظام".

ويضيف: "لو كانت توجهات حقيقية لكان فتح السجون وسمح بالزيارات وإدخال الطعام والدواء، وكلها أشياء بسيطة لو لديه رغبة لتحسين أوضاع المعتقلين ولكن حتى هذا غير متاح".

وعن الأدوار المحتملة لتركيا وقطر في حل أزمة المعتقلين مع تقاربهما المحتمل مع نظام القاهرة، يقول فهمي: "الأتراك يقولون إن المشوار مازال طويلا ولم يصلوا إلى شيء حقيقي، وقد يحدث لما تصل الأمور لبعض الهدوء بينهما وتسمح، ولكن على مستوى الدولتين ليس هناك جديد".

ليست وصية

وحول مدى حقيقة نسب تلك الرسالة إلى المعتقلين في السجون المصرية يقول القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور جمال حشمت، لـ"عربي21": "لا علم بصحة تلك المناشدة للسيسي".

 ويضيف: "لكنه أمر من حق أي معتقل أن يقرر فيه ما يشاء"، مؤكدا أن "جماعة الإخوان ليست وصية على أبنائها؛ بل هي جامعة لهم على الحق".

وبشأن احتمالات أن تتبنى الإخوان مطلب هؤلاء المعتقلين، يوضح حشمت، أن "الجماعة لها موقفها الصامد في وجه الاستبداد، تتعامل معه وفق قدرتها وإمكاناتها؛ ولا تمنحه قبلة حياة".

ويلفت إلى أن النظام في المقابل "يخوض معاركه في الخارج مستسلما تحت أقدام أعداء الأمة؛ ومستأسدا على أهل هذا الوطن".

ويعتقد السياسي والبرلماني المصري السابق أن "هذه الأوضاع لن تدوم"، مستدركا: "لكن كل الاحترام لمن يرى وسيلة خلاصه في الاستسلام بعدما فاض صبره".

وفي تقديره لاحتمالات قيام تركيا وقطر بدور في أزمة المعتقلين، يقول إن الأمر "متوقف على قدرة من يدير ملف المعتقلين في فضح كامل لما يحدث لهم في سجون مصر".

ويضيف: "كما أن الأمر يخضع لرغبة كل من الدولتين في تصعيد الأمور مع الانقلابيين في مصر، إذا فشلت محاولات الصلح، خاصة وأن ملف المعتقلين نقطة ضعف للانقلابيين أمام العالم الخارجي".