ملفات وتقارير

ماذا وراء دعوة السيسي الدول العربية للتطبيع مع الاحتلال؟

جدد السيسي دعوته الدول العربية إلى التطبيع- صفحته عبر فيسبوك
استغل رئيس مصر بعد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ذكرى حرب "6 أكتوبر 1973" من أجل الدعوة إلى السلام والتطبيع مع الاحتلال، دون إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967، وهي القاعدة الرئيسية للمبادرة العربية عام 2002.

وأشاد السيسي، خلال كلمته بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين لحرب السادس من أكتوبر بقرار الرئيس الراحل أنور السادات، إنهاء حالة الحرب مع الاحتلال وتوقيع اتفاقية السلام (كامب ديفيد) في عام 1979، الذي وصفه بصاحب الرؤية الثاقبة.

وذهب السيسي إلى أبعد من ذلك، وطالب جميع الحكام والزعماء العرب إلى الاقتداء بمشروع السادات، الذي أثبت واقعيته وجدواه بعد أكثر من أربعين سنة، على حد قوله، وهو ما تبعه توقيع اتفاقيات سلام منفردة مع الأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

وتنص مبادرة السلام العربية، التي أطلقها ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في أثناء القمة العربية ببيروت عام 2002، على إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينين، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل.

وقال السيسي في الندوة التثقيفية الـ34 للقوات المسلحة: "قرار الرئيس السادات  ومبادرته للسلام، هو القدرة على قراءة وتجاوز أدبيات مستقرة في عصره"، لافتا إلى أنه استطاع بجرأة تجاوز أدبيات ولغة وثقافة ومبادئ العصر، وأنه كان على قناعة أنها لن تستمر بعد حرب 6 أكتوبر ولا بد من تجاوزها بمفاهيم جديدة، وهذا هو الواقع الذي أصبح موجودا، والذي يؤكد أن هذه قراءة سابقة لعصرها".

وتوجه بدعوته إلى الحكام العرب قائلا: "أتمنى كما أن الرئيس السادات تجاوز كثير من القضايا في منطقتنا، أن يستطيع الحكام والمسؤولون عن إدارة الأزمات فيها، أن يتجاوزوا أدبيات ومفاهيم مستقرة وينطلقوا لأعماق أفضل، ذلك (في إشارة إلى التطبيع مع إسرائيل)، متسائلا: "لا أدري هل هذا الحديث سوف يؤخذ به أم لا أعرف!".




 

 

اقرأ أيضا: محللون: السيسي أسقط الخطوط الحُمر مع الاحتلال بذكرى "أكتوبر"
 
"السلام هو الإنجاز"
قال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى السابق، رضا فهمي: "لا شك أن مصر كانت القاطرة العربية في قضايا الأمة، وكانت حرب 6 أكتوبر ضد دولة الاحتلال أكبر مثال على ذلك؛ حين شارك في تلك الحرب الكثير من الدول العربية تحت راية واحدة وهدف واحد، وتأتي الذكرى وعلى رأس البلاد السيسي الذي يخلو تاريخه من أي مشاركات أو إنجازات عسكرية".

وأضاف لـ"عربي21": "حتى إن السيسي لم يفكر يوما في الدفاع عن حقوق مصر المائية، رغم وجود حاضنة شعبية وإجماع على ضرورة مواجهة خطر نقص المياه والتحكم في شريان الحياة الوحيد في البلاد، وتجاهل الخيار العسكري تماما، ولأنه يخشى الحرب، سوف يتجنب أي خيارات تتعلق بالعمل العسكري والدفاع عن مصر؛ لذلك يعتبر اتفاقية السلام إنجازا تاريخيا وليس نصر أكتوبر".


واعتبر أن "السيسي استطاع بناء نموذج من العلاقات مع إسرائيل على المستوى الأمني والعسكري والسياسي لم يتكرر مع أي دولة عربية أخرى في المنطقة، ولا توجد علاقة مع أي بلد تشبه العلاقة مع إسرائيل، حتى أصبحت علاقة استراتيجية لأنه لم يأت باختيار شعبي، إنما بانقلاب عسكري ويعتقد في إسرائيل أنها القادرة على دعمه وتثبيته في حكمه".


"تطبيع الثعابين والمنتفعين"

وصف الخبير العسكري والضابط السابق في الجيش المصري، العقيد عادل الشريف، السلام مع دولة الاحتلال، بأنه "سلام الثعابين"، وقال: "أي سلام مع هذا الكيان هو سلام شكلي ثعباني؛ لأن الثعابين الصهيونية طامحة في أكل بيض الحمام المصري ومن حوله العربي".

وأوضح لـ"عربي21": "كان عبد الناصر (الرئيس الأسبق) هو الذي وفر الظروف الكاملة لينتهزها السادات ويبني عليها مبارك ويتألق في تأكيدها وتألقها السيسي، ولكنه يبقى رغم كل ما بذل من أجله، سلاما شكليا باردا، ولم يكن دافئا أبدا كما يزعم قائد الانقلاب".

 

الرهان على الشعوب والصفوة المثقفة من هذه الشعوب بصفة خاصة، بحسب الشريف- لمناهضة مشروع التطبيع الذي يدعو له السيسي، مشيرا إلى أن "السيسي هو الذي يتقرب للاحتلال وبعض النفعيين، وهذا ليس بجديد، ولكن الفارق أن العلاقات مع هذا الكيان قبل السيسي كانت تحت الطاولة، وفي عهده أصبح "التطبيع" أسلوب حياة". 

 

اقرأ أيضا: السيسي لعباس: نواصل العمل من أجل عودة السلطة لقطاع غزة


لغة تطبيع غير مسبوقة
من جهته؛ قال المحلل السياسي، عزت النمر؛ إن "اللغة التي تكلم بها السيسي لغة خطيرة، خاصة وهو يتكلم بها في ذكرى انتصار مصر على الكيان الصهيوني، تجاوزت حالة التطبيع الذي تمارسه الأنظمة ولم تستسغه الشعوب، ليته توقف عند الإشادة بخطوة السادات في السلام مع إسرائيل، ولكنه دعا إلى تجاوز الأدبيات، وهي ليست مجرد دعوة إلى التطبيع، بقدر ما تنطوي هذه اللغة على حميمية أكبر مع الكيان الصهيوني.

وأضاف لـ"عربي21"؛ لو أخذنا هذه الدعوة وهذا الحديث على محمل الجد، نكون أمام خطرين عظيمين: أولهما أن السيسي ونظامه لا يقيم وزنا للثوابت الوطنية وحقوق العروبة، وأنه على استعداد لتقديم خدمات مجانية لإسرائيل. والشر الأكبر هو أن يكون هذا الحديث مقدمة لتنازلات واتفاقات قدمتها مصر تمت بالفعل في زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأخيرة، وهذا الحوار هو تمهيد للإعلان عن صفقات قذرة في هذا الاتجاه".

ورأى النمر أن "حالة النرجسية الكارثية التي يعيشها، ربما تجعله يقدم لإسرائيل أكبر مما تطلب، وربما أكثر وأخطر من أي توقع، وهو يعتبر ذلك أنه عبقرية أو سبق كما اعتبر سلفه الأول، أعتقد أن تكلفة بقاء السيسي ونظامه يوما بعد يوم، تمثل كارثة على مصر الدولة وعلى الأمة".