تعيش مديرية العبدية في محافظة مأرب، الغنية بالنفط والغاز، شمال شرق اليمن، أوضاعا إنسانية صعبة، في ظل استمرار الحصار الذي يفرضه الحوثيون عليها منذ 3 أسابيع، والقصف المدفعي والصاروخي عليها، تمهيدا لاجتياحها عسكريا.
العبدية، مقاطعة تقع في الريف الجنوبي من مدينة مأرب، ويقطنها 35 ألف شخص، يرزحون تحت حصار خانق فرضه الحوثيون منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، على وقع معارك ضارية مع قوات تابعة للجيش اليمني.
وتكتسب العبدية أهمية؛ نظرا لموقعها الجغرافي الذي يجعل منها "البوابة الجنوبية" لمحافظة مأرب، فضلا عن ارتباطها الجغرافي بمحافظتي البيضاء وشبوة، من جهة الغرب والجنوب.
وتعالت الأصوات والتحذيرات من قبل مسؤولين يمنيين ومنظمات محلية من تبعات الحصار الذي يفرضه الحوثيون، المتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي على مناطق المديرية، التي تتهددها كارثة إنسانية، بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية والأدوية، لاسيما أن معظم سكانها من النساء والأطفال وكبار السن.
وأعلنت السلطات الصحية في مدينة مأرب مديرية العبدية منطقة منكوبة، حيث تعيش مأساة إنسانية جراء الحصار المطبق، وقصف المستشفى الوحيد فيها، ولا يمكن التنبؤ عن حجم المعاناة الإنسانية التي قد تحدث في ظل استمرار القصف للقرى والمساكن.
وقال بيان صادر عن مكتب الصحة والسكان في مأرب، الأربعاء، إن مليشيا الحوثي، التي وصفها بـ"الارهابية"، قصفت مستشفى مديرية العبدية الوحيد، ومركز غذاء الأطفال في المستشفى أثناء تلقي عدد من الأطفال والجرحى المدنيين للعلاج جراء إصاباتهم الناجمة عن استهدف المليشيا لمنازلهم صباح أمس..
وأضاف: "القصف أدى إلى أضرار كبيرة في المستشفى، وأجبر إدارة الصحة بالمديرية على إخلائه من المرضى والجرحى، بينهم جرحى مليشيا الحوثي الذين ألقي القبض عليهم من قبل قوات الحكومة الشرعية".
وأشار بيان مكتب الصحة الحكومي إلى أن قصف مستشفى المديرية يندرج ضمن الانتهاكات المصنفة "جرائم حرب" في القانون الدولي الإنساني.
ويأتي ضمن عملية ممنهجة من قبل الحوثيين لاستهداف المنشآت الصحية، التي أدت إلى تدمير 17 منشأة طبية ومرفقا صحيا، ومقتل 7 أطباء وعاملين صحيين، وإصابة 7 آخرين من الكوادر الصحية بمأرب بشكل عام منذ بدء حربها في ٢٠١٥م.
وأعرب عن خيبة أمله من التغافل غير المبرر من قبل المنظمات الأممية، وصمتها أمام هذه الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين والمنشآت الطبية والمدنية.
كما دعت السلطات الصحية في مأرب منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى الاستجابة الطارئة للوضع الإنساني الخطير في العبدية، وسرعة تقديم الخدمات الطبية العاجلة، مطالبا في الوقت ذاته الجهات الدولية بالضغط على مليشيا الحوثي، وتنفيذ الإجراءات التي نص عليها القانون الدولي الإنساني، وفتح ممرات آمنة لإنقاذ المتضررين، وحماية السكان والأعيان المدنية، وإخلاء الجرحى والمرضى، وإيقاف جرائم الحرب التي ترتكب في المديرية.
اقرأ أيضا: تحذير من كارثة إنسانية بمأرب والتحالف يقصف تجمعات الحوثي
ما أهمية العبدية؟
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاستراتيجي في الشؤون العسكرية والأمنية، علي الذهب، أن مديرية العبدية قد تكون لها أهمية عسكرية وقبلية؛ نظرا لموقعها الجغرافي.
وقال في حديث لـ"عربي21" إن أهميتها بالنسبة للحوثيين تكمن في "سلسلة الإحاطة" أو "قوس الإحاطة"، الذي يحاول الحوثيون رسمه للسيطرة على مدينة مأرب، مركز المحافظة.
فالسيطرة على مديرية العبدية، جنوبي مأرب، وفقا للخبير اليمني، تعني إضافة اتصال جغرافي بين المديريات الأخرى، ومن ثم إضعاف القدرة الدفاعية لمأرب، بتوزيع قواتها بشكل دفاع دائري على المدينة.
وأكمل قائلا: "الدفاع الدائري قابل للانهيار إذا لم تكن هناك قوات كثيرة تتولى عمليات الدفاع".
وأشار الخبير الذهب إلى أن الحوثيين يحاولون، بطريقة أو بأخرى، فتح أكثر من جبهة محيطة بمدينة مأرب، ومن أضعف هذه الجبهات يتم الدخول إليها، أو من مختلف تلك الجبهات.
كما أعتبر أن لمديرية العبدية "أهمية رمزية"، في كونها مسقط رأس القادة الذين لا يزالون يقاتلون الحوثي، منهم اللواء عبدالرب الشدادي، قائد المنطقة الثالثة، الذي قتل في معارك مع الحوثيين 2016.
متى بدأ الحصار؟
وبدأ الحصار على مديرية العبدية في 21 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد تمكن الحوثيين من السيطرة على مديرية حريب المحاذية، إثر تقدمهم المفاجئ والسريع من محافظة البيضاء (وسط) نحو مديريتي بيحان والعين، شمال وغرب محافظة شبوة، جنوب شرق البلاد.
"نفاد الغذاء والدواء"
وفي تقرير لمكتب حقوق الإنسان في مدينة مأرب، فإن الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيا الحوثي على 35 ألف نسمة، غالبيتهم من النساء والأطفال وكبار السن في مديرية العبدية، تسبب في نفاد المواد الغذائية لدى غالبية سكانها، الذين يعتمدون في شراء احتياجاتهم من سوق قانية في البيضاء، وسوق مديرية حريب، والذي سيطر عليهما الحوثيون.
وقال التقرير الذي وصل "عربي21" نسخة منه، الأربعاء، إن "هناك نقصا في حليب الأطفال والمواد مثل الدقيق والسكر والأرز وزيوت الطبخ، إضافة إلى انعدام كامل لمادة الغاز المنزلي والمواد البترولية".
وتابع بأن "نفاد الأدوية من مستشفى الشهيد، علي عبدالمغني، الذي يعتمد عليه غالبية السكان في المديرية، ومنها الخاصة بالأمراض المزمنة كالسكر والضغط وأمراض السرطان والفشل الكلوي، إذ إن جرع الإنسولين وأدوات السكر وضغط الدم منعدمة تماما جراء الحصار".
كما ذكر أن الكهرباء توقفت بشكل كلي بسبب انعدام الديزل، وعلى إثرها توقف المختبر عن العمل، الأمر الذي نتج عنه شبه خروج لكثير من خدمات المستشفى في المديرية.
وأوضح مكتب حقوق الإنسان في تقريره، أن هناك انعداما للمياه الصالحة للشرب نتيجة منع الحوثيين التجار من إدخال المياه المعدنية إلى المديرية، ما اضطر السكان لشرب المياه الملوثة.
اقرأ أيضا: الحوثيون يسيطرون على مناطق جديدة جنوب مأرب
"مذبحة متوقعة"
وفي هذا السياق، يقول رئيس تحرير صحيفة "مأرب برس" (محلية متوقفة عن الصدور)، محمد الصالحي، إن الوضع الإنساني متردّ بشكل كبير في مديرية العبدية، حيث النقص الحاد في الغذاء والدواء، فضلا عن أوضاع الجرحى الذين أصيبوا جراء القصف والقتال مع الحوثيين.
وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21": "بسبب عدم قدرة المستشفى الوحيد في المديرية على تقديم الرعاية للجرحى، توفي 3 جرحى متأثرين بإصابتهم، في وقت تشير المعلومات إلى أن أكثر من 70 جريحا مهددون بالموت في العبدية، جراء الحصار المفروض عليها".
وأشار الصالحي إلى أن الحوثيين قاموا باستهداف مستشفى العبدية بالقصف المدفعي والصاروخي، وهو مشفى صغير، الأمر الذي يفاقم من الكارثة الإنسانية للسكان المحليين.
وأكد الصالحي أنه منذ 25 يوما، والحوثيون يحاصرون المديرية، فيما الإمكانيات العسكرية لدى القوات الحكومية المرابطة في أطرافها محدودة وبسيطة أمام ترسانة دولة استولى عليها الحوثيون عقب سيطرتهم على صنعاء ومخازن الأسلحة التابعة للقوات المسلحة، فضلا عن الأسلحة التي حصلوا عليها من إيران، من صواريخ باليستية، وطائرات مسيرة، وأجهزة رصد مواقع، واتصالات، وغيرها.
وحذر الصحفي الصالحي من سقوط المديرية بيد الحوثيين خلال اليومين القادمين، في حال لم يتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لفك الحصار عنها، وإنقاذ السكان من مذبحة حال دخلها مسلحو الجماعة.
وقال إن المراهنة على صمود قوات الجيش فيها رهان خاسر، فقد صمدوا مع القبائل، بما فيه الكفاية، أمام مليشيات لديها إمكانيات عسكرية نوعية.
وانتقد الصالحي موقف الحكومة الشرعية مما يجري في مأرب، وقال إنها لم تعط لمديرية العبدية أي أهمية، إلى جانب الخذلان الكبير الذي تتعرض له المديرية، وقوات الجيش الحكومي، الأمر الذي ساهم في الهزائم وخسارة المناطق الواحدة تلو الأخرى، وصولا إلى فرض الحصار على العبدية من قبل الحوثيين.
ولفت إلى أن الحوثيين يحاولون كسر هيبة قبائل العبدية، التي كانت في طليعة المقاومين لتمددهم، مؤكدا أنه من خلال البطش بأبناء العبدية والتنكيل بهم، يبعثون برسائل إلى القبائل الأخرى بالمصير ذاته، في ظل صمت دولي وأممي عما يجري في المديرية من انتهاكات وحصار مفروض عليها.
ومنذ أسابيع، تشهد المديريات الجنوبية من محافظة مأرب، الغنية بالنفط، معارك هي الأعنف والأقوى بين القوات الحكومية والحوثيين، الذين تمكنوا الشهر الماضي من السيطرة على مديرية حريب، جنوب المحافظة، ومديريتي بيحان والعين في محافظة شبوة، المحاذية لها، من جهة الجنوب.
ومأرب هي آخر معاقل السلطات الشرعية في شمال اليمن، لم يسيطر عليها الحوثيون، الذين يشنون حملة عسكرية واسعة منذ ما يزيد على عام بهدف السيطرة عليها.
هل تقبل الرياض بشروط الحوثيين لوقف الحرب في اليمن؟
ما تداعيات تحركات واشنطن لحسم الحرب اليمن؟
ما وراء إعادة توزيع قوات موالية للإمارات بساحل اليمن الغربي؟