آراء ثقافية

القلقشندي في أوترخت

"أبو العباس" القَلْقَشَنْدِيّ (756هـ / 1355م - 821 هـ /1418م)- أرشيفية

تخيلت أن القلقشندي حل في أوترخت وبيده هاتف محمول، من أحدث إصدار، وبإبهامه يقلب العنوان تلو الاخر، فيدهش: لماذا يسعى أحفاد المستعبدين الأفارقة لتغيير ألقابهم؟، لماذا تهدد أبل بحظر تطبيقات فيسبوك بسبب "منشورات العبودية"؟.

تخيلت أن "أبا العباس" القَلْقَشَنْدِيّ (756هـ / 1355م - 821 هـ /1418م)، تحمله دهشته على محاورة آنا هوليغان، التي كتبت من لاهاي، العاصمة الهولندية، تحقيقا لـ "بي بي سي نيوز" عن قرار مجلس مدينة أوترخت إلغاء الرسم البالغ 835 يورو والإجراءات البيروقراطية لمساعدة الناس على التخلص من "أسماء العبودية" الخاصة بهم وإتاحة خيار تبني اسم يعترف بأصولهم الأفريقية، فـ "بموجب القوانين الهولندية الحالية، إذا كنت تحمل لقبا سخيفا مثل أن تكون ترجمته "فتحة الشرج" أو "الثوم" أو "المولود عارياً"، فلا يوجد شرط لإثبات أنه غير مرغوب فيه. ومع ذلك، إذا كان اسمك ترجع أصوله إلى الإرث الاستعماري الهولندي، فغالبا ما يتطلب إجراء فحص نفسي مكلف بالإضافة إلى الرسوم".

ها هو يبادرها: يا سيدتي ما هذا؟، عن الأسماء لابد لكي من سؤالي، فأنا أبو العباس، وشهاب الدين، وأحمد، والقلقشندي، قلقشندي وليس "كركشندي" كما يغني أحمد عدوية "كركشندي دبح كبشه يا محلا شربة لحم كبشه"، لطيف عدوية هذا، ولطفاء عشاقه ومستمعوه، قلقشندي أنا، ولدت في  قرية قلقشندة، فيما تسمى الآن محافظة القليوبية.


تقولين إنه "لأكثر من ثلاثة قرون، قام الهولنديون بشحن أكثر من نصف مليون أفريقي عبر المحيط الأطلسي" وأن بعض أحفاد هؤلاء يريدون تغيير أسماء أسلافهم، فلنسمع أسم أحدهم، أو إحداهن، ماذا تقولي، هذا صعب للغاية هل يمكن أن يسمى أحد "لن يتكرر ذلك ثانية أبدا"؟

حسنا فعلت بلدية أوتريخت، ومعهم حق الذين يرون في تنازل البلدية عن رسوم تغيير الاسم "جزء من عملية الاصلاح لإعطاء الناس الحرية والهوية مرة أخرى".


اقرأ أيضا : عري وفرح وفقر وجهل ووحدة وطنية!


بعض الكلمات لا يدرك شهاب الدين معناه جيدا، لكن لفت انتباهه قول آنا "كانت هولندا واحدة من آخر الدول التي ألغت العبودية في عام 1863 بعد 30 عاما من إقدام بريطانيا على هذه الخطوة".

وتسأله: متى ألغت في بلادكم؟
يحار أبو العباس، ويصمت.

هنا يتدخل متحذلق ويذكر أنه "في السادس من نوفمبر 1962 أصدر الأمير فيصل بن عبدالعزيز، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي، برنامجه الاصلاحي المعروف بـ (النقاط العشر).. الذي قضت نقطته العاشرة بالغاء الرق مطلقاً، وتحرير جميع الأرقاء وتعويض مُلاكهم".

يريد القلقشندي عندها العودة إلى موضوع الأسماء، وتستجب آنا، فتذكر أنه في العام الماضي، اختار ما يقرب من 3 آلاف شخص تبديل ألقابهم، لكن واحداً منهم فقط قال أنه يريد ذلك نظرا للدلالات الاستعمارية للقبه. ولقد أدى تعهد بلدية أوترخت بإلغاء الرسوم والإجراءات البيروقراطية بالفعل إلى إعراب مئات الأشخاص عن اهتمامهم بالأمر".

ويرد شهاب الدين، قارئا من مخطوطة كتابه" قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان" ما يلي: "غالب أسماء العرب منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه، إما من الوحوش، كأسد ونمر، وإما من النبات، كنَبت وحنظلة، وإما من الحشرات، كحيّة وحنش، وإما من أجزاء الأرض، كفِهر وصَخر، ونحو ذلك. والغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء، ككلب وحنظلة وضِرار وحرب، وما أشبه ذلك، وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء، كفلاح ونجاح، ونحو ذلك. والمعنى فيه ما حُكي: أنه قيل لأبي الدُّقيش الكلابي: لِمَ تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو مرزوق ورَباح، فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا. يريد أن الأبناء مُعدَّة للأعداء في المحاربة ونحوها فاختاروا لهم شر الأسماء، والعبيد معدّة لأنفسهم فاختاروا لهم خير الأسماء".

تضحك آنا، وتقول: منطق غريب، لكن هل هناك أمثلة صادمة كمثل : فتحة الشرج، الثوم؟.

فلا يجيب القلقشندي، لكن المتحذلق يقول: كان هذا قبل الإسلام، النبى صلى الله عليه وسلم نفسه استنكر ان يتسمى الإنسان بأسماء سيئة ففي حديث عن على ابن أبي طالب رضى الله عنه قال "لما ولدت فاطمة الحسن جاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: "أروني ابني ما سميتموه؟" قال: قلت: سميته حربا، قال: "بل هو حسن"، فلما ولدت الحسين جاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال: "أروني ابني ما سميتموه؟" قال: قلت: سميته حربا، فقال: "بل هو حسين".

وعندها شعر شهاب الدين بالامتنان لهذا المتحذلق المجهول، وانتحى به جانبا، ثم أشار إلى هاتفه، وقال هل تعرف ما هي حكاية تهديد أبل هذا، فاجابه: باختصار، هناك رق حديث، رق إلكتروني، منصات التواصل الاجتماعي في بعض الدول العربية تستخدم لبيع وشراء خادمات، بصيغ تعتبر في نطاق الاتجار بالبشر، وقد أصبح هذا عبر العالم كله جريمة شنيعة، تحارب في العلن بضراوة، لكنها مزدهرة بشدة في الخفاء، خفاء ترعاه تقنيات حديثة متطورة، والشركات العالمية، التي تبلغ قيمها السوقية ارقاما فلكية، تقول أنها تبذل جهدها لمنع استغلالها في هذه التجارة، هذا باختصار، لو أردت التفاصيل فأبحث بنفسك.

تخيلت أن القلقشندي انزعج، وتخيلت أني أقحمته في حكايات وقصص لا يمكن له أن يفهمها ويصدر فيها رأيا. فاكتفيت بهذا القدر من التخييل، ونظرت إلى واقع أن كل المنشورات والهاشتاغات المستخدمة في هذه العمليات كانت باللغة العربية بشكل أساسي، ونشرها مستخدمون في المملكة العربية السعودية والكويت. وغالبًا ما كان يتم تصنيف النساء حسب العرق، ويصبحن متاحات للشراء مقابل بضعة آلاف من الدولارات. وأن شركة أبل طلبت من فيسبوك بذل المزيد من الجهود لمعالجة عمليات الاتجار بالبشر.

فأدركت أني مطالب ببذل المزيد من الجهد فلهم هذه الظاهرة المستجدة، وهذا ما أنوي القيام به لاحقا.