قضايا وآراء

كيف يستفيد الإخوان من أزمتهم الضارية الأخيرة؟!

1300x600
مثلت أزمة عدم استقرار قيادة جماعة الإخوان المسلمين الأخيرة والخلاف غير المسبوق بين مجموعتي إسطنبول ولندن على منصب المرشد العام؛ واحدة من أعنف الأزمات التي شهدتها الجماعة على مدار تاريخها (إن لم تكن أعنفها على الإطلاق)، إذ وصلتْ الأمور في الأسبوع الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر إلى حد محاولة عزل كُلٍّ منهما الرأس في المجموعة الآخر، في ظل تمسك متبادل من كليهما بالشرعية، معتمدينِ في ذلك على اجتماعين قال كل طرف إنه عُقِدَ وأُخِذَ تصويت عبره على إقالة رأس الطرف الآخر. وفي سابقة خطيرة منذ 1928م (عام إنشاء الجماعة) كادت مجموعة إسطنبول بقيادة الأمين العام للجماعة الدكتور محمود حسين أن تقيل نائب المرشد والقائم بأعماله، إبراهيم منير.

وفيما تلقي الأزمة بظلالها على استمرارية الجماعة وقدرتها الفعلية على مواجهة الوضع المتردي لها ولمصر وللأمة، فقد ذكر منير الصف بثقته في حسين لقرابة تسع سنوات وصبره على فريق المكتب الإداري السابق المعاون له لمدة أربع سنوات، بل مدَّد له لعام آخر في 2020م بسبب جائحة كورونا، وأنه لا يتهمهم بالفشل لكن التغيير واجب، وأنه ليس من المعقول أن تكون نتيجة ذلك محاولتهم العصف به وإنهاء حياته الدعوية لا منصبه فقط، مما استجلب تعاطفا في الصف الإخواني معه؛ وزاد في تثبيت أركان منصبه وقراره بإقالة حسين وخمسة من أبرز أتباعه الذين استمروا على درب منافحة ومنافسة منير حتى النهاية.

وبعيداً عن حقيقة منصبي حسين ومنير، وهل كلٌّ منهما يتمتع بمسمى أمين عام الجماعة ونائب المرشد بشكل انتخابي يجوز استمراره مدى الحياة، وبعيداً عن كون منير قد أقال حسين من منصبه الذي أتى إليه بانتخابات مكتب الإرشاد في عام 2009م، وكون الأول يملك أو لا يملك ذلك، وهل منير أتى لمنصبه بالانتخاب أصلاً، وكذلك بعيداً عن قانونية امتداد مجلس الشورى العام للجماعة لليوم، فضلاً عن حقيقة اجتماعيه وقراراته التي استند إليها الطرفان، خاصة أنه ما من أحد منهما قد أعلن عن مؤيديه ولو برموز لأسمائهم يفهمها الذين في الصف وتستعصي على الجهات الأمنية (إن قال الطرفان أنهما يمتنعان لذلك).. بعيداً عن هذه الإشكاليات وهي تأسيسية رئيسية في الخلاف، إلا أن وجود إشكاليات أخرى أكثر ضرورة وضراوة يدفعنا دفعاً لتجاوزها إلى أمور أخرى أبرزها: فهل السيد حسين (وهو يقبل على منصف العقد الثامن من العمر) يرى نفسه أهلاً بالفعل لتولي منصب المرشد العام للجماعة؟ وهل من أسباب حقيقية تشجعه على هذه الرؤية؟ ومن المعروف أن الرجل لم يقصر في إقصاء معارضيه في الفكر والرأي مهما كانت منزلتهم ومكانتهم من الجماعة.

وكان من نتيجة مسلّمات حسين انسحاب عدد غير قليل من قامات الجماعة ذات القدرة على التفكير، وانقسامها الرسمي للمرة الأولى في تاريخها عام 2016م، ووجود جبهتين كل منهما تحمل اسم الجماعة عبر المكتبين الإداري والعام.

وفي المقابل كان منير بجبهته اللندنية حاضراً في مشهد الانقسام وأعان حسين عليها، خاصة مع اتجاههما معاً آنذاك لتبريد المشهد الثوري والمظاهرات وإعلان منير أن الجماعة إصلاحية لا ثورية فلا ينبغي أن تخيف الأنظمة، وأن قراراتها تسير في هذا الاتجاه، ولما رغب منير باحتواء الجبهة الأخرى رفض حسين تماماً مع حرصه وإصراره على وصم المكتب الآخر بعاشقي العنف، بل مع استمرار استبعاد جميع المخالفين له في الرأي والمناداة برؤية تحفظ على الجماعة كوادرها وتنهي أزمتها المحتدمة بلا نهاية والتي تكاد تفنيها في مصر.

أما فصل حسين وأبرز أتباعه اليوم فيفترض أنه سلاح ذو حدين في يد منير، إذ يتيح له توجيه الجماعة بدون منافسه الأوحد؛ وفي نفس الوقت يُبقي على نفس توجهاتها في استمرارية الصراع مع النظام بلا نهاية (مع تناقض هذا مع تصريحات سابقة لمنير)، أيضاً انسيابية الأموال إلى المرضي عنهم من قياداتها الوسطى والعليا، بعد انسحاب أغلبها من مناصرة حسين حتى أولئك الذين ساروا معه ردحاً طويلاً من الطريق. ولكن هل يضمن ذلك استمرار أبجديات تعامل حسين مع الصف، وهي التي يبدو أن منير يعترض عليها من حيث ما آلت إليه؟

يفتح الافتراض الأخير باباً للأمنيات بأن تكون الأزمة الأخيرة آخر أزمات الجماعة، وأن يقبل منير (خاصة مع إقباله على منتصف العقد التاسع من العمر) ختاماً مشرفاً لحياته يذكر الجميع بما فعله سابقه مهدي عاكف لما ثار على أعراف الجماعة المتأصلة؛ معلناً عدم بقائه في منصب المرشد حتى نهاية حياته، مستقيلاً مفسحاً المجال لغيره. فهل يتعلم منير من موقفه ويوسع صدره لتقبل جميع الآراء المنادية بحسم الخلاف الحالي مع النظام وهو الذي يكاد يفني أعضاءها، وبالتالي تقبل آراء الجميع من حوله خاصة الأصغر منه سناً، وإن تطلب الأمر أن يفسح لهم المجال لمساعدته أو حتى تولي أحدهم مكانه مع معاونته للتغلب على آفات الصف التي تعيق استمرارية الجماعة، وبذلك تؤثر منظومتا التجرد وحساب المنافع، وتقديم درء المفاسد، وتكون الأزمة الأخيرة نهاية خلافات الجماعة؟ أم تدور الأخيرة في فلك تحميل المُقالين الستة لجميع أخطائها وتظل خلافات الجماعة لما لا نهاية؟!