مقابلات

حقوقية مغربية لـ "عربي21": تونس لم تعد نموذجا ديمقراطيا

خديجة رياضي: المسار الذي تسير فيه تونس ليس مطمئنا وهو تكرار لذات التجربة المصرية

أعربت الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان الناشطة الحقوقية خديجة رياضي عن أسفها لتردي الوضع الحقوقي في تونس، وقالت بأنه يشهد "ردة عن منجزات الثورة".

ودعت رياضي في حوار مع "عربي21"، الحركة الحقوقية في تونس إلى التوحد من أجل وقف عودة النظام الدكتاتوري في تونس، الذي قالت بأن كل الدلائل تؤكد أنه بدأ في العودة إلى تونس.

وحذّرت من أن نجاح النظام التونسي الجديد في تكميم الأفواه ستكون له تداعيات وخيمة على واقع حقوق الإنسان ليس في تونس وحدها ولا في منطقة المغرب الكبير وإنما في كافة المنطقة العربية، تماما مثلما كان للانقلاب في مصر تأثير سلبي على واقع الحريات في العالم العربي.

ودعت رياضي في حوارها مع "عربي21" الحقوقيين والحقوقيات في تونس والمنطقة المغاربية والعربية إلى عدم الركون للمقابلة بين القبول بالأنظمة الدكتاتورية التسلطية والاستبدادية أو الإسلام السياسي، وأكدت أن البديل عن ذلك هو التمسك بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان بعيدا عن الخلفيات السياسية.

وهذا نص الحوار: 


س ـ كيف تنظرين لما يجري في تونس منذ قرارات الرئيس قيس سعيّد بحل الحكومة وتجميد البرلمان وتوليه السلطتين التنفيذية والتشريعية؟


 ـ أنا شخصيا سبق وأن وقعت على عريضة حقوقية تعتبر ما جرى في تونس ردة حقيقية على مكتسبات الثورة، وهناك تهديد لكل ما حققه الشعب التونسي بعد التضحيات التي قام بها منذ العام 2011 إلى اليوم، وأن هناك انقلابا على الشرعية وهناك تهديد بعودة الدكتاتورية إلى تونس.. هذه كلها أمور أنا مقتنعة بها.

لكن المشكلة أن الحركة الحقوقية التونسية منقسمة في هذا الموضوع، هناك من عاب علي لماذا أوقّع عريضة من هذا النوع وهناك تأويلات مختلفة للوضع وأنه ليس كل شيء كما يقال، وأنه فعلا الردة كانت سابقة للقرار، وأن هناك تهديدات للثورة حتى قبل قرارات الرئيس سعيّد، وأن الرئيس استجاب لطلبات الشارع وغير ذلك.

المشكل هو هذا الانقسام الذي وقع بين الحركة الحقوقية التونسية، أما أنا أشخصيا فأعتقد أن تونس تسير على ذات النهج المصري، وما يجري اليوم في تونس هو انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

س ـ عندما تسمعين بأن نائب رئيس أكبر حزب سياسي في تونس ونائبا برلمانيا ومحاميا يتم اعتقاله في الشارع بتلك الطريقة.. هل هذا سلوك مقبول ديمقراطيا؟


 ـ غير مقبول على الإطلاق، أنا أعتبر أن هناك عودة للدكتاتورية إلى تونس، هذا رأيي الشخصي.. ولكنني أشرت إلى الحركة الحقوقية التونسية، التي فشلنا في أن نحصل منها على رأي موحد تجاه ما يجري في تونس خلال الأشهر الستة الماضية.. فعندما يصدر بلاغ حقوقي في حادثة معينة بعدها بقليل تجد بيانا آخر مناقضا له، هذا هو الذي يثيرني ويشغلني.. 

أما موقفي الشخصي فهو واضح، وحتى في الحركة الحقوقية في المغرب نددنا بالتراجعات الحاصلة في تونس، وطالبنا بوقف هذه الردة واحترام حقوق الإنسان بشكل عام..

س ـ موضوع الحركة الحقوقية المنقسمة في تونس، هل ترين أن ما وصفتها بالردة الحقوقية تتطلب من الحقوقيين في تونس أن يتوحدوا على القواسم المشتركة، وأن يجعلوا الفيصل بينهم صناديق الاقتراع، وليس الدبابات وقوات الأمن؟


 ـ أكيد أن الحركة الحقوقية يجب أن يكون الفيصل في تحليلها للأوضاع والمواقف التي تأخذها أن تبنى على المرجعية الكونية لحقوق الإنسان.. العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية يؤكد على أن العديد من الحقوق، سواء حقوق الشعوب أو الأفراد يجب احترامها، وكل من انتهك هذا العهد أو أحد مقتضياته يجب اتخاذ موقف منه والتعبير عنه.. هذا هو المطلوب من الحركات الحقوقية..

وأنا أستغرب فعلا لماذا لا تتوحد الحركة الحقوقية في تونس في إدانة ما يجري.. لأنني أنا أيضا منسقة التنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان، وفيها هيئات تونسية ولا نستطيع أن نحصل على مواقف موحدة بينها.. لكن المطلوب أن يعبر كل الحقوقيين والحقوقيات عن موقف واضح من الانتهاكات التي يمارسها النظام التونسي وأجهزته الأمنية اليوم ضد حرية التعبير.. هذه الأمور يجب أن تكون محسومة بعيدا عن الاعتبارات السياسية والحزازيات ذات المرجعية السياسية.

س ـ برأيك أستاذة خديجة هل بعد ما وصفته بـ "الردة الحقوقية" وما شملته من انتهاكات حقوقية، هل ما زال الرئيس التونسي قيس سعيّد يمثل رمزا للثورة التونسية؟


 ـ ليس مخولا لي أن أقوم بتقييم رئيس دولة هل هو يمثل الثورة أم لا، أنا كحقوقية أحلل أوضاع حقوق الإنسان والقرارات التي تتخذها السلطات التونسية بهذا الشأن، وأقول هل تتماشى مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان أم هي تنتهك هذه الالتزامات.. أما التقييم السياسي للرئيس فهذا يبقى من حق الشعب التونسي، فأنا لم أصوت عليه ولا يمثلني.. وما يهمني هو الشعب التونسي وقواه الديمقراطية، وحركته الحقوقية التي قامت بتضحيات جسام وأعطت الكثير من الشهداء والمعتقلين والكثير من التضحيات من أجل الوصول إلى لحظة تتحقق فيها الديمقراطية، وتكون فيها مكاسب حقوقية..

ما نراه اليوم هو أن هناك ردة وتراجعا من طرف السلطات التونسية، وأقول بأن هذا التراجع غير مسموح به، وأدينه وأعتبره ضربا لكل ما حققه الشعب التونسي، وبالنسبة لنا كمنطقة مغاربية وعربية حتى، كانت تونس تمثل لدينا نموذجا والنبراس الذي سيمكننا من تحقيق الديمقراطية في بلداننا.. فإذا بهذا النموذج ينهار، وهذا يمسنا جميعا كشعوب المنطقة المغاربية حاولت أن تغير الأوضاع باتجاه الديمقراطية.

وأنا في كل هذا لا أقيم الأشخاص وإنما السياسات وأقيسها لمعايير حقوق الإنسان الدولية..

س ـ وصفت ما يجري في تونس بأنه ردة وقلت بأن التجربة التونسية لم تعد نموذجا للديمقراطيات العربية.. هل هذا صحيح؟


 ـ نعم، الأكيد أن المسار الذي تسير فيه تونس ليس مطمئنا ولم يعد النموذج الذي نريده أن يتحقق في بلداننا المغاربية.. ما يجري في تونس من ردة ومن انتهاك للقوانين.. يعني أن المسار تغير وأن تونس لم تعد النموذج الذي نطمح أن يكون بالنسبة لنا أملا..

س ـ هل تعتقدين بأن ما جرى في تونس ستكون له تداعيات على حقوق الإنسان في المنطقة؟


 ـ أكيد، ستكون للتراجعات الحاصلة في تونس تداعيات، وهناك اعتقالات في المغرب والجزائر، وهناك ردة فعلية، فلم يعد هنالك من دافع يحد من غطرسة حكامنا، فلم تعد الشعوب تخيفهم، وهو ما يسمح لهم بممارسة المزيد من التعسف والمظالم التي نراها في بلداننا.. 

ما جرى في مصر قبل ذلك كانت له ارتدادات خطيرة جدا في منطقتنا ككل.. ومنذ ذلك الحين شاهدنا منعطفا خطيرا في المغرب في انتهاك الحريات، والأكيد أن ما يجري في تونس ستكون له نفس الارتدادات وستعمق المشاكل الحقوقية.

س ـ الشعار الذي رفع في مصر، ويجري الآن رفعه في تونس، هو أن الخصومة مع الإسلام السياسي وليس مع الديمقراطية.. هل هذا الشعار يقنعك؟


 ـ هذا شعار تم رفعه في المغرب قبل مصر في العام 2007، جاء النظام المغربي بعرض سياسي يقول بأن على الديمقراطيين أن يتوحدوا مع النظام السياسي وعليهم أن يعملوا بشكل مشترك للقضاء على النظام السياسي، وأن عليهم أن يعملوا بشكل مشترك للقضاء على هذا الخطر الذي يهدد الديمقراطية.. طبعا هناك شق كبير من الديمقراطيين المغاربة رفضوا هذا العرض، وقالوا إن المسؤول عن مآسي المغاربة هو النظام.. وهذا لا يعني أن الإسلام السياسي لا يشكل خطرا على الديمقراطية عندما يكون ممثلا في تيارات عنفية لا تؤمن بالحوار وبالاختلاف.. هذه أيضا يجب محاربتها.

لكن هذا لا يدفعنا للقبول بأن نقبل بأنظمتنا كما هي استبدادية وطاغية لمواجهة الإسلام السياسي، فلا يمكن أن نواجه تيارا مهددا للديمقراطية بنظام هو في الأصل منتهك للديمقراطية ولحقوق الإنسان.. هذه العروض قديمة ولا زالت مستمرة.. وهو تحليل غير سليم بالمرة لأنه يحاول أن يخفي المخاطر التي تشكلها الأنظمة التعسفية والاستبدادية في بلداننا، وتقدم نفسها كبدائل، كما لو أنه لا خيار أمام الشعوب العربية إلا أن تقبل بهذه الأنظمة الدكتاتورية أو أن تصبح تحت حكم الإسلام السياسي.

والحقيقة أن هنالك بدائل أخرى بإقامة أنظمة تحترم التزاماتها في مجال حقوق الإنسان، وتحترم الديمقراطية وحقوق شعوبها.

س ـ هل يبرر انتماء أي شخص للإسلام السياسي أن يتعرض للاعتقال والتعذيب؟


 ـ هذه أمور تجاوزناها في الحركة الحقوقية، نحن في المغرب دافعنا عن السلفيين عندما تعرضوا لمحاكمات جائرة وعندما تعرضوا للاختطاف والتعذيب، دافعنا عنهم ووقفنا معهم ومع عائلاتهم التي تندد بالتعسف، هذه أمور محسومة بالنسبة للحقوقيين والحقوقيات الذين يؤمنون بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، فالإنسان هو إنسان أينما كان، ويجب الوقوف معه حين يتعرض لانتهاك حقوقه.. طبعا هذه الأمور لا يمارسها الجميع، لكن هذا هو المطلوب من الحركة الحقوقية، وهكذا اشتغلنا نحن في المغرب ودافعنا عن مختلف الناس، حتى أولئك الذين كانوا مع النظام ومارسوا انتهاكات فعلية كوزير الداخلية المغربي السابق عندما منعته السلطة من جواز سفره وقفنا معه وطالبنا بمنحه جواز سفره..

إذن حقوق الإنسان هي للجميع والفيصل هو المرجعية الكونية لحقوق الإنسان، وأي شخص يتعرض للظلم يجب الوقوف معه كيفما كانت آراؤه السياسية واختياراته الفكرية.

س ـ ما هي رسالتك إلى الحقوقيين والنشطاء السياسيين في تونس؟


 ـ رسالتي هي بالأساس للحقوقيين والحركة الحقوقية التونسية، وأقول إننا أولا معهم في هذه المحنة التي تعيشها تونس، ورسالتي لهم أن يكونوا ملتزمين بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان في عملهم.. ونحن نعرف تاريخا طويلا للحركة الحقوقية التونسية وما قدمته من تضحيات من أجل الديمقراطية، فالأكيد اليوم، أنها أمام تحديات مثل كل الحزقيين، ويجب أن تكون هناك وحدة حقوقية تونسية لمواجهة هذه التحديات، وأن تتوحد الحركة الحقوقية المغاربية لأننا نتعرض لذات التحديات.