أينما اتجهت هذه الأيام في عواصم الاتحاد الأوروبي واستمعت للشعارات السياسية المرفوعة من قبل الأحزاب المرشحة، قابلك الكم الهائل من استعمال شعارات (الإسلام يغزو قارتنا ويهدد هويتنا) وتتقدم الأحزاب لناخبيها بمشاريع أغلبها عنصري يعتمد التمييز العرقي والديني للحكم.
ولم يقتصر هذا الانحراف على أحزاب اليمين المتطرف المعروفة بل امتد إلى أحزاب اليمين الجمهوري المعتدل، فتسابقت جميعا إلى كسب الناخب الأوروبي محدود الثقافة السياسية والذي يشكل الضحية الأولى للتوجهات العنصرية.
وبالطبع فإن الناخب الأوروبي تأثر بعمليات إرهابية منعزلة ارتكبها هنا وهناك شباب من أصول مسلمة وأغلبهم يحملون جنسيات أوروبية وتعلموا في مدارس أوروبية ونشأوا في مجتمعات أوروبية لكن بعضهم مصاب بلوثات عقلية أو هشاشة فكرية تؤثر فيه دعايات متطرفة وتذكي فيه غريزة العنف كما كان الحال بالنسبة لمتطرفين مسيحيين أو يهود ارتكبوا أفظع الجرائم ضد المسلمين الآمنين بل المصلين في المساجد!.
وتقدمت فرنسا عن غيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروربي بأشواط في التنافس العنصري فاختار حزب الرئيس ماكرون الدخول في التنافس اليميني لينتزع الرصيد الانتخابي من المرشحين الاثنين المتطرفين مارين لوبان وإيريك زمور.
وحللت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية الأسبوع الماضي هذه التوجهات فقالت إن الرئاسة الفرنسية الراهنة للاتحاد الأوروبي تخيف المنظمات الإنسانية المدافعة عن حقوق الإنسان والداعية إلى التعايش بين كل الأديان كما كان الحال دائما في الدول الأوروبية.
وقالت الصحيفة: "تسلمت فرنسا رئاسة الاتحاد الأوروبي المتناوبة للستة شهور القادمة وهي فرصة لا ريب أن الرئيس إيمانويل ماكرون سوف يستخدمها لكي يدفع بأوروبا نحو هدفه المتمثل بتحقيق أعظم "استقلال ذاتي استراتيجي أوروبي في العالم".
يخشى البعض في بروكسيل من أن تعيق انتخابات إبريل 2022 التي ستشهد تنافساً محموماً قبل أن يتمخض مؤتمر مهم حول مستقبل أوروبا عن أي نتائج. ليس من المطمئن أن يكون قرار ماكرون مرحلياً هو رفع علم الاتحاد الأوروبي الأزرق والذهبي فوق قوس النصر في باريس لأول مرة مع العلم الثلاثي الفرنسي قد صدم مرشحي الانتخابات في معسكر اليمين المتطرف والتيار المحافظ لأنه يرمز إلى إرادة ماكرون باستقلال أوروبا عسكريا ونوويا لتخرج من عباءة واشنطن وحلف الناتو، وهو ما أثار حفيظة الرئيس بايدن ضد فرنسا الماكرونية فحرمها من صفقة الغواصات الأسترالية (أي من 40 مليار يورو) إلى جانب غضب الإدارة الأمريكية من تعويض القوة الروسية قوات فرنسا في الساحل الإفريقي عن طريق ميليشيات (فاغنر) في مالي!.
تقول (الأندبندنت): "ولكن الكثير من المسلمين الأوروبيين قلقون من فترة رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي لسبب آخر فهم يخشون أن ينساب الخطاب المعادي للمسلمين إلى مؤسسات صناعة القرار والسياسة داخل الاتحاد.
وسوف تكون حملة الانتخابات الفرنسية موسماً لاستهداف المسلمين في فرنسا! فقد تبنى كثير من السياسيين الفرنسيين الإسلاموفوبيا المتفشية استراتيجية انتخابية وغدت النقاشات المسمومة حول الإسلام والمسلمين والممتزجة بالمواقف المتعصبة ضد العرقيات وضد المهاجرين أشد وأنكى.
والأمر المفزع هو أن تقريع المسلمين لم يعد يقتصر على (مارين لوبان) مرشحة اليمين المتطرف المعادية للمهاجرين فقد اتهم وزير داخلية ماكرون المتشدد (جيرالد دارمانين) مارين لوبان أثناء مناظرة تلفزيونية نظمت مؤخراً بأنها صارت متساهلة مع الإسلام!.
وبلغ الأمر بالمعلق التلفزيوني السابق (إريك زيمور) أن جلب إلى التنافس على الرئاسة أجندة معادية للمسلمين أكثر فظاعة بينما تبنت المرشحة الديغولية عن الحزب الجمهوري (السيدة فاليري بيكريس) نهجاً متشدداً إزاء الهجرة بعد أن منعت قبل ذلك ارتداء البوركيني في أماكن السباحة المفتوحة في منطقة باريس التي ترأسها والحكومة ذاتها لم تزل تفرض سياسات معادية للمسلمين بما في ذلك قانون يفترض فيه منع "الانفصالية" وبروز "مجتمع مضاد" في أوساط المواطنين المسلمين في فرنسا والذين يبلغ تعدادهم ستة ملايين نسمة.
كما توجه لحكومة ماكرون انتقادات بسبب منعها لمنظمة (التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا)، احدى منظمات المجتمع المدني الرائدة في مناهضة التمييز والتي توثق ما يرتكب من جرائم كراهية ضد المسلمين. كما تحذر الشبكة الأوروبية ضد العنصرية من موجة عارمة من التضييق على المسلمين الفرنسيين وقالت إن الحكومة تستخدم "إجراءات إدارية لا تحصى" لإغلاق ومنع المنظمات التي ينشط فيها مسلمون بما في ذلك المساجد والمدارس وحتى مطاعم الوجبات السريعة المملوكة للمسلمين بذريعة مزاعم لا دليل عليها تربطها بجماعة الإخوان المسلمين!.
ولكن ثمة خوفا الآن من أن تستخدم فرنسا رئاستها للاتحاد الأوروبي من أجل الدفع نحو اتخاذ إجراءات أشد صرامة في كل أنحاء أوروبا وهو خوف معقول إذا ما أخذنا بالاعتبار اعتراض الوزراء الفرنسيين على (هيلينا دالي) المفوضية الأوروبية لشؤون المساواة بسبب اجتماعها بأعضاء من (فيميسو، منتدى المنظمات الإسلامية الشبابية والطلابية في أوروبا)، الشبكة التي شاركت كذلك في حملة مناهضة التمييز التي نظمها مجلس أوروبا للتركيز بشكل خاص على الحجاب.
وكانت الحملة قد أثارت سخطاً سياسياً في فرنسا باعتبارها هجوماً على "قيمها". فما كان من السيدة (دالي) إلا أن دافعت عن الاجتماع بممثلي فيميسو، وكانت محقة في ذلك، وبينت أن الهدف من اللقاء كان مناقشة التحديات التي تواجه الشباب المسلمين في أوروبا "نتيجة للنمطية والتمييز والكراهية".
وفي معرض هجومها على (دالي)، قالت (مارلين شيابا) وزيرة المواطنة في حكومة ماكرون إن فيميسو "رابطة إسلاموية" تهاجم فرنسا وتعمل على اختراق مؤسسات الاتحاد الأوروبي وهي تهمة تنفيها (فيميسو) نفياً قاطعاً سبق أن وصفها رئيس المنظمة (هاندي تانير) في تصريح له بأنها مثيرة للضحك.
في هذه الأثناء أفضى تدخل من قبل الحكومة الفرنسية لدى المفوضية الأوروبية إلى تأخير ثم إلغاء خطة كانت معدة لتمويل مجموعة حقوقية أخرى هي التحالف من أجل المواطنة كان قد دافع عن حق النساء المسلمات في العوم في المسابح العامة وهن يرتدين البوركيني (لباس السباحة المحتشم) وكانت الحجة التي تذرعوا بها لتبرير قرار التأخير ثم الإلغاء هي "أسباب إدارية"!.
وتضيف كاتبة مقال الأندبندنت قائلة: "تشير التقارير والمقالات التي كتبتها بنفسي حول فرنسا وأوروبا على مدى أعوام إلى حالة مستمرة من عدم الارتياح تجاه الإسلام باعتباره ديناً غريباً واعتبار المسلمين أجانب غير مرغوب فيهم، كما تشير إلى خوف لا عقلاني من الحجاب ومن الأطعمة الحلال مع استخدام الألفاظ الساخرة للربط بين الإسلام والتطرف والإرهاب حتى أصبحت ظاهرة متكررة لدرجة تدفع للضجر في التجمعات الرسمية وغير الرسمية. ما لبثت هذه العقدة الفرنسية تجاه المسلمين والتي كانت يوماً حكراً على المجموعات اليمينية المتطرفة في أوروبا أن توسعت لتشمل المشهد السياسي الأوروبي بأسره، حيث يُنظر إلى الإسلام إما باعتباره تهديداً للتقاليد الوطنية العلمانية أو مناهضاً لفكرة "أوروبا المسيحية".
(الشرق القطرية)