قضايا وآراء

الإمارات- تركيا.. الحب الزائف

1300x600
لم تكن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للإمارات منتصف شباط/ فبراير 2022 حدثا عاديا كغيره من الزيارات، ذلك أنها جاءت بعد حرب باردة بين البلدين بلغت فيها الاتهامات المتبادلة مبلغا غير مسبوق، وصل حد التآمر والإضرار بالأمن الوطني. وجاءت الزيارة لتوقف ولو مؤقتا هذه الحرب الباردة، ولتحاول أن تحل محلها في الحد الأدنى "حب بارد" وإن أظهرت الإمارات "حبها الدافئ" أو بالأحرى "الزائف" في مظاهر احتفالية وكرنفالية مبالغ فيها لدرجة تدفع لعدم تصديقها، وتشي بأن وراءها شيئا آخر غير الظاهر منها.

رغم تلك المظاهر الاحتفالية البالغة لم ولن تنسى تركيا للإمارات مشاركتها في محاولة الانقلاب الفاشلة صيف 2016، ولا ما سبقها ولحقها من مؤامرات على الاقتصاد التركي، وزرع القلاقل الأمنية، ولن تنسى الإمارات مهمتها في زعزعة استقرار الحكم التركي بحسبانه جزءا من المشروع الإسلامي الذي تحاربه في كل مكان، حتى وإن اضطرت لموادعته مؤقتا لحاجة في نفس يعقوب.

قد تكون الإمارات أدركت في نهاية المطاف أن تحركاتها لإسقاط أردوغان أو زعزعة الأمن والاقتصاد التركيين بالصورة الفجة السابقة انتهت بالفشل، وليس لها فرصة نجاح أخرى، وبالتالي فقد قررت اختيار طريق جديد عبر حضورها الشرعي الكثيف داخل تركيا، سواء من خلال شبكة دبلوماسييها أو مستثمريها، أو إعلامييها.. إلخ، وقد تكون في حاجة ماسة لتركيا لتحقيق أمنها في مواجهة مخاطر إيرانية محدقة مع تقدم المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية والتي قد تتوج طهران زعيمة للمنطقة الخليجية، أو لنقل "بلطجيا مقبولا أمريكيا"، وهنا تخشى الإمارات على نفسها الابتلاع من هذا البلطجي الذي لا يخفي أطماعه فيها، والذي يحتل فعليا ثلاثا من جزرها (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) والذي يستند إلى عمق عائلي في الإمارات؛ إذ أن أصول معظم العائلات الإماراتية الكبرى والمتحكمة في الاقتصاد هي إيرانية. وفي كل الأحول فإن قصور الحكم في الإمارات هي مرمى "المقلاع الإيراني" ولا تحتاج لصواريخ عابرة للقارات!!
رغم تلك المظاهر الاحتفالية البالغة لم ولن تنسى تركيا للإمارات مشاركتها في محاولة الانقلاب الفاشلة صيف 2016، ولا ما سبقها ولحقها من مؤامرات على الاقتصاد التركي، وزرع القلاقل الأمنية، ولن تنسى الإمارات مهمتها في زعزعة استقرار الحكم التركي بحسبانه جزءا من المشروع الإسلامي الذي تحاربه

ومن هنا ترى الإمارات ضرورة الاستناد إلى قوة تحميها مع احتمال تخاذل واشنطن، وقد رأت أبو ظبي نتيجة تدخل هذه القوة (تركيا) في قطر المجاورة، حيث أنقذتها من خطة اجتياح جاهزة كانت الإمارات نفسها شريكا فيها.

كما أن الإمارات التي أصبحت هدفا متكررا للصواريخ الحوثية مؤخرا تدرك أن هذه الصواريخ إيرانية، وأنها لن تتوقف إلا إذا وجدت ما يردعها، وهذا الرادع سيكون تركيا وطائراتها المسيرة البيرقدار التي أثبتت نجاعة في العديد من المناطق الملتهبة الأخرى، مثل ليبيا وناجورنو كاراباخ، وغيرت المعادلات على الأرض في تلك المناطق لصالح الطرف الذي استعان بها. وقد تظهر نتائج هذا التقارب الإماراتي التركي قريبا في صورة توقف الصواريخ الحوثية ضد الأهداف الإماراتية.

وربما تشعر الإمارات أن لديها القدرة على دفع تركيا قدما على طريق المزيد من التطبيع مع الكيان الصهيوني، مستغلة وجود علاقات طبيعية قديمة لأنقرة مع تل أبيب، ومساع حديثة لتطوير العلاقات، وستعتبر أن أي تقدم في تلك العلاقات كما تشير التطورات الفعلية سيكون نجاحا لخطة التطبيع الإماراتية تحت مسمى الديانة الإبراهيمية، ويا له من نجاح عظيم لو نجحت الإمارات في إقناع تركيا بالانضواء تحت هذه المظلة حتى وإن تركت الإمارات لها مركز الصدارة فيها ظاهريا!!
من الواضح أن زيارة أردوغان للإمارات ركزت أساسا على هموم داخلية لكلا البلدين، تتركز على الملفين الأمني والاستثماري، لكن ذلك لا يعني غياب القضايا غير المحلية

الأهداف التركية من تلك الزيارة مختلفة بطبيعة الحال، فهي تأتي في إطار مساع دبلوماسية لتخفيف التوتر مع العديد من الأطراف خدمة لمصالح داخلية، وخاصة الاقتصاد التركي الذي يحتاج إلى التدفقات الاستثمارية الخليجية، وإلى الأسواق الخليجية، كما أن تركيا تريد تجنب المزيد من المؤامرات الإماراتية في وقت بدأت فيه الاستعدادات مبكرا للانتخابات الرئاسية صيف العام المقبل، وتعتبر أن تطبيع علاقتها مع الإمارات هو المدخل الأنجع لتطوير العلاقات مع جميع دول الخليج بما فيها السعودية؛ التي ستجد نفسها مضطرة في النهاية لتطبيع علاقتها مع تركيا بتنازلات لم تكن تريدها من قبل. وغالبا لن ينتهي هذا العام قبل تسوية الخلافات التركية السعودية وفتح صفحة جديدة، متجاوزة جريمة اغتيال خاشقجي وما تبعها من أزمات، وقد تكون هذه الصفحة الجديدة هي المفتاح لإنهاء الحرب العبثية في اليمن.

من الواضح أن زيارة أردوغان للإمارات ركزت أساسا على هموم داخلية لكلا البلدين، تتركز على الملفين الأمني والاستثماري، لكن ذلك لا يعني غياب القضايا غير المحلية. وقد تحدثنا عن ملف التطبيع في المنطقة وإمكانيات دفع تركيا خطوات جديدة فيه، وكذا احتمال حدوث تغيرات في المشهد اليمني، فهل يمكن أن يطال الأمر أوضاع المصريين المعارضين المقيمين في تركيا والذين تصنف الإمارات الكثيرين منهم ضمن قوائمها للإرهاب؟ وهل شملت المباحثات طرد هؤلاء المعارضين من تركيا؟ لم ترشح أخبار عن ذلك، ولكن تحليل سياق الزيارة وأولويات كل طرف فيها يكشف لنا أن هذه المسألة لم تكن أولوية للإمارات في المباحثات، لقد كان لديها ما هو أكثر اهتماما وهو أمنها الذاتي المهدد من الحوثيين والإيرانيين، وليس من المنطقي وهي في هذا الحال أن تطلب ممن تريد مساندته مطالب أخرى لا تخصها بشكل مباشر، ولكنها ستترك ذلك لمسار المباحثات المصرية التركية.

twitter.com/kotbelaraby