مقابلات

خبير يتحدث لـ"عربي21" عن خطر اندلاع حرب نووية بأوكرانيا

أكد الباحث أن استخدام النووي بأوكرانيا ربما يجعل كوكب الأرض على حافة الانتحار- عربي21

قال الأكاديمي المصري، والباحث في الهندسة النووية بالكلية الملكية في كندا، الدكتور محمد صلاح حسين، إن "أقصى سقف للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في استخدام السلاح النووي لا يتعدى أبدا استخدام صواريخ محدودة القدرة جدا لردع الجيش الأوكراني إذا ما شعر أنه سيخسر الحرب".


ورأى، في مقابلة مع "عربي21"، أن "استخدام السلاح النووي في أوكرانيا سيكون دربا من الجنون اللامتناهي، فحينها سينتشر الإشعاع في أماكن عديدة في أوروبا، لكني أستبعد هذا الخيار لأسباب متعددة".

 

واستدرك صلاح قائلا: "لكن إن دخلنا في سيناريو حرب عالمية نووية، فحينها سيصبح شمال الكرة الأرضية، وربما الكوكب كله، على حافة الانتحار، خاصة أن ما تملكه القوى النووية العالمية من سلاح نووي كاف تماما لتدمير كوكب الأرض عدة مرات".

 

وتاليا نص المقابلة مع "عربي21":

 

- كيف تابعتم تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي؟ وإلى أي مدى تعتقد أنه جاد في ذلك خاصة بعدما أمر وزير دفاعه بوضع قوات الردع النووي الروسية في "نظام خاص من المهام القتالية"؟


لا أعتقد أن بوتين جاد فيما يقوله، لأن تهديده كان بمثابة رسالة إلى الغرب مفادها أنه ماضٍ في حربه مهما كان الثمن حتى تتحقق أهدافها، وهذا الأمر هو الذي حال دون اقتراب أوروبا وأمريكا من ساحة العمليات على الأرض، لتجنب المواجهة المباشرة والتي قد تؤدي إلى نشوب حرب عالمية ونووية.


في الواقع أن معظم الأسلحة النووية كانت على وضع الاستعداد حتى قبل اندلاع الحرب، وتحويلها إلى وضع الاستعداد الدائم لا يستغرق إلا دقائق معدودة. ونؤكد أن استخدام السلاح النووي من قِبل أي طرف يعتبر قرارا خطيرا للغاية، بل يعد انتحارا مدمرا، لأنه سيؤدي لإخراج الدول المتحاربة، وبلدان أخرى كثيرة، من مفهوم الحياة عامة والوجود الإنساني خاصة.


ولا بد أن نعرف أن اتخاذ قرار بحرب نووية لا ينفرد به شخص بعينه، ولكنه سلسلة من القرارات المتتالية والمرتبطة بالهيكل الاستراتيجي في هيئة أركان كل دولة نووية؛ فمتخذ القرار يعلم أنه يوقع على شهادة وفاته هو ومَن يوافق عليه.


وهناك الترسانة الروسية المُعبّأة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي قد يلجأ إليها بوتين أولا لو وجد أنه سيفقد أهدافه في الحرب. وهذه الأسلحة، وإن كانت في منتهى الخطورة ومحرمة دوليا، إلا أنها أقل خطرا وتدميرا من الأسلحة النووية.


ولكني أعتقد أنه حتى وإن طال أمد الحرب، فهناك من الأسلحة الروسية، والتي لها قدرات تدميرية عالية جدا لم تُستخدم بعد. وبوتين قادر بهذه الأسلحة التقليدية فقط على محو أوكرانيا من على الخريطة، وهذا ما لا نتمناه.


- بوتين أعلن في مؤتمر صحفي خلال آذار/ مارس 2018 أن روسيا تطور أنواعا جديدة من الأنظمة النووية.. فما المقصود بهذه الأنواع الجديدة؟ وما حجم خطورتها؟


خلال هذا المؤتمر، استعرض بوتين العديد من الأسلحة الجديدة التي اعتمدت على الطفرة التكنولوجية باستخدام أسس الفيزياء والحوسبة الحديثة، ولكن أهم ما أشار إليه بوتين حينها سلاحان أولهما أحد طرازات الصواريخ المجنحة البالستية والعابرة للقارات، والتي تتحرك بقوة دفع مفاعل نووي صغير فيه، وهو مؤهل لحمل عدة رؤوس نووية أو تقليدية، فضلا عن صواريخ أخرى مجنحة مثل صاروخ كليبر الذي يعتمد على قوة دفع الوقود الصلب والجاذبية الأرضية، وأهم ما يميزه أن مساره لا يأخذ المسار المنحني التقليدي للصواريخ البالستية التي تأخذ المسار المنحني الأقصر نحو الهدف، ولكن إدارة توجيه هذا الصاروخ الجديد ترسم له مسارات وهمية ومتعددة تتحكم فيها الأقمار الصناعية، فضلا عن التوجيه الأرضي، وذلك لتضليل منظومات الرصد للدفاعات الجوية، وهو ما يجعله قادرا على المناورة والهروب منها، وكذلك تفادي المرتفعات والجبال، وبالتالي إصابة هدفه بدقة وفي توقيت زمني أقل بكثير من زمن رد فعل منظومات الدفاع الجوي للتعامل معه.


كما أنه تم الكشف عن نوع آخر من الصواريخ التي تسير بسرعة تساوي 9 أضعاف سرعة الصوت أو 9 ماخ، وخطورة هذا الصاروخ تكمن في سرعته الفائقة التي تسمى بـ"الفرط صوتية Hypersonic". 

ولأن هذه السرعة التي قد تصل إلى أكثر من 3000 متر في الثانية فإن سرعة احتكاك جسم الصاروخ بالهواء حوله يولّد من الحرارة ما يكفي لتأيّن جزيئات وذرات الهواء حول جسم الصاروخ إلى أيونات موجبة وسالبة مولّدة مجالات كهرومغناطيسية دوارة وغير منتظمة حول الصاروخ، وهو ما يعمل على تشتيت موجات الرادارات الأرضية، وبالتالي يصعب رصده بتكنولوجيا الرادارات الأرضية الحالية، فضلا عن أنه متعدد المراحل ويحمل عدة رؤوس تقليدية أو نووية موجهة.

 

ولكي لا يتأثر جسم الصاروخ من الحرارة الشديدة المتولّدة بالاحتكاك فقد صُنع جسمه من سبائك متقدمة تحتوي على أكثر من 10 معادن مختلفة لتتحمل درجات حرارة أكثر من 1000 درجة مئوية. فضلا عن أن معظم هذه الصواريخ يتم طلاؤها أيضا بمواد تشتت موجات الرادار مثل طلاءات طائرات الشبح.


- لكن ماذا لو أقدم بوتين على استخدام السلاح النووي؟


إن أقصى سقف لبوتين في استخدام السلاح النووي لا يتعدى أبدا استخدام صواريخ محدودة القدرة جدا لردع الجيش الأوكراني إذا ما شعر بأنه سيخسر الحرب، لأن خسارته لتلك الحرب تعني نهايته سياسيا، ونهاية وضع الاتحاد الروسي استراتيجيا واقتصاديا، ولهذا أستبعد تماما أنه سيلجأ إلى هذا الخيار.


لكن لو حدث واتخذ مثل هذا القرار، فإن استخدام السلاح النووي في أوكرانيا سيكون دربا من الجنون اللامتناهي؛ فحينها سينتشر الإشعاع في أماكن عديدة في أوروبا، ولكن لا أعتقد أن الناتو سيتدخل أيضا إلا إذا تعرضت إحدى دوله لاعتداء مباشر، وهذا ما يراهن عليه بوتين حتى الآن في رفع سقف أهدافه العسكرية والسياسية من الحرب.


ومسيرة الحرب حتى الآن، وبالرغم من تعثر بوتين وخطأ حساباته التي كانت مبنية على حرب خاطفة لأيام، لا تنبئ بأن روسيا يمكن أن تلجأ لهذا الخيار النووي أو أي سلاح من أسلحة الدمار الشامل.

 

اقرأ أيضا: NYT: أزمة أوكرانيا قد تتحول إلى حرب نووية

ولنعلم أن الأهداف الخفية للحرب، والتي لم يعلنها بوتين، هي الاستيلاء على ثروات أوكرانيا ومواردها الضخمة، فضلا عما تمثله أوكرانيا من عمق استراتيجي لروسيا، بخلاف أن هناك بُعدا دينيا وتاريخيا للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وهو ما أعلنه صراحة. لذا فهو لا يريدها ملوثة إشعاعيا ولا بيولوجيا ولا كيميائيا.


أما في حال استخدام السلاح النووي نحو أوروبا أو تضرر دول الناتو بآثاره، فأعتقد أنها ستكون القاضية، وستجبر دول الناتو النووية (أمريكا وفرنسا وبريطانيا) على الرد، خاصة أن هذا الأمر سيضع شمال الكرة الأرضية، وربما الكوكب كله، على حافة الانتحار.


ونشير هنا إلى أن ما تملكه القوى النووية العالمية من سلاح نووي كاف تماما لتدمير كوكب الأرض عدة مرات، بل وإنهاء كل أشكال الحياة عليه للأبد.


- وكيف تتصور حجم الدمار حال حدوث تسرب إشعاعي من إحدى المحطات النووية في أوكرانيا؟


يجب أولا أن نعرف أن المفاعل النووي عبارة عن قنبلة نووية، ولكنه تحت السيطرة والتحكم الكامل، والمفاعلات الأوكرانية العاملة كلها تنتمي إلى المنظومة الروسية، ولدى أوكرانيا 13 مفاعلا من طراز VVER1000 ومفاعلان من طراز 440 VVER موزعة على أربع محطات نووية.


لا بد أن نذكر هنا أيضا أن الوقود في المحطات النووية يتم تخزينه في مكانين: أولا داخل المفاعل لإتمام عملية الانشطار النووي وإطلاق الطاقة منه.. وبعدما يستنفد هذا الوقود يتم نقله إلى أحواض التبريد التي يظل فيها لما يقرب من 30 عاما. وفي الحالين، حتى وإن تم إغلاق المفاعل ولو مؤقتا للصيانة أو للشحن بالوقود، فإن دورات التبريد بالماء لا تتوقف. فدورات التبريد هذه تتحكم فيها مضخات تديرها مولّدات تعمل بالكهرباء أولا ثم بالديزل ثانيا كوضع احتياطي في حال انقطاع الكهرباء.


وفي حال توقفت دورة تبريد المفاعل أو الوقود في حوض التبريد لسبب ما، فإن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع كبير في درجة الحرارة التي ستؤدي بدورها إلى انصهار الوقود، ومع ارتفاع الحرارة تحت الضغط داخل جسم المفاعل يحدث تفاعل كيميائي. حيث سينفصل فيه هيدروجين وأكسجين الماء، ويكون الهيدروجين فقاعة تشتعل بانفجار بفعل الحرارة المرتفعة وتوفر الأكسجين ومواد أخرى، ما سيؤدي لاحقا وسريعا إلى انفجار قلب المفاعل أو حوض التبريد، وتناثر تلك المواد المشعة في محيطه.


هذا الانفجار ليس بسبب تفاعل نووي انشطاري لليورانيوم، أي إنه ليس ذلك الانفجار النووي الناتج عن الوصول الحرج للحجم والكتلة النووية، بل ناتج عن تفاعل كيميائي شديد في وسط من المواد المشعة، وهو ما يشبه "القنابل القذرة"، وهذا ليس تقليلا من خطورة مثل هذه الكارثة، لأن تلك المواد أو النظائر المشعة ستنتشر وتتناثر لعشرات الآلاف من الأميال بصورة عشوائية تتحكم فيها السحب والرياح ودرجة الحرار والأمطار والضغط الجوي. أما المدن والمناطق القريبة من موقع النووي المنكوب فقد تتوقف فيها الحياة تماما بسبب تلوث تربتها ومبانيها، فضلا عن منع الزراعة في كافة الأراضي الملوثة بالمواد والعناصر المشعة التي ستسقط عليها بفعل الأمطار من السحابة الذرية.


ومن المعروف أن التحلل النووي لمثل هذه العناصر من النظائر المشعة يحتاج إلى مدة تتراوح بين عدة دقائق إلى ملايين السنين. لذلك، فقد تُغلق بعض المناطق وتُمنع زيارتها للأبد، لأن تنظيفها سيحتاج إلى أموال طائلة وربما تكون هناك استحالة في ذلك، وهنا تكمن خطورة انفجار أي مفاعل أو اشتعال النار في أي منطقة تحتوي على مواد نووية خطيرة أو استخدام أي سلاح نووي، لأن الدمار سيكون في الغالب دائما ويمتد تأثيره لأجيال قادمة.


- البعض قال إن أمريكا تدخلت في العراق بحجة امتلاكه سلاحا نوويا، بينما لم تتدخل عسكريا في الحرب الروسية-الأوكرانية لأن موسكو تمتلك أسلحة نووية مدمرة بالفعل.. كيف ترون تلك المفارقة؟


لو أن العراق كان يملك سلاحا نوويا ما تجرأت أمريكا ولا أي دولة على احتلاله وتدميره؛ فقد كانت مهمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي كان يترأسها محمد البرادعي حينها، التأكد من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، ومنها الأسلحة النووية، وعندما تأكدوا وتسربت تلك المعلومات إلى الجانب الأمريكي قاموا بمهاجمة العراق مهد الحضارات ودرع العرب وأخرجوه من التاريخ، وحولوه للأسف إلى دولة فاشلة.


وبالطبع، أمريكا لم ولن تدخل في حرب عسكرية مباشرة ضد روسيا، حتى لو أحرق الروس آخر طفل وامرأة ورجل ونبتة في أوكرانيا، لأنها تدرك أن المواجهة مع الروس ربما تعني حربا نووية عالمية لا منتصر فيها. والحرب النووية حتى وإن كانت محدودة فستعيد مَن يتبقى من العالم مئات السنين إلى الوراء. لأن السلاح النووي هو سلاح ردع وليس سلاح حرب، وهذا ما اتفقت عليه القوى العظمى منذ خمسينيات القرن الماضي.


- لماذا تُصرّ أوكرانيا على استخدام الطاقة النووية رغم تعرضها سابقا لأكبر كارثة نووية في العالم من خلال مفاعل "تشيرنوبل" عام 1986؟


لنذكر هنا أن مفاعل "تشيرنوبل" كان من طراز RBMK، وهو طراز فيه عيوب متعددة في التصميم، بالإضافة إلى مشاكل الحقبة السوفييتية التي كان تقدم الولاء على الكفاءة وتبالغ في السرية، وبالتالي فقد كانت الشركة المنتجة للمفاعل تبالغ في السرية حوله سواء في هندسته أو عيوبه، ولك أن تتخيل أن الطاقم المسؤول عن إدارة المفاعل في فجر 26 نيسان/ أبريل 1986 لم يكن لديه التدريب والمعلومات الكافية عن عيوب ومشاكل المفاعل والحدود الآمنة لتشغيله. أما المفاعل VVER1000 فتصميمه مختلف، وأكثر أمانا من طراز مفاعل "تشيرنوبلRBMK 1000".


ولأن الطاقة النووية مصدر رخيص ونظيف للطاقة، ولا تؤدي إلى انبعاثات كربونية.. لذا فقد كان الإرث النووي السوفييتي من مفاعلات وتكنولوجيا نووية هو القاطرة التي ساهمت كثيرا في النهضة الأوكرانية، حيث تعتمد أوكرانيا على 51% من طاقتها الكهربية من 15 مفاعلا موزعة على أربع محطات نووية، فضلا عن أن أوكرانيا تُعدّ من أكبر دول أوروبا التي تمتلك الكثير من مناجم اليورانيوم والمعادن اللازمة للصناعات النووية، فضلا عن كوادرها المؤهلة.


- مؤخرا ترددت أنباء تشير إلى انقطاع الكهرباء أكثر من مرة عن محطة "تشيرنوبل" النووية، فما خطورة ذلك بالرغم من أن المفاعلات الأربعة الموجودة في المحطة لا تعمل ومتوقفة عن إنتاج الكهرباء؟


مفاعلات محطة "تشيرنوبل" الثلاث 1,2,3 متوقفة بالفعل عن إنتاج الكهرباء منذ عام 2000. أما المفاعل المنكوب رقم 4 فما زال به أكثر من نصف الوقود المنصهر (أكثر من 50 طنا من الوقود النووي المنصهر) الذي هو في حالة تحلل نووي دائم وبدون دورة تبريد. لذلك فهو مُغطى بدروع من الرصاص، كما أنه يحيط به درع خرساني مبني من مئات الآلاف من الأطنان من الخرسانة المسلحة لمنع تسرب الإشعاع النووي والمواد المشعة إلى البيئة، ويحتاج إلى مراقبة نووية دائمة لتلافي حدوث أي تسرب إشعاعي آخر للمواد عبر المياه الجوفية إلى الأنهار المجاورة.

 

اقرأ أيضا: "الطاقة الذرية": عودة الكهرباء لمحطة تشيرنوبيل النووية

أما بالنسبة للمفاعلات الثلاثة الأخرى فقد تم نزع قضبان الوقود منها جميعها بحلول نيسان/ أبريل 2016، ولم تعد منشآت نووية خطيرة قابلة للانفجار بسبب التفاعل النووي. وإن كان القلب الحاوي لتلك المفاعلات الثلاثة خال من الوقود، قإنه ما زال مشعاً إشعاعا محدودا، وهذه المفاعلات الآن مُعدة للتفكيك الهندسي النووي المتخصص.. ويبدأ في العادة بعد ثلاثة عقود من تاريخ تفريغ المفاعل من الوقود.


ولكن على الجانب الآخر، فإن الوقود المستخرج من تلك المفاعلات الثلاثة، وهو ما يعادل أكثر من 300 ألف طن من الوقود النووي المستنفد؛ فهو مخزن في أحواض التبريد دخل المحطة التي تحتاج إلى دورة تبريد بالماء مستمرة لمنع ارتفاع درجة الحرارة، حتى لا تتهيأ الظروف الكيميائية التي قد تنتج عنها فقاعة الهيدروجين، والتي قد تتسبب في انفجار وحريق كيميائي، كما أشرنا آنفا، ما قد يؤدي إلى تناثر المواد المشعة وتلوث المناطق والدول المحيطة.